رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدين والأخلاق في عصر العولمة

وصلتني هديّة قيّمة من صديقي العزيز البروفيسور ثابت عيد، والهدية  هي النسخة العربية من كتاب العالم  السويسري هانس كينج  لماذا مقاييس عالمية  للأخلاق ؟،

بالطبع أمام بحار الدماء التي خضناها مع الغرب كمسلمين راودنا "الشك الكبير" في أن يكون هناك مَن ينادي بالأخلاق.

يقينًا المفهوم لدينا نحن ـ المسلمين ـ الذين نزعم أننا ملتزمون بالإسلام يختلف عن كثير من المفاهيم النسبية التي نبتت في الغرب، أو كما قال الكاتب  باسم الجسر بجريدة الشرق الأوسط العدد 11861 تعليقا على محاكمة "دومينيك شتراوس"، مدير صندوق النقد الدولي السابق :"فباسم احترام حقوق الإنسان وحريته في الغرب، تراجع المفهوم الديني للأخلاق وللمقدسات العائلية وللحلال والحرام، وساد نوع من الإباحية الجنسية شبه المطلقة بين الأجيال الطالعة".

بالطبع ليس هذا مطلقا في الغرب، فهناك من يؤمنون بالأخلاق على "الطريقة الإسلامية"، ولكن يدخل في إطار الأخلاق قيم المعاملات، وقداسة دم الآخر وماله، وهذا مُعترف به  نسبيا من الغرب مادمت مواطنا غربيا أما لو كنت من الغرباء، ولك مبادئ تؤمن بها فالمسألة مختلفة!، وهذا  ليس مطلقا أيضا في الغرب.

وإن كانت العدالة في المحاكم الغربية شيئا محمودا ولها قداستها لديهم فإن هذا المعيار يتلاشى ويُعاد صياغة فهمه إنْ تعارض مع المصلحة الغربية مثلما حدث في أفغانستان، والعراق وقبلها ماحدث في مأساة البوسنة، وغيرها  من البلدان.

فتغير المعايير لازمة حتى في أعرق الدول الغربية ديمقراطية، فالأخلاق في المفاهيم تختلف ونسبيتها تختلف، أما في حالة "هانس كينج" كعملاق من عمالقة  الفكر الإنساني فحاول الجمع بين المفاهيم سواء في المذاهب الوضعية أو القيم الدينية، بوصفه كاثوليكي وأيضا ككاتب عالميّ الثقافة، وإنسانيّ النظرة  كان منصف الحكم كما وصفة صديقنا المترجم البروفيسور ثابت عيد .

قطع الكتابُ رحلة شاقة منذ صدور الطبعة الثانية الألمانية 2006 ـ التي نقل عنها المترجم ـ حتى ظهورالنسخة العربية، حيث استغرق الإعداد لهذا الكتاب الكثير من الجهد ليحقق الصديق "ثابت عيد" معادلةً شاقّة لاستعادة "الكتاب العربي الجاد ـ عرشه وسط سقوط صناعة الكتاب في بحر الإنتاج التجاري الذي يبتعد عن الرصانة حينا ويغرق في الإسفاف كثيرا، حتى صارت الكتب الفاخرة التي يقتنيها الناس هي كتب الطبخ، والتجميل وعارضات الأزياء ونجوم السينما وغيرها.

محتوى الكتاب جديد في بابه، ونادرا ما يتحدث الأوروبيون عن الأخلاق بمثل هذا الفهم والاستيعاب، وإن كنا لا ننكر أن لهم سلوكيات ظاهرة رائعة من الإتقان والصدق، والعدالة الشفافية في التعامل، وإن كانت هذه المفاهيم تخضع لمفهوم "الرقابة الذاتية" لدى الفرد الذي قد يتخلف حين يتعارض ذلك مع المصلحة الذاتية، ونستطيع أن نقول بثقة حين يغيب الرقيب البشري المتخفي في وسائل الرصد الأليكترونية، والتنصت، وتحليل المعلومات لاستباقية الحدث قبل وقوعه. والرقابة الذاتية لدى الكثيرين نابعة من الخوف أن يقع الفرد تحت طائلة القانون لذا يخشى الفرد القانون دون وازع آخر من الدين مثلا .

يقول هانس كينج إن هناك صعوبةّ  لتحقيق  مقاييس عالمية  للأخلاق حيث سيجد الف  إجابة بحسب مجالات الحياة حين يطرح سؤال لمَ الحاجة لمقاييس عالمية  للأخلاق ؟ ،ويضيف المؤلف أن الحاجة  قائمة  لإيجاد أخلاق في السياسة، والاقتصاد والتعليم، وأسباب وجود هذه المعايير المتشابكة هي"تعدد الثقافات".

ويشير الكاتب إلى ضرورة وجود أساس مشترك للحوار بين البشر في الثقافات والفلسفات والأديان كافة لصالح الإنسان، وفي ظني أن المؤلف يرى أن قيما مثل :العدل  والأمانة، والثقة، والتفاهم، والحوار، والتعايش لابد من تواجدها، وهانس كينج جمعها لإيجاد  تقارب بين الثقافات وهي مما لا يختلف عليه الإنسان أينما كان موطنه.

وإن كانت قيمة الكتاب كبيرة بلا شك  إلاّ أن دورالمعرّب البروفيسور "ثابت عيد" كان كبيرا ؛ إذ حوّل الكتاب إلى  قطعة فنية لجانب الأسلوب الدقيق في النقل، بالإضافة إلى أنّ دار النشر

المتميز"عيد للإعلام" التي أسسها  "ثابت عيد" في زيوريخ ، آثر مؤسسُها أن يكون نصُّ الكتاب بخط النسخ المشكّل واستخدم فيه برنامج في التصميم "أدوب إنديزاين" Adobe Indesign ليكون تحفة متميزة رغم استغراق ذلك جهدا  ووقتا  طويلا؛ أمّا عنوان الكتاب، فقد كتبه الفنان"محمد فاروق الحداد".

ولا يخفى على القارئ أنّ المولف نهج في كتابه نهجا نستطيع تصوّرة نحن بسهولة بعدما عرفنا نهج علمائنا الأجلاء، حيث كان يجلس الشيخ على كرسي الدرس ويتلقى الأسئلة من تلاميذه في مجالات عدة ليجيب عليها، فهو نهج للمفتين العظام  من علمائنا، وإن كان القارئ من جيلنا ـ لم يعهد هذا في قراءته، ولكن الجيل السابق كان على دراية بـ " المنهج في سؤال وجواب" وهو طريقة لطيفة رفعت قدر المؤلف وتحتاج لذاكرة حاضرة متنوعة خصبة كشأن الفلاسفة العظام .

قدّم للكتاب العالم الجليل والمفكرالإسلامي الأستاذ الدكتور"محمدعمارة" الذي أولى الكتاب اهتماما بالغا لقيمته العلمية والإنسانية حيث درس الكتاب بعناية ناقد، "وألف له مقدمةّ رائعة  قرأها "هانس كينج"  بصدر رحب وعلق عليها بدوره "[1]  حيث رفع المؤلف في موضعه اللائق  كمفكر غربي واسع الاطلاع، منتقدا بعض مزالقه التي لا يسلم منها مؤلف غربي، حيث تحدث عن الإسلام  في أدب جم وتحليل ضاف، وتصويب  موفق.

الكتاب بمقدمته استغرق 252 صفحة أتبعها المؤلّف بملحقين أولهما عن: "برلمان الأديان العالمية ؛ عن المقاييس العالمية للأخلاق ويعود للعام 1993، وتلاه ببيان لـ  "هانس كينج" ألقي  أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ثم هوامش  المترجم  في 321 صفحة ،والتي تعدّ مرجعا بحثيا  بالغ الدقة والجودة منها تعريف لمصطلحات قد تكون غامضة للقارئ العربي؛ تفيد القارئ والباحث في أن يكون له رافد ثقافي، ومنها شروح لما استغلق، وغمُض من كلمات، ومنها تعريف بشخصيات لايعرفها غير المتخصصين  في الذاكرة الغربية، وأدعو الدكتورثابت عيد إلى  أن يكون هذا المسرد ـ إن شاء الله ـ  أليكترونيا  أو مسردا مطبوعا ليفيد القارئ.

وكما قال عنه الباحث خالد مصطفى " هذا الكتاب  ترجمة أمينة رائعة  لموضوعات عالمية ذائعة فهو يعرض كل  الديانات السماوية  والوضعية، ويستخلص منها  مقاييس عالمية، وينكر على الكنيسة  الكاثوليكية رفضها ترسيم المرأة قسيسة، وينكر عليها رأيها في تحديد النسل..الخ.مضيفا ويثبت  ـ هانس كينج ـ أن الإرهاب  بالمعنى المعاصر  ليس من المبادئ الإسلام ..

حقيقة عمل رائع، ولا أظن أنه لولا أن الكتاب كان ثمرة جهد مشترك بين بين المؤلف والمترجم  لما استطعنا تذوقه والقناعة العقلية بما فيه ..