رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لا أحد يعرف..لا أحد يفهم..!

بالنسبة لي على الأقل مازلت أجد صعوبة في الكتابة المتعمقة حول ما يجري في مصر الثورة، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، وما أكثر ما يجري، وما أكثر المؤسف والمؤلم فيها.
هناك غموض،

عدم وضوح رؤية، غياب معلومات دقيقة، ارتباك، فوضى، تضليل، قل ما شئت في وصف ما يجري من أحداث وحوادث تكاد تكون شبه يومية حتى صار الوضع كما لو كنا نعيش في ظلام دامس.
ومن المدهش أن أجد مسئولين في الحكومة، وفي غيرها من أجهزة الدولة في مثل حالتي من الحيرة وعدم معرفة حقيقة ما تتعرض له البلاد، مع ما يفترض من أنهم أول من يعلمون حقائق ذلك الذي يشهده الوطن من نوازل سواء على أيادي أبنائه، أو الغرباء عنه إذا صحت نظرية المؤامرة فيمن توجه إليهم الاتهامات بإثارة الفوضى والانفلات وإدخال البلد في نفق مظلم.
صرنا نفتقد من يعرف أو يفهم حتى يجعلنا نفهم ونعرف مثله، ولذلك اعتدنا الآن مع كل حادث يختلط بالعنف أو بالدم أن يتم الإعلان عن تشكيل لجنة تقصي حقائق، وهذا يعني أن السلطة لا تعرف وتريد أن تعرف ما جرى - وهذه مصيبة - إذا افترضنا حسن النية من جانبها بأنها لا تعلم، أما إذا افترضنا سوء النية فإن مثل هذه اللجان يكون هدفها تبريد الموضوع حتى يطويه النسيان مع وقوع حادث جديد يغطي على ما سبقه لتموت الحقيقة.
في حادث ماسبيرو قبل أيام تعبت من ملاحقة سيل الروايات في الفضائيات، وفي وسائل الإعلام المختلفة، ولليوم لم أصل لشيء مطمئن ومقنع لحقيقة ما جرى، ومن هو الظالم ومن هو المظلوم في تلك الساعات المحزنة. وحتى بعد المؤتمر الصحفي للمجلس العسكري بخصوص تلك المأساة فإن هناك أسئلة عديدة مازالت بلا إجابات، كما أن هناك مناطق في تلك الصفحة الدموية مازالت معتمة. وإذا كان المجلس قد سعى لتبرئة نفسه، فمن أشعل الأحداث إذن، هل هم المتظاهرون المسيحيون؟، أم الفلول ؟، أم أن هناك مندسين لم تُعرف هويتهم بعد؟. وهل المتورطون يتحركون بتوجيه من الداخل، أم من الخارج؟، وما دور إسرائيل المتهم الأول عند البعض منا في كل ما يقع بمصر قبل وبعد الثورة؟.
لست وحدي في هذه الحيرة، بل هناك كثيرون غيري، وأتصور أن على رأسهم عصام شرف رئيس الحكومة الرجل الذي أحاول البحث عن خيط رفيع للتعاطف معه كمسئول وكشخص وضعته الأقدار على رأس الجهاز التنفيذي في واحدة من أصعب فترات مصر، وهو بلا صلاحيات، وبلا حول ولاقوه في ظل المجلس العسكري الذي يهيمن على الإدارة وعلى الحكم، بينما هو غير قادر على الإدارة، وليس متمرسا على الحكم. وبالطبع ستكون المصيبة أعظم لو كان المجلس مثلنا هو الآخر في حيرة بشأن تفسير ما تتعرض له مصر تحت قيادته من أحداث غريبة ومفاجئة، أو ربما هي مرتبة ومخططة لتحقيق أهداف خاصة توفرها الظروف الحالية للبلاد.
في حادث ماسبيرو تعددت الروايات، ولم تتطابق، وتعدد المتهمون، ولم يتم الاتفاق على متهم واحد واضح، من الفلول وبلطجيتهم، الى المندسين والمتآمرين، ومن اتهام المسيحيين بإشعال العنف، الى اتهام القوات بسحق ودهس المحتجين، الى استدعاء الأحاديث الاعتيادية عن الفتنة الطائفية، ومظالم الأقباط والتمييز، والتطرف الديني، وتشعيب القضية

وإدخالها في تفصيلات حتى يتوه أصل ما جرى في تلك الساعات، وكيف جرى، ولماذا، وما هي نهاية ذلك كله؟.
هل هناك من يريد دفع مصر الى الانهيار، أم التفتيت والتقسيم، أم هناك من يريد تعطيل الانتخابات واستحقاقات التحول الديمقراطي لأنه يفتقد الوجود الشعبي، أم هناك من يريد الاستحواذ على السلطة وإعادة الاستبداد لكن بنسخة جديدة محسنة وذلك جعل المصريين يكفرون بالثورة حتى تصبح هي سبب كل ما يتعرضون له من مآسي وأزمات ليفضلوا وللأبد النوم في حضن الديكتاتور عن الحياة في ظل الحرية؟.
في ظل هذه العتمة والحيرة والدهاليز والفوضى وعدم فهم أي شيء في كل شيء فإنني أصبحت أسير في أي مكان وأنا أتلفت حولي تحسبا لحدوث شيء مفاجئ ليس في الحسبان، فمثلما أن لا أحد بات فاهما لما يحيط به، فإن لا احد عاد آمنا في الشارع أو البيت.
هذا الشعور الجديد بالخوف بسبب الانفلات وغياب الدولة والنظام والقانون وعدم احترام أحد لأحد هو الأمر المزعج الآن. صحيح أن هواجس القلق والغموض كانت موجودة قبل الثورة، لكنها تزايدت وتضاعفت بعدها. قد يكون هذا الشعور مبالغا فيه إلا انه أصبح شعور الكتلة الصامتة الغالبة من المصريين التي تتململ الآن من الثورة ومما جلبته عليها، وهذا هو الخطر الأعظم على الثورة حيث يتم تحويلها من فعل عظيم نبيل رائع الى فعل شنيع كريه جلب الخوف والقلق والدماء والغلاء وكل ما هو سيئ لمصر وشعبها.
فما جرى أمام ماسبيرو من تحول المظاهرة السلمية فجأة الى حرب حقيقية، ومن كان خارجها ومتواجدا بالصدفة في المكان، أو كان يسير على كورنيش النيل، أو كان متجها لميدان التحرير، أو وسط البلد، وجد نفسه مضطرا داخل تلك الحرب أو على تخومها أو يطاله شررها، بل لم يسلم منها من كان يتابعها على الشاشات حيث أصيب بالخوف على مصير الوطن وبالإحباط مما يحدث، فهل مثل هذا المواطن يمكن أن يظل مؤمنا بالثورة، وبالمستقبل الأفضل؟.
مصر الآمنة هل لم تعد كذلك؟، مصر المستقرة هل لم تعد كذلك ؟، مصر الناس الطيبين هل لم تعد كذلك؟.
"حد عارف أو فاهم حاجة"!.