رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ليالي مبارك الرهيبة!

كلمة عابرة خرجت من فم الرئيس المخلوع حسني مبارك عقب تأجيل الحكم في قضية قتل المتظاهرين إلي آخر نوفمبر المقبل، وهي: «عايزين تخلص بقي»، كانت كاشفة وموحية وملخصة لما آل إليه حال مبارك الذي كان يوما ما يتربع علي عرش مصر زهاء 30 عاماً وكان حديث الوطن والمنطقة والعالم، فإذا بهذا كله ينتهي في لحظة ويصبح أثراً بعد عين عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011.

والأمر المؤكد هنا ان تلك العبارة «عايزين نخلص» تكشف معاناة الطيار السابق الذي أصبح أقصي حلمه براءة ساحته لكي يخرج من الدنيا بشرف مرفوع الرأس بعد كل ما جري له طوال ثلاث سنوات وسبعة شهور تقريباً، عاني خلالها الكثير نفسيا وبدنيا ومعنوياً وصحياً، وهو ما يكشف ان ليلة النطق بالحكم الذي تم تأجيله بعد شهرين تقريباً كانت رهيبة بكل معني الكلمة.
المتأمل والراصد والمتابع لتاريخ الرئيس الأسبق مبارك يكتشف ان لياليه الرهيبة لم تكن ليلة واحدة هي ليلة النطق بالحكم الذي تم تأجيله في قضية قتل المتظاهرين، بل هي ليال عديدة عاشها الطيار السابق سواء خلال خدمته في سلاح الطيران حتي أصبح مديراً للكلية الجوية في بلبيس ثم قائد القوات الجوية في حرب أكتوبر المجيدة 1973، أو خلال خدمته نائباً لرئيس الجمهورية، أو بعد توليه الرئاسة وحتي بعد خلعه عن الحكم وإيداعه السجن في قضايا عديدة أبرزها قضية قتل متظاهري ثورة 25 يناير التي يحاكم بسببها الآن هو واللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق وآخرون.
مؤكدا أن أشهر وأهم ليالي الرئيس الأسبق مبارك طوال خدمته كطيار ثلاث ليال، الأولي يوم اختاره الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مديراً للكلية الجوية، وقد حدث هذا بعد نكسة يونية 1967 ضمن إجراءات عبدالناصر لإعادة بناء الجيش المصري وهيكلة سلاح الطيران بعد تدمير طائراته علي الأرض وتقديم المسئولية عن الهزيمة المروعة للمحاكمة العسكرية، كان عبدالحكيم عامر أسرعهم إليها بانتحاره في 14 سبتمبر 1967، وقد أشادت تقارير الخبراء السوفييت بكفاءة مبارك الإدارية والفنية كطيار خلال بعثته العسكرية إلي روسيا في الستينيات، وهو ما رجح اختياره مديراً للكلية الجوية، ساعد علي هذا الاختيار تفانيه في العمل وانضباطه، وكانت المهمة الموكولة إليه هي بناء القوات الجوية من الصفر تقريبا، وليلة اختياره لهذا المنصب الرفيع والخطير لم ينم مبارك تقريباً فرحاً علي المنصب وخوفاً من المسئولية، وقتها تذكر مبارك ليلة 5 يونية 1967، كان وقتها مديراً لقاعدة بني سويف الجوية وقد فوجئ في الصباح بتدمير الطائرات المصرية علي الأرض، ولكن كانت هناك طائرات أخري في الحظائر لم يتم تدميرها، فأمر مبارك فوراً بتهريبها إلي السودان عبر الطيران المنخفض ولم تستطع الطائرات الإسرائيلية التي كانت تقوم بالهجوم الكاسح علي كل المطارات العسكرية هي والطائرات الأمريكية اللحاق بها، وقد علمت القيادة العسكرية بمهارة مبارك في ذلك الصباح وكان هذا من عناصر ترجيحه مديراً للكلية الجوية فيما بعد.
ومن ليالي مبارك الرهيبة أيضا ليلة حرب 6 أكتوبر 1973 التي لا تنسي، كانت ليلة