اختفاء الدولة المصرية..!
هل تذكرون قرية اسمها " كترمايا " في لبنان ؟. هذه القرية شهدت حادثا مأساويا لشاب مصري كان يعمل هناك اتهمه أهلها بقتل طفلتين شقيقتين علاوة على إثارة الذعر بينهم منذ وضع أقدامه فيها حيث تقيم والدته المتزوجة من لبناني بعد طلاقها من والده ، أهل القرية تجمعوا وقرروا القصاص منه بأن قتلوه ومثلوا بجثته وعلقوه على عامود إنارة.
تذكرت هذا المشهد البشع عندما رأيت صورة بلطجي" دسوق" الذي ضج الأهالي من بلطجته فقرروا القصاص منه بأنفسهم فقتلوه ومثلوا بجثته بقطع يديه ورجليه .
كتبت عن حادث " كترمايا " في وقته وانتقدت غياب الدولة اللبنانية وتجرؤ مواطنيها عليها وانتزاعهم لأحد وظائفها وهي احتكار العنف المنظم . واليوم انتقد أيضا غياب الدولة المصرية وتجرؤ أبنائها عليها وعلى دورها ووظيفتها حيث انتزع البعض دور الشرطي والقاضي والجلاد في نفس الوقت. وهذه أزمة كبرى تتجسد ليس في" دسوق" فقط إنما في كثير من مدن وأحياء وقرى مصر الآن، ومن يريد أن يرصد حوادث التجرؤ على دور الدولة فليراجع ما ينشر في الصحف ومواقع الانترنت منذ 12 فبراير اليوم التالي لتنحي مبارك وانتصار الثورة وحتى اليوم واراهن أنه سيصاب بصدمة مروعة لهول ما سيجد من استباحة للقانون وجرائم مفزعة كأننا في شيكاغو .
ولكي لا نظلم أهالي" كترمايا " اللبنانية، و" دسوق " المصرية ،فإنهم أمام شعورهم بالرعب مما يمكن أن يلحق بهم من البلطجي هناك وهنا فإنهم تكتلوا وتخلصوا منه جماعة حتى يتفرق دمه بينهم . ماذا كان البديل أمامهم حتى لا يتم اعتبارهم دولة داخل الدولة، أو أنهم يخالفون القانون وهم في كامل وعيهم وإدراكهم وباتفاق جمعي ؟. لم يكن أمامهم بديل لأنهم لم يجدوا الدولة التي وافقوا على منحها حق احتكار العنف المنظم مقابل أن تحميهم وتجعلهم ينامون مطمئنين على أنفسهم ومصالحهم. غياب الدولة أو انهيارها أو تفتتها يعيد المواطنين إلى شريعة الغابة حيث البقاء للأقوى والنماذج من حولنا عديدة ومخيفة. ما يحدث في لبنان طبيعي لان الدولة اللبنانية منذ تأسست عام 1947وهي موجودة على الخريطة فقط لكنها في الواقع غير موجودة ، فهي دولة طوائف ومذاهب وإقطاعيات سياسية ، زعيم الطائفة هناك كلمته مسموعة عن رئيس الدولة، وهو الحاكم الفعلي في المنطقة التي يبسط نفوذه عليها. أما مصر فهي أقدم دولة موحدة في التاريخ ،وهي دولة مركزية يستظل كل مواطنيها بعباءتها، وارتباط المصري بدولته وثيق، فهو لا يتصور ألا يعيش في دولة موحدة قوية تمارس كل سلطاتها وصلاحياتها، ارتباط المصري بوطنه فريد من نوعه على مستوى العالم، فالجاليات العربية في الخليج مثلا تنظر للمصريين بإعجاب لارتباطهم بوطنهم، فالعربي القادم من أي قطر آخر قد يبقى لسنوات دون أن يقوم بأجازة لبلده ، لكن المصري ملهوف دائما على السفر للوطن، والمصري يعمل في الخارج ويبني في بلده، والمصري يسافر للخارج ليس للبقاء الأبدي إنما لوقت محدد وبعدها يعود بعكس أبناء جاليات عربية أخرى تستوطن البلد الذي تتواجد فيه، والمصري قد يكون ناقما على الأوضاع في دولته والمظالم التي يتعرض لها، لكن لو أن غريبا مسها بسوء فانه يفتك به ، المجال لا يتسع لسرد آيات ارتباط المصري بوطنه الموحد وببلده القوي ،ومن هنا فمن غير الطبيعي أن تختفي الدولة في مصر منذ نجاح الثورة أي لأكثر من 6 أشهر حتى الآن، فالأوضاع تزداد تدهورا خصوصا في الجانب الأمني، وخارج تصور أي مصري إمكانية انهيار الأمن، أو أن يسير أو ينام والخوف يتملكه . والأمن
الدولة مفوضة من المجتمع باستخدام القوة المنظمة في إطار القانون، فالي متى تظل الشرطة في أجازة . هل تريد اعتذارا من المصريين عن الهجوم الذي تتعرض له ؟. من يعتذر لمن ؟.ومن أهان وأذل من ؟. هذا ليس وقت حساب، لابد من التواجد الكثيف للشرطة على أن يكون مقرونا بالجدية، لان الناس تشتكي من أنه رغم تواجدها إلى حد ما إلا أن بعض الضباط يكتفون بدور المتفرج وتسيطر عليهم السلبية والى درجة انه في المعارك الكبيرة يتركون المشتبكين حتى الإنهاك ثم يظهرون بعد ذلك.صورة مصر لجهة الانفلات الأمني بالخارج سلبية وتمنع أي سائح أو زائر من الذهاب إليها، بل إن هذا الشعور يمنع مصريين يعملون بالخارج من قضاء الأجازة في بلدهم . لابد من الضرب بيد من حديد على كل من يخالف القانون، أو يروع الآمنين.أنا أتنازل عن جزء من حريتي في سبيل أن أعيش آمنا.