عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل ماحصل في 1954.. يمكن تكراره في 2012؟!

يقال إنّ هناك صدامًا قريبًا بين المجلس العسكريّ والإخوان بعد البيانات الحادّة المتبادَلة بين الطرفين مؤخّرًا، وأنّ الصّدام يمكن أنْ يكون على غرار ما حصل بين مجلس قيادة الثورة وبين الإخوان عام 1954 الذي انتهى بالعصْف بالإخوان وزجّهم في المعتقلات، بل الأزمة عصفت بفكرة الدّيمقراطيّة ذاتها، وبالرئيس محمد نجيب، وبمن أراد من ضبّاط يوليو عودة الجيش للثُكنات وعودة الحياة الحزبيّة والدّيمقراطيّة.

في 54 حصل أيضًا أن تعرّض جمال عبدالنّاصر لمحاولة اغتيال في ميدان المنشيّة بالإسكندريّة، ويقول الإخوان: إنّها تمثيليّة من تدبير عبدالنّاصر نفسه كان هدفها إعطاءه ذريعة قويّة لقمعهم والتخلّص من خطرهم الشعبيّ عليه حتى تخلو السّاحة له لتحقيق طموحه باحتكار السّلطة، وبالفعل تعرّض الإخوان للنكبة الأولى في هذا العام خلال العهد النّاصريّ، تلتها النكبة الثانية في عام 1965، وما حصل تجاههم من اعتقالات وتعذيب ومحاكمات عسكريّة صوريّة وإعدامات مدان بالطّبع وهو وصمة عار في عهد عبدالنّاصر. كما أن التّنكيل بالشيوعيّين وغيرهم وأصحاب الرأي الآخر حتى من داخل النّظام نفسه وتكميم الأفواه والقهر والقمع وزوار الفجر في دولة المخابرات والاستبداد هو وصمة عار أيضًا ولا يبرئ عبد الناصر اهتمامه وانجازاته في قضيّة العدالة الاجتماعيّة والتّصنيع والتّنمية. لكنْ من المدهش مثلاً أنّه في ظلّ ثورة 25 يناير الشعبيّة العظيمة التي انفجرت ضدّ الطّغيان والحكم العسكريّ الذي دشّنه عبدالنّاصر كنّا نجد من يرفعون صور عبدالناصر رغم أن الثورة قامت لتطيح بكلّ النّظام السّياسيّ السلطوي الذي بدأ في 1954 حتى 2011 أي النّظام الذي بناه عبد النّاصر وسار على نهجه السّادات ومبارك، فالثّورة تعمل على إسقاط الجمهوريّة الأولى القائمة على العسكرة والاستبداد لتبني الجمهوريّة الثّانية القائمة على الحريّة والدّيمقراطيّة والسّيادة الشّعبيّة الحقيقيّة، مع ذلك فهناك مخاوف من أن العسكر يحاولون إفشال هذا البناء ويريدون إعادة إنتاج نفس الجمهوريّة الاستبداديّة مع بعض التّحسينات الشّكليّة.

لكنْ هل سيناريو 54 ممكنًا الآن؟.

أعتقد أنّه من الصّعب العودة للوراء لأن ما حصل في 23يوليو 1952 كان انقلابًا عسكريًّا أحكم من خلاله الضّبّاط قبضتهم على مصر والانقلاب تحوّل لثورة بسبب الالتفاف الشعبيّ حوله وكان للإخوان دور بارز في توفير الغطاء الجماهيريّ، أما ما حصل في 25 يناير 2011 فقد كان ثورة شعبيّة لا فضل فيها للمؤسّسة العسكريّة، بل إن تلك المؤسّسة استفادت منها في تحقيق أهدافها ومنها سقوط التوريث،  وبالتالي لا فضل لأحد على الثورة التي شارك فيها الإخوان بكثافة وأعطوها زخمًا كبيرًا، ولذلك فإن انقلاب العسكر على ثورة شعبيّة قرار خطير يصعب اللجوء إليه اليوم، كما أن انقلابهم على أكبر فصيل سياسيّ وشعبيّ وبرلمانيّ في مصر وهم الإخوان ومعهم بقيّة الإسلاميّين أمر صعب أيضًا، فالظرف المحليّ والدوليّ الآن غير ذلك الذي كان قائمًا في 1954 ، فهناك تمثيل سياسيّ وبرلمانيّ شرعيّ ومعترف به داخليًّا وخارجيًّا للأحزاب ذات الخلفية الإسلاميّة، والانقلاب عليها تحت أيّ مسمّى سيكون انقلابًا على الدّيمقراطيّة النّاشئة، وهذا لن يحصل على مباركة دوليّة لأنّ العالم أيّد نتائج الانتخابات وأشاد بها والفائز بها هم الإسلاميّون ما يعني تأييد العالم لوجود الإسلاميّين في الحكم، ليس في مصر فقط بل في تونس والمغرب وكل بلد يمارس فيه الإسلاميّون السّياسيّة بعيدًا عن العنف، وقد استقرّ الغرب على دعم الإسلاميّين بديلاً عن الأنظمة الاستبداديّة الزائلة لأنّهم يحظون بشعبيّة حقيقيّة، ومن هنا يصعب على الغرب أن ينقلب على مواقفه وخياراته في غمضة عين ويعود لدعم انقلاب عسكريّ على ثورة شعبيّة وتجربة ديمقراطيّة ناشئة حازت إعجابه وتأييده. لا ننسى أن الغرب حارب إلى جانب الإسلاميّين في ليبيا، ومنهم متشدّدون، وإسلاميّو مصر من النوع المعتدل، والمتشدّدون منهم نبذوا العنف منذ سنوات طويلة وانخرطوا الآن في العمليّة السياسيّة.

