عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الطريق إلى ابتذال الثورة..!!

باستثناء أيام الثورة الـ 18 "25 يناير - 11 فبراير2011" التي تجلت فيها كل المعاني النبيلة من الوحدة بين الفرقاء، والإيثار، والإصرار على هدف وهو "الشعب يريد إسقاط النظام"، فإن مصر لم تشهد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، وقد لا تشهد مرة أخرى، مثل هذا التوحد على قلب رجل وهدف واحد، بل حل محل ذلك الانقسام، والصراع، والانفلات، والفوضى، والأنانية، وكل الرزايا البشرية المقيتة التي تشوه ثوب الثورة النقي وتجلله بعار ممارسات بعض أبنائها الذين يتحالفون اليوم مع أعدائها.

يبدو أن من كانوا في الميدان في تلك الأيام هم مصريون من نوع آخر يندر أن تجد مثلهم اليوم، تماما مثل المصريين الذين بنوا الأهرامات، بينما أحفادهم اليوم يبنون أهرامات أخرى لكن من القمامة، والرزالة، والسقوط القيمي والأخلاقي، والتطاحن على المصالح الشخصية، وتصفية الحسابات، وليذهب الوطن إلى الجحيم، ليس كل المصريين بالطبع، فهناك من أصابهم اليأس من التغيير والإصلاح والإنجاز الموعود فانصرفوا عن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم ثوارا إلى أعمالهم لتوفير اللقمة وحبة الدواء بالكاد.

تجلى هذا الانصراف فيما جرى تسميته الثورة الثانية في 24 أغسطس "الجمعة الماضية"، ثم تعدل الاسم إلى مليونية 24 أغسطس، لما تأكد الداعون لها أن وصف ثورة ثانية صار وهما كبيرا، فالثورات حراك مجتمعي تغييري واسع، وليس قرارا نخبويا يُتخذ على الشاشات.

ما حصل في هذا اليوم لم يكن ثورة، ولا مليونية، ولا حتى مظاهرة مقنعة بأنها تمثل الشعب المصري، أو أغلبيته، أو نصفه، أو أقل من ذلك، بل كانت شيئا مخجلا أجمع الإعلام المصري والعربي على وصفه بالفشل. وهذا الفشل كان محسوما عندي منذ قرأت عن هذا الأمر، وذلك بالنظر إلى المطالب المرتبكة والمتغيرة وغير الواقعية، وبالنظر إلى طبيعة من قاموا بالدعوة، فهم متلونون، متقلبون، فاقدون للمصداقية، تُحركهم مصالحهم، وأغراض من يقفون وراءهم، بجانب ما لديهم من نوازع عدائية مرضية تجاه الخصوم، وليس الخلاف السياسي القابل للنقاش بأفق منفتح.

لكن مشكلة هؤلاء الأساسية التي صدمتهم أنهم تورطوا في دعوة ليسوا على قدرها مستندين على وجود المجلس العسكري القديم برئاسة المشير طنطاوي، وعلى تنازع السلطة بينه وبين الرئيس مرسي، وهم كانوا يعتبرون وجود "العسكري" بمثابة دعم معنوي وسياسي لهم، وربما دعم مادي أيضا حيث قيل إن "العسكري" سينتهز 24 أغسطس ليطيح بمرسي باعتباره رئيسا ضعيفا غير قادر على تأمين البلاد التي تنزلق للخطر، لكن حصل أن مرسي ضرب ضربته القوية الاستباقية غير المتوقعة مستفيدا من جريمة رفح بالإطاحة بطنطاوي وعنان وكبار القادة وإعادة ترتيب أوضاع المؤسسة العسكرية والمجلس الأعلى بقادة جدد ليكون هو القائد الفعلي وتكون المؤسسة معه وليست بموازاته أو قبله أو مهددا لشرعيته، هذه العملية أربكت كل خصوم الرئيس وحكمت مبكرا على ما يسمى بـ 24 أغسطس بالفشل الذريع، وهذا ما حصل بالفعل، بل إن كثيرين كانوا سيظهرون عند "المنصة" ويتحدثون ويتزعمون ويدعون أباهم العسكري للانقلاب على الرئيس واستلام قيادة البلاد كاملة سارعوا بالقفز من السفينة وتنصلوا من الدعوة وتحولوا إلى حملان وديعة يطالبون فقط بحق التظاهر السلمي بعد أن فقدوا

من كانوا يحتمون به.

الأخطر هم المصريون العاديون ممن يسمون حزب الكنبة، والفلول، وأنصار أحمد شفيق، والغاضبين بسبب تضرر أوضاعهم، فهم جمهور الثورة الثانية المزعومة التي خذلوها خذلانا مبينا لسبب بسيط يرجع إلى الهدف الحاسم الذي أحرزه مرسي في شباك المجلس العسكري ، فإذا كانت هذه الفئات العريضة من المصريين ترى أن طنطاوي ورفاقه كان لهم دور كبير في إجبار مبارك على التنحي بعد 30 عاما من الحكم بقبضة حديدية فإذن هم الأقوى منه، والمصري بطبيعته يميل إلى من يمسك بالسلطة، ويحب العيش في كنف دولة وحاكم قويين، ولذلك انجرف المصريون وراء المجلس العسكري بجانب تقديرهم الطبيعي للجيش، ثم لما يأت مرسي الذي يجرى تصويره على أنه رئيس ضعيف وتتم إهانته بشكل مكثف ومنسق ليقوم هو بالإطاحة بالقادة الكبار الذين سبق وأطاحوا قبل سنة ونصف بمبارك نفسه فيكون مرسي قد احتل بذلك في العقل الجمعي الشعبي قوة ثلاثية تجعله مهابا ومرغوبا ومحل إعجاب والتفاف من المصريين الذين مازالت السلطة وشخص الرئيس القوي ذا قيمة كبيرة عندهم يتحصنون وراءه ويعتبرونه الأب أو الأخ الأكبر، لذلك لم يقتنع الملايين منهم بجدوى دعوتهم لثورة جديدة على رئيس يمسك بالخيوط في يديه، ويقيل الكبار، ويقدم في أول شهرين له بالحكم رسائل إيجابية تجعل كثيرين ينتبهون إلى أنه رجل مختلف عما يتم تصويره في الإعلام، لذلك هو يستحق من جانبهم الاحتشاد حوله.

كلمات ثورة، ومليونية، ومظاهرة، ووقفة، واحتجاج، وغيرها من أشكال الاعتراض والتعبير عن الموقف صارت مبتذلة في مصر اليوم من كثرة إطلاقها على ممارسات لا تسمو إلى حقيقة المعاني النبيلة لها، فليس كل عدة مئات أو ألوف يجتمعون في مكان واحد يطلق عليهم ثورة أو مليونية، وليس كل من يتجمهرون لقطع طريق، أو تعطيل المصالح، أو الهجوم على قسم شرطة، أو هيئة حكومية، أن يقال إنها مظاهرة أو احتجاج لها مطالب مشروعة.

كل المعاني الجميلة التي أنتجتها ثورة 25 يناير يجري تشويهها وابتذالها بكثير من ممارسات المرضى النفسيين والمهووسين والأفاقين والمتحولين والمستبدين الجدد.

[email protected]