عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فريد الديب ..

رفضي لمبارك شيء، وإعجابي بمحاميه الأستاذ فريد الديب شيء آخر.

أتمنى لو يدان مبارك، لكن في حكم عادل ونزيه ومستقل، غير خاضع لضغوط الثوار، أو أسر الشهداء، أو الرأي العام، وفي الوقت نفسه فإنني أتقبل بصدر رحب ما يبذله الديب - المحامي المخلص لمهنته، والمتفاني في قضاياه، خصوصا قضية مبارك، قضية عمره - من جهد قانوني كبير لأجل نيل البراءة لموكله مبارك.

وحتى لا يقال إنني متيم بهذا المحامي، أو أنني من أبناء مبارك، فقد سبق وانتقدت الديب عندما أبدى آراء شخصية في مبارك وسياساته في برنامج معتز الدمرداش "مصر الجديدة" على تليفزيون "الحياة"، فهذه كانت مواقف خاصة به يجوز الاتفاق أو الاختلاف معه بشأنها، لكني أمام براعته القانونية، ودأبه من أجل تبرئة الرئيس السابق، فإنني معجب به، وأقول إن هذا أمر جيد لمصر الثورة وللقضية التي يتابعها العالم.

ويا ليت كل محامٍ يكون مخلصا لمهنته وقضاياه وموكليه بنفس قدر إخلاص الديب الأريب. ومن المهم لمصر الجديدة أن يتأكد العالم أن محاكمة مبارك عادلة قولاً وفعلاً، وأن محاميه جاد في إخراجه من القفص بكل ما أوتي من أدلة وإثباتات وحجج قانونية. ومن الضروري أن يتأكد العالم أيضا أن محامي مبارك لا يمثل دور الدفاع في مسرحية هزلية، بل أن نثبت للعالم أن الثورة بدأت تكرس دولة القانون والعدالة، وأنه لا يظلم في حماها أي متهم حتى لو كان مبارك نفسه، وأنه لا يدان متهم من غير محاكمة عادلة ناصعة نزيهة شريفة.

لو وفرنا لخصوم الثورة تلك المحاكمة فإن أحداً لن يقلق على نفسه في هذا البلد مهما وجهت إليه اتهامات أو تعرض لمظالم. العدالة هي حجر الأساس لبناء مجتمع صحيح وقوي يأمن فيه الإنسان على نفسه وماله ومصالحه. عدل الحاكم ساعة خير من هطول المطر ألف ساعة، أو ألف يوم، والعدل يعني العدالة، والعدالة النزيهة هي التي تجعل أي مستثمر يضخ مليارات الدولارات أو اليوروهات في البلد دون أن يخاف أو يقلق عليها من أي ممارسات تعسفية لأن هناك قضاءً عادلاً سينصفه.

يبقى مبارك وكل من معه في القفص أبرياء حتى تثبت إدانتهم، وكذلك كل متهم، حتى لو كان في جنحة بسيطة. عندما نوفر محاكمة عادلة لمبارك فالمعنى أننا نوفرها لكل مصري، وليس لمبارك وحده، أي أننا نرسخ قواعد صارمة وثابتة وقوية من العدالة العمياء التي لا تعرف رئيساً حالياً، من رئيس سابق، من خفير نظامي، من أضعف مواطن في مصر.

لا يلام الديب على شطارته، ومهارته، وسهر الليالي في البحث والقراءة وإعداد الدفوع القانونية من أجل الوصول للحكم الذي هو عنوان الحقيقة، لكن يلام الكسالى الذين لا يستطيعون أن يفعلوا مثله في مواجهة مبارك، سواء من النيابة، أو من الادعاء بالحق المدني، أو من محامي الضحايا أومن غيرهم.

مرافعة النيابة مثلاً كانت تغرد خارج السرب، غلب عليها الطابع السياسي وليس القانوني في اتهامات جنائية، كانت مرافعة سياسية وليست قانونية فخرجت عن صلب الموضوع، لذلك انتقدها الديب بسهولة وأحرج النيابة عليها. هناك هواة كثيرون في القضية في مواجهة محامٍ محترف مثل الديب، فلا تثوروا إذا حصل على براءة لمبارك، أو على حكم مخفف.

لكن العجيب أو العبث هنا هو ما قرأته من أن اللواء وجيه عفيفي مدير المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية تقدم بمذكرة إلى سامح عاشور نقيب

المحامين يطالبه فيها بدعوة الجمعية العمومية للنقابة للانعقاد بشكل طارئ لإسقاط عضوية فريد الديب.

ولم يتورع عفيفي عن القول إن هناك قبولاً من جميع المحامين على إسقاط عضوية الديب من النقابة، حيث وقع المئات على المذكرة التي أرسلها إلى عاشور، مشدداً على تطهير نقابة المحامين. لاحظوا أن الموقعين مئات وليس 300 ألف عدد الجمعية العمومية، إذن فليس هناك قبول من جميع المحامين لإسقاط العضوية كما يزعم هذا الجنرال.

عفيفي يقول أيضا إن الديب أضر بسمعة النقابة وكرامتها أمام المجتمع، حيث حول صرح المحاماة العظيم من الدفاع عن المظلومين إلى الدفاع عن الطغاة.

هذه مغالطات صارخة من ذلك اللواء، وهو يعيدنا إلى نفس نمط تفكير وسلوكيات النظام السابق، وكأنه لا شيء تغير في مصر، وكأنه لم تقم ثورة من أجل دولة القانون. هذا إقصاء مرفوض، ويثير الاستغراب، وهذه دعوة خطيرة تكرس لديكتاتورية جديدة أبشع من التي كانت قائمة قبل الثورة، وكأننا "يا بدر لا روحنا ولا جينا".

حتى لو أن كل المحامين طلبوا شطب الديب - وهو أمر يصعب حدوثه - فهذا ليس من حقهم، لأن الشطب له أسباب قانونية وغير قانونية ليس من بينها مثلا أن يترافع محامٍ عن رئيس سابق، أو أن يكون هذا المحامي بارعاً في مرافعته إلى الحد الذي يغيظ بعض المحامين منه.

كلام اللواء عفيفي غير مبرر أو مقبول، فالطغاة من حقهم العدالة أيضا وإلا فهو يريد أحكاماً مسيسة جاهزة، أو أن تكون ثورتنا دموية مخيفة كما حصل في الثورة الفرنسية والبلشفية والإيرانية والرومانية لتفقد ثورتنا درة تاجها وبهائها وهو سلميتها ولونها الأبيض الناصع.

لم يحصل في مصر في عهد مبارك كما حصل في جنوب إفريقيا من فصل عنصري وقتل وتصفيات وطغيان من جزء من الشعب ضد أغلبية الشعب، لكن العظيم مانديلا كان نموذجاً للتسامح وقد بدأ بنفسه، وعفا عمن سجنه 26 عاماً، وقد استقر المجتمع وتآلف وتصافى بعد أن عالج جروح الماضي من خلال التسامح والعفو. ونحن نريد فقط محاكمات عادلة كالتي تجري الآن فهذا هو طريق الأمان لمصر في عهدها الجديد.

عندما ينال مبارك عدالة محترمة فأنا سأطمئن على نفسي في مصر الجديدة، وسأطمئن على مصالحي.

لا تشوهوا الثورة، ولا تؤثروا على القضاء.

[email protected]