يضع العسكر في حساباتهم أنّهم تعهّدوا مرارًا بحماية الثورة ومنجزاتها وبتسليم البلاد لسلطة مدنيّة منتخبة وأنّهم غير طامعين في الحكم وهم جلسوا مع الإخوان - الجماعة والحزب - وجلسوا مع كل الفصائل الإسلاميّة الأخرى، وليس سهلاً أن ينقلبوا على تعهّداتهم فهذه ستكون خطيئة كبرى لهم وربما كان ذلك شبه ممكن في وقت سابق وقبل بدء دوران عجلة الانتخابات والانتقال الديمقراطيّ للسّلطة وفوز الإسلاميّين بأغلبيّة الشّعب والشّورى وأحقيتهم في تشكيل الحكومة .

العسكريّ يعلم حجم التأييد الشعبيّ للإخوان وكثافة وجودهم في الشّارع وشرعيّة هذا الوجود الذي كرّسته نتائج الانتخابات، وبالتالي لابد أنْ يدرك أنّ الصّدام معهم سيكون مع جزء لا يستهان به من المصريين ليضع بذلك نفسه في مواجهة مؤلمة مع الشّعب وهو ما يعتبره خطًا أحمرَ ، وهو مازال لليوم يحاول تبييض صورته وتبرئة نفسه من الدماء التي سالت في مواجهات عديدة ويلقي بمسؤوليتها على جهات مجهولة، فكيف إذا كان الصّدام سيتمّ وجهًا لوجه بين من يملك القوّة الماديّة ومن يملك القوّة الشّعبيّة؟ .لا نودّ صدامًا ولا مواجهة من أي نوع بين المؤسّسة العسكريّة وبين أي تيّار سياسيّ أو أي مجموعات من المصريّين. نحن الآن في مجال حلّ الخلافات بالحوار وبالطّرق الدّيمقراطيّة، ويفترض أنْ يكون عهد اللجوء للأساليب البوليسيّة العنيفة في حسم الخلافات السياسيّة قد انتهى بعد الثّورة.

عبد النّاصر ومن قبل تنفيذ الانقلاب على الملك كان يخطّط ليكون حاكمًا لمصر وكل ما فعله منذ ليلة الانقلاب حتّى الإطاحة بنجيب وبالدّيمقراطيّة وبالأحزاب وعلى رأسها الوفد الحزب الشعبي الحقيقي وقمع قوة شعبيّة كالإخوان كان هدفه تهيئة الطريق أمامه ليكون الحاكم الأوحد وهذا ما حصل، أما عسكر 2011 فقد كان أقصى ما يريدونه بشكل خفي أن يكون واحدٌ منهم رئيسًا، ولمّا لم يجدوا قبولاً لذلك تراجع هدفهم ليكون عسكريًا سابقًا رئيسًا وهو هدف غالبًا لن يتحقق أو يكون هناك رئيس توافقيّ بينهم وبين الإسلاميّين والفكرة تسير على طريق الفشل.

وإذا تمّت الانتخابات بنزاهة فإن الرئيس القادم سيأتي على غير ما كان يتمنّى المجلس العسكريّ فكلّ الطّرق تقود إلى خروجه من السّلطة دون أنْ يقدر على العودة إليها ليصبح أقصى طموحه أنْ يكون له وضع مميز في الدستور، وهذا أمر قابل للنقاش.

الذين يتحدّثون عن صدام بين الإخوان والعسكريّ ويروّجون له ويتمنّونه هم من دعاة الليبراليّة والعلمانيّة وفلول اليسار.

والذين يدعون العسكريّ لحلّ مجلسَيْ الشّعب والشورى والانقلاب على الدّيمقراطيّة الوليدة هم هؤلاء أيضًا.

والذين لا يريدون رؤية الإسلاميّين في البرلمان وفي الرئاسة وفي أي سلطة منتخبة من الشّعب هم أولئك القوم أيضًا.

والذين يقلّبون في التاريخ ويستدعون واحدة من أسوأ صفحاته وهي جريمة 54 هم من يدعون أنهم مدنيون ديمقراطيون ليبراليون. ومن المؤسف أن يقوموا بهذا الدور لأنهم لا يريدون الإسلاميّين في السّلطة حتى لو كانوا منتخبين.

هؤلاء أكذوبة وعار على الليبراليّة الحقيقيّة فقد كشفوا عن وجههم الديكتاتوريّ القبيح وهذا الانكشاف من حسنات الأزمات التي تمرّ بها مصر، ولذلك يلفظهم الشّارع، ويصعب أنْ يكون لهم مكان فيه، وسيسجّلهم التّاريخ على أنّهم انتهازيّون تجّار سياسة ومصالح وأوطان.

لن يتكرّر ما حدث في 1954 فالزمن غير الزمن، ومصر غير مصر، والعالم غير العالم، وليس بالضرورة أن يعيد التاريخ نفسه خصوصًا في المآسي والكوارث السّياسيّة والوطنيّة الكبرى.

[email protected]