رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دولة "التحرير".. متى تتحرر؟!

لحظة صدور الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر الماضي بدأ معها إغلاق جديد لميدان التحرير، وكالعادة قام البعض فورا بنصب خيام الاعتصام.

هذا مشهد صار كلاسيكيا في دولة ميدان التحرير، والمشهد الآخر المرافق هو تدفق لعنات يومية من كل المتضررين من الإغلاق على الميدان، وعلى من يحتكرونه، وبالتبعية تطال اللعنات الثورة باعتبارها كانت سببا في تعطيل البلاد، وإصابة العباد بوقف الحال، ونشر الفوضى والبلطجة وتطاول الصغير على الكبير وفقدان الهيبة من الخفير حتى الرئيس ، والمؤكد أن الثورة براء من كل ذلك، إنما المشكلة هي فيمن يشوهون الثورة، ويسيئون لها ولأهدافها النبيلة بتصرفاتهم وسلوكياتهم ومغامراتهم وعنادهم وثوريتهم التي تصير شططا أحيانا وكأنهم لا يريدون لقطار التاريخ أن يتزحزح عن محطة 25 يناير. الجديد في الإغلاق والاعتصام الأخير هو دخول الفلول إلى الميدان الذي هجموا عليه يوما فيما عرف بموقعة الجمل لطرد من فيه من الثوار الحقيقيين آنذاك بالدم لطي صفحة الثورة وإنقاذ الطغيان من السقوط، دخل الفلول الميدان الذي كان محرما عليهم تحت عنوان الاحتجاج على الإعلان الدستوري وديكتاتورية الرئيس بينما الهدف الخفي كان محاولة إسقاط الرئيس المنتخب بافتعال ما يسمى ثورة ثانية.

المعارضة التي وحدها إعلان 21 فبراير لم تحقق نتائج جيدة في كل الاستحقاقات الانتخابية واقتنصها الإسلاميون. والفلول الذين خرجوا من السلطة من باب الثورة وأرادوا العودة من شباك الانتخابات وفشلوا فوجدوا أن فرصتهم في العودة للمسرح تحت عنوان ثوري مزيف وهو النضال ضد ديكتاتورية مرسي بينما هم صناع الديكتاتوريات ولم يكونوا يوما مؤمنين بالديمقراطية، لكن مرت العاصفة ونجح مرسي في تمرير الدستور بما وراءه من شرعية شعبية ودستورية وحشود إسلامية وبعض التعاطف الشعبي الباحث عن الاستقرار والذي لا يرضى أن تعيش البلاد في اعتصام دائم ويتأفف من تحول التحرير رمز الثورة والأمل في التغيير إلى رمز للتعطيل والأزمة، تراجع مرسي عن الإعلان الدستوري واستبدله بآخر بدون المواد المثيرة للجدل ومع ذلك ظل الميدان مغلقا والخيام منصوبة، رفع الميدان يافطة جديدة وهي إسقاط مشروع الدستور لكن جرى الاستفتاء بمرحلتيه والميدان مغلقا، والخيام قائمة، واليافطة معلقة، أعلنت نتيجة الاستفتاء بالموافقة على الدستور، وبدأ التجهيز لانتخابات مجلس النواب ومازال الميدان لا يتبع دولة مصر إنما يتبع دولة التحرير، أخيرا فقط وبعد 48 يوما من إغلاق دولة التحرير قامت ما تسمى باللجان الشعبية لحماية المتظاهرين بفتحه أمام السيارات لعدة ساعات للعبور إلى دولة مصر بعد تكدس عشرات السيارات أمام مداخل الميدان، نتيجة هطول الأمطار الغزيرة، والتي

تسببت في شلل مروري أعلى كوبري قصر النيل، ومدخل التحرير عبر عبد المنعم رياض.

مدهش أن يظل الميدان الحيوي للعاصمة مغلقا ما يقرب منذ شهرين رغم انتفاء كل أسباب الاعتصام ، وبعد أن هجرته قوى المعارضة وعلى رأسها جبهة الإنقاذ وانخرطت في الإعداد لمعركة الانتخابات لأنها تشعر أن لديها فرصة كبيرة فيها، فربما تعلمت الدرس من الإسلاميين الذين ينشطون وسط الناس بينما المعارضة تنشط في جنبات التحرير نهارا والفضائيات ليلا.

من هم أولئك الذين يعتصمون في ميدان يحتله الباعة الجائلون والبلطجية والمشبوهون والانتهازيون الذين حولوه إلى مقاه ومطاعم متنقلة للطعام والشراب؟.

أيقونة الثورة تحول إلى أسوأ مكان في مصر يمكن أن تمكث فيه أو تمر عليه حيث لا تأمن على نفسك ولا تضمن ماذا يمكن أن يحدث حولك بعد أن كان واحة ينام فيه الصبي بجوار الفتاة، والمسيحي مع المسلم، والكبير مع الصغير، وبعد أن كان نموذجا للوحدة والمحبة والتعاطف والتكافل والتراحم، كان نموذجا لمقولة: الكل في واحد.

مَنْ هؤلاء الذين يعطون أنفسهم حق غلق الميدان وقتما يشاؤون وفتحه وقتما يشاؤون؟، وماهي سلطاتهم الدستورية والقانونية، ولا يقل لي أحد إن معهم شرعية ثورية، فليس هناك أي ثورة يمكن أن تقبل اقتطاع ميدان حيوي وإغلاقه والتحكم فيه وإرباك الحركة في قلب القاهرة لأسابيع طويلة.

الثورة تنتقل إلى مرحلة بناء الشرعية الدستورية والمؤسسات عبر الانتخابات والعمل السياسي وليس النوم في التحرير وما يسوده من ممارسات لا تليق بنقائه ورمزيته.

لابد لدولة مصر أن تزيل الاحتلال عن الميدان وتفتحه دون إغلاق وتنظفه وتجمله ولا تسمح بهذا العبث مرة أخرى ليبقى رمزا فعليا لثورة عظيمة يراد تشويهها في أعز ساحاتها وهو التحرير.