رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عرس حقيقي.. أم خداع متقن؟!

حسنًا أن يشعر المصريون بقيمتهم وبكرامتهم وهم يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية حقيقية لأول مرة في تاريخهم لاختيار حاكمهم الذي يفترض ألا يكون بعد اليوم إلهًا أو نصف إله، يفترض انتهاء زمن الحاكم الفرعون الطاغية حتى لا نميز ولا نسيء لكل الحكام الفراعنة بناة الحضارة المصرية العظيمة التي تسحر العالم ويعجز عن فك أسرارها رغم التطور العلمي الهائل.

لقد لفت انتباهي سيدة مصرية في خريف العمر أجهشت بالبكاء بعد الإدلاء بصوتها احترامًا لدماء شهداء ثورة 25 يناير الذين لولاهم ما كان هذا الطابور المرغوب الذي وقفت فيه، وما كان أي مصري قد تحمل الانتظار والحرارة المرتفعة دون أن يتململ ليدلي بصوته، وما كان رفع شعار" ارفع راسك فوق أنت مصري"، وما قالته هذه السيدة هو نفس ما قاله كثيرون في هذا اليوم اعترافًا بفضل الشهداء والثورة عليهم.
ولولا الثورة والشهداء ما كان اثنان من رجال مبارك: عمرو موسى أو أحمد شفيق مرشحين رئاسيين، وما كان من يسمَّوْنَ "أبناء مبارك" وجماعة "آسفين ياريس" سيذهبون إلى اللجان وسيكون لأصواتهم تأثير في ترجيح كفة هذا أو ذاك. ألا يخجل هؤلاء من استمرار دفاعهم عن الطاغوت الذين كانوا خدمًا أذلاء في عهده، بينما أصبحوا أحرارًا في عهد الثورة التي يعادونها ؟. وهل يجب أن يتأسفوا لمبارك أم يجب عليهم وقبلهم سيدهم الزائل أن يعتذروا للشعب ولدماء الشهداء لأنهم مازالوا على ولائهم لأفسد من حكم مصر في عصرها الحديث.
الشعب المصري كله استفاد من الثورة - الفلول، والساخطون على الثورة الذين يتهمونها ظلمًا بأنها أوقفت حال البلاد - حيث استرد إرادته السليبة وبات صاحب القرار في اختيار من يحكمه ومن يمثله في البرلمان وفي غيره من خلال الانتخاب الحر النزيه.
عندما أقول ذلك فإنه ينطلق من حسن النية فيما يجري وبافتراض أن ما يحدث في البلاد الآن هدفه بناء ديمقراطية حقيقية مستدامة وليس مجرد ديكور برّاق وعملية ترضية ثم تكون القرارات مطبوخة في أروقة السلطة، ليتم تقديمها للشعب على اعتبار أنها حكم الصندوق الشفاف ونتاج الانتخابات التي شارك فيها الشعب وراقبها العالم لنكون أمام عملية خداع متقنة، وهذا الخداع سينطلي بالطبع على شرائح من المصريين تبحث عن الاستقرار والأمن ودوران عجلة الحياة بأي ثمن دون النظر إلى اسم الحاكم أو توجهه السياسي أو انتمائه للنظام القديم، وهنا سيكون لسان الحال العام أنه اختيار الشعب والانتخابات الحرة.
رغم أن انتخابات الرئاسة هي استمرار للعرس الذي بدأ مع الانتخابات البرلمانية إلا أنني مازلت حذرًا وقلقًا في نفس الوقت مما يقال عن وجود خطط خفية لفرض رئيس معين وتكون الانتخابات مجرد ستار ومجرد إخراج جميل للعملية كلها، ومما يساعد على ترويج ذلك الكلام أن المناخ العام في مصر كثيف الغيوم بسبب عدم

الشفافية، وقلة المعلومات الصحيحة، وكثرة الشكوك، وفقدان الثقة، وتفشي ثقافة المؤامرة والتخوين، وبالتالي فإن كل شيء صار ينظر له بعين الشك أولاً حتى لو لم يكن كذلك في الواقع، وهذا يمكن أن ينعكس بسهولة على نتائج انتخابات الرئاسة خصوصًا إذا فاز مرشح مثل أحمد شفيق.
لو كانت هناك ثقة في العملية الانتخابية وأن نتيجتها هي حصيلة الصندوق فعلاً من دون تزوير غير مباشر بالطرق التي سبق وشرحناها في مقال سابق فإنه يمكن تفهمها، لكن المشكلة الآن ما يروج عن تجهيز هذا المرشح للرئاسة وأن هناك خطة لإنجاحه.
هناك جنرالات يديرون البلاد من غرف مغلقة لا ندري ما يحدث فيها، وما رؤيتهم لمصر، وماذا يريدون منها في العهد الجديد، فهم قد لا يفرطون بسهولة في دولة يحكمونها منذ 60 عامًا، فهل سيقبلون برئيس مدني - لو لم تكن نتائج الانتخابات معدة سلفًا - سواء كان إسلاميًا أو ليبراليًا أن يطلع على كل الملفات والأسرار ويعرف ما يجري داخل كل المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية التي تمثل قدس الأقداس في الدولة المصرية منذ 1952، أي بناء علاقة جديدة بين المؤسسة العسكرية التي لها كامل الاحترام وبين مؤسستي الرئاسة والبرلمان تقوم على الشفافية والخضوع لسلطة الدستور والقانون والرقابة والمحاسبة؟. من هنا تثور شكوك حول أن تسمح المؤسسة العسكرية لرئيس مدني يفوز بإرادة الناخبين فعلاً أن يكون مطلعًا على كل صغيرة وكبيرة وأن يكونوا هم مرؤوسين له.
من كل قلبي أتمنى أن تكون أي شكوك بشأن الانتخابات هي مجرد هواجس مصطنعة غير حقيقية للترويع والتخويف وإفساد العرس فالأساس للثورة أن تبني دولة قائمة على الحرية والديمقراطية والانتخابات النزيهة وليفز من يفوز، لأن التجربة الحالية لو فشلت فسيعني ذلك ردة إلى الخلف وعودة تدريجية إلى النظام القديم الفردي الاستبدادي، و" كأنك يا أبو زيد ماغزيت".
[email protected]