رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إعلام الانفلات.. والفتنة!

لا يخلو مقالٌ لي إلا ويكون فيه تشديدٌ على قيم الحرية والديمقراطية ، واليوم عندما أتفهم إغلاق قناة "الفراعين" لفترة محددة، ومصادرة عدد من جريدة "الدستور" في مصر فهذا ليس نكوصًا عما أُؤمن به وسأظلّ أدافع عنه في وجه الاستبداد.

لكني أدافع عن الإعلام الحقيقي المحترم، ولا أدافع عن الإعلام المزيّف المنحط، أؤيد إعلام البناء وليس إعلام الهدم، أنا مع إعلام النقد الهادف حتى لو وصل في نقده لعنان السماء، وضد إعلام الهبوط والإثارة الرخيصة.

كان هناك هامش محدود من الحرية في العهد السابق، وكان أداء الإعلام أقل انفلاتًا من الآن بسبب القيود وضغوط أجهزة الأمن، لكن المفارقة أنه عندما زال الهامش وأصبحت الحرية بلا حدود فإن الأداء صار أسوأ وإلى حد الانفلات الكامل!. فهل لا ينضبط الإعلام إلا في ظل القيود والترهيب، وهل الإعلام غير قادر على ضبط أدائه بنفسه من خلال الالتزام بمواثيق الشرف وتقدير خطورة الدور الذي يقوم به باعتباره يبني العقول ويؤسّس للمواقف ويوجّه ويعرّف ويعلم وينوّر الجمهور، وهل نحن لا نقدّر قيمة الحرية، ولا نُحسن استخدامها، وندمرها بأيدينا، وهل نحن غير جديرين بالحرية، أم كنا نحتاجها بالتدرّج، أم أن ما يحصل هو إساءة متعمّدة لقيمة الحرية العظيمة، وأن الخصومة السياسية الجهولة تعمي العقول فتجعلها تتجنى وتكذب وتخرب وتدمر وتشعل حرائق؟.

جانب من الانفلات الإعلامي يرجع إلى صناع الإعلام أنفسهم، فالبعض منهم دخيل على المهنة، ليس لهم علاقة بها، دخلوها من الأبواب الخلفية، تابعوهم ستجدونهم قادمين من العالم السفلي، لا دراسة ولا علم ولا فكر ولا منهج، إنما جهل وتجهيل وتضليل وانتهازية، وهؤلاء يمثلون بحالتهم الراهنة خطرا على المجتمع وعلى صورة الإعلام، وعلى هؤلاء تصحيح المسار، وإعادة تأهيل أنفسهم ليكونوا جديرين حقا بقيادة وتوجيه الرأي العام.

وهناك النوع الآخر الخبيث، وهم الكهنة الذين يبثّون رسائل سلبية مغلفة بإطار خادع من الموضوعية والتوازن والتجرد ليسهل عليهم تمريرها وتضليل الرأي العام بها، وهم بارعون في تلوين الأخبار والمعلومات ولي عنق الحقائق لخدمة الأهداف التي يعملون لأجلها، كما أنهم بارعون في تسويق ما لديهم من خطط لتسويغ الباطل وإعادة إنتاج القديم الذي سقط، هؤلاء لم يكونوا من داخلهم مع التغيير لكنهم اضطروا لارتداء الأقنعة ومن خلال الإعلام الجديد الغامض حصل تلاقٍ في الأهداف بينهم وبين من يقفون وراءه لإعاقة التغيير وتكفير المصريين به، وإعادة غسل سمعة بعض رجال النظام القديم ، والتحريض على القوى النضالية والوطنية الحقيقية، وكل فترة كان يخرج نفر من هذا الفريق لا يستطيع كتمان حقيقة نوازعه فيفضح نفسه ومن معه بشن وصلات عداء للثورة ولصناّعها وللأحزاب والقوى والجماعات التي أنتجتها، ونذكر مثالاً واحدًا لإعلامية من هذا النوع انفجرت قبل أسبوع من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية تولول للمجلس العسكري ألا يترك السلطة، وتحرّض بشكل سافر ووقح للانقلاب على الديمقراطية التي ستحوّل مصر من دولة مدنية إلى دولة دينية!. هل كانت مصر دولة مدنية أم استبدادية، وهل أصبحت مصر اليوم دولة دينية، أم تتحوّل إلى دولة مدنية فعلية؟.

جانب آخر من أزمة الإعلام هو في

مُلاّكه ومُمولّيه ومن يدعمونه ويديرونه من وراء الستار، هم يستخدمونه وسيلة للابتزاز، أو تسيير المصالح، أو غسل الأموال والسمعة، أو إيقاف وتعويق مسيرة مصر الثورة، أو محاولة إعادة إنتاج النظام السابق، أو السيطرة على العقل المصري وتطويعه في اتجاهات معينة، أو كل ذلك معا ، وهم يستثمرون ببذخ في صناعة إعلام يُثير كوامن الخطر ويشعل حرائق ويفتعل معارك دون الحرص على المصلحة الوطنية، وخدمة الحقيقة المجردة، وتنوير الجمهور ، والنزاهة المهنية، والتجرّد عن الهوى والغرض.

الإعلام الجاد يجب ألا يطبّل للسلطة، ولا يكون تابعا لها ، ولا ينافقها ، بل عليه أن يعمل بقوة واستقلالية ليكشف أخطاءها واخفاقاتها حتى تتكشف ما يدور حولها وتشرع بالعلاج والتصحيح، الإعلام الجاد يجب ألا يسقط في مستنقع الشتم وإثارة الفوضى وتصفية الحسابات والتحول إلى طرف في الصراعات والخلافات السياسية، ففي المشهد الفوضوي لم يعد في قاموس السباب والتحريض والاتهامات والتخوين واللامعقول من لفظة أو مسلك لم يستخدم في الإعلام الإثاري الذي يشوّه ويدمر صورة وسمعة الإعلام النظيف.

يجب على الأجهزة المسؤولة أن تنشط لممارسة دورها ضد الإعلام الرخيص وفقا للقانون ومن دون عصف متعمد بالحريات لتطهير البيئة الإعلامية منه ، وحماية المجتمع من الفتن التي يثيرها وتتسبب في بث الكراهية والأحقاد والصراعات والنعرات بل والحروب الأهلية.

من يقول إن الثورة جاءت من أجل الحرية، فإن الحرية دومًا مقيّدة فلا يعقل مثلاً أن ينزل رجل أو امرأة إلى الشارع عاريين بزعم أنها حريتهما لأن تلك الحرية ستصطدم بحرية آخرين في المجتمع لا يرضون بذلك.

ومن يقول إن الحرية كاملة في الغرب فهذا غير دقيق فهناك مسؤولية في استخدام الحرية، وهناك قيود مجتمعية وقانونية عليها، ووعي عام لدى الجمهور للتفريق بين الحقيقة وبين الزيف والخداع، بل إن الإعلام ليس حرًا تمامًا، هناك ضوابط ذاتية ومواثيق شرف فعلية، وهناك قضاء ناجز يفرض غرامات باهظة تجعل الإعلامي يدقّق فيما يقوله أو يكتبه ألف مرة تحريًا للحقيقة.

إعلام الفتنة يجب أن يُصحّح مسيرته واعوجاجه بنفسه، وإلا فإن مصيره إلى زوال.

[email protected]