رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بين التجربة المصرية والألمانية

صديقي الدكتور ثابت عيد عاشق لمصر وترابها، ورغم بعده عنها منذ عقود إلا أنها تعيش في وجدانه ويحلم أن يعود إليها وهي عزيزة، وبعد الثورة كان متابعا جيدا للحدث، ويقرأ ما يكتب بانتباه ووعي شديدين ... وكان يؤمن بأنّ مصر لا يجب أن يحكمها العسكريون، لأن العقلية العسكرية عقلية حرب ودفاع، حيث جيوش العالم تجيد التدمير، وإن أجادت البناء فهي قد خرجت عن طبعها الحربي، وتحولت إلى هدف آخر غير الحرب وحماية الحدود ..

وصديقي ثابت كان يتحدث معي بالساعات، ويكتب لي الكثير من الملاحظات فآثرت ـ ونحن في رحلة  بناء مصر الجديدة أن أنقل للقارئ شيئا مما دار بيننا وخاصة في التجربة الألمانية والمصرية .. 
تصعب المقارنة بين  الحكم العسكري على مصر منذ  يولية 1952، والتحول الكبير في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية هؤلاء قادوا تحملا من الملكية إلى الجمهورية ولم تصل مصر إلى مصاف العالم الثاني الذي نهض من كبوته مقتفيا  طريق الأمم التي تنشد التقدم
وألمانيا بعدما هزمت شر هزيمة لملمت جراحها ، وتعافت واستمدت  من تاريخها فكرة الشعب المتميز "العرق الآري" لتنهض بقوة رغم فقدان خيرة شبابها  في الحرب فبرزت المرأة  خارج حدود الأسرة لتشارك الرجال في نهضة البلاد.
كان هذا الموضوع محور نقاش طويل مع البروفيسور ثابت عيد الباحث والكاتب المصري، والذي يعيش في عاصمة المال زيوريخ بسويسرا.
ونلحظ في رؤية البروفيسر ثابت عيد مقارنة بالغة الأهمية لنلحظ أن الجمهورية الأولي التي برزت للوجود عقب ثورة 1952، وإن كان يتحفظ  على "الثورة" لأنها لم تقدم الكثير  إلى الشعب وإن حققت استقلالا ـ منظورا عن بريطانيا ـ  وجلاء عن أرض الوطن ولكن أحدثت اندفاعاً إلى الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية  الاستراكية حين فكر العسكريون في مشروع قومي كبيرـ السد العالي ـ ورفض الغرب تمويله  ليدخل السوفييت  المعترك لتتسرف الأيديولوجية  مع الدعم
تعلقت أعين الشعب بالسد العالي ـ ولا ننكر دوره في توسعة نسبية للرقعة الزراعية وإن حدث تحول سلبي كبير، وكانت أن شرعت الآلة الإعلامية لتلعب دورا كبيرا في تضخيم الإنجاز وإن كان مع المقارنة بالإنجاز الألماني عقب الحرب  يعد  الإنجاز المصري ضئيلا ، ولم يكن المردود  مستداما ، فإن وفـّر الماء المخزون  ببحيرة السد، إلا أنه أوجد أزمة لم تحل  إلا نسبيا لسكان النوبة الذين رحلوا ، وتشتت الكثيرون منهم في العالم ، ولم تسع الحكومات المتعاقبة إلى حل مشكلتهم  إلا بالمسكنات .
ومشكلتهم ليست بيوتا تبنى للسكنى، ولكن تنمية  مستدامة تؤسس للحياة الكريمة بمنظومة  حياة متكاملة  ـ ماداوموا لم يتحركوا ـ وشارك السد العالي بإنتاج نسبة من الكهرباء بطريقة نظيفة ـ إلا أن سلبيات كثيرة بدت من السد، ولم تستثمر البحيرة التي تعد أكبر بحيرة صناعية في العالم باستثمار مقدراتها بجعلها على خريطة المصايد المعتبرة في مصر، ولا شاطئها الذي يمكن أن يكون مهوى السياح ومشتى رائع لو أُحسن استثماره،  ولا الطمي المتراكم  في دعم التربة الصحرواوية في توشكا، والصحراوات المصرية
لقد دعمت الثورة بتزييف ثقافي كبير على الشعب المصري، وحاول أباطرتها بناء مجد على غير أساس، مجد قومي وتصويري مجلس قيادة الثورة على أنه المنقذ  للعالم من الاستعمار، والإقطاع، وسيطرة رأس المال على الحكم، وأنه يطلب حياة ديمقراطية سليمة، غلى آخر مطالب الثورة ، ولكن مرت السنوات وتحول الضباط الأحرار  ـ أو من كانوا أحرارا إلى صناع للديكتاتورية الجديدة التي يدعمها شعب يتحرك ويتوقف بأن يضغط القائد على "أزرار" كما أراد عبد الناصر، وبرزت أمراض  كثيرة ليس هذا مجال ذكرها. 
وكما يقول ثابت عيد :" يعجز المرء عن تقديم وصف وافٍ لجرائم مابعد الثورة بمصر منذ ستّين عامًا".
ويعطي مثلا عن دخل الفرد المصري اليوم، ونقارنه بدخل المواطن الألماني. فألمانيا الّتي بدأت نهضتها الحديثة بعد انتهاء الحرب العالميّة الثّانية سنة ١٩٤٥م، تمكّنت، بعكس الحكم العسكري بمصر، من تأسيس دولة متقدّمة حديثة.
في مصر الّذين قاموا بانقلابهم سنة ١٩٥٢م قادوا مصرنا إلى تراجع شامل . في حين الألمان قادوا بلادهم إلى الرّفاهية الشّاملة. فيعدّ اقتصاد ألمانيا اليوم هو ثالث أقوى اقتصاد في العالم، والأقوى أوروبيّا. في حين أنّ اقتصاد مصر شبه منهار بعد ستّين عامًا .
ويرجع  عيد  الانهيار حسب وصفه  إلى النّهب والسّرقة والتّخلّف والقمع.

مضيفا ثابت عيد قائلا :"لدينا في مصر اليوم أفراد لا يزيد دخلهم الشهري عن مائة جنيه مصري، أي أقلّ من ١٥ يورو. في الوقت الّذي يبلغ فيه دخل عامل نظافة في ألمانيا ألف يورو شهريًّا، أي حوالي ثمانية آلاف جنيه مصريّ.
وهذا حد أدني  من الدخول التي تعادل  الاحتياج الإنساني، فالسكرتيرة  مثلا دخلها أكثر من ألفي يورو، أو المدير، أكثر من أربعة آلاف يورو، شهريًّا.
النظام العسكري  الديكتاتوري أوصلنا  إلى "الهلاك الشّامل" ـ حسب تعبيره ـ .
ويذكر أن شعبنا ـ  لولا جيل الشّباب الصّاعد ـ  شعب تتفشى فيه الأمراض ويذكر أن  أكثر من عشرة ملايين مصري أنصاف موتى بسبب أمراض الكبد، أو الكُلى،و السّرطان، والسّمنة، أو السكّر، ناهيك عن الأنيميا.

ويورد الدكتور عيد حقيقة مُرّة تفيد أنّ لدينا نحو عشرة ملايين معاق في مصر، ونصف الشّعب يعيش تحت خط الفقر، بأقل من نصف دولار يوميًّا.
ويشير إلى دمار كبير في مجالات التعليم نصف الشعب أميّ. و يعاني التعليم من التخبط ، ولا تتناسب مخرجاته ـ للأسف ـ مع متطلبات سوق العمل الحديث، فالتعليم التقليدي لا يناسب قطاع الأعمال، ويحتاج  الشباب لإعادة تأهيل ولا يلقّاها إلا المحظوظون .

ويعرج ثابت عيد على مجالات أخرى قائلا بنبرة تشاؤمية :"اقتصادنا شبه منهار. قضاؤنا يحتاج إلى علاج مرير وإحلال. جيشنا به الكثير من المشكلات، حتى أحزابنا.

كلّ هذه جرائم ضدّ الشّعب العظيم، وضدّ الإنسانيّة جمعاء، لأنّ الحكم الديكتاتوري العسكري على مدى  ستين عاما  لم يحرم هذا الشّعب العظيم من حقوقه المشروعة فحسب، بل أيضًا دمّر ما كان من الممكن أن يقدّمه هذا الشّعب العظيم إلى الإنسانيّة من إبداع، واختراع، وتطوير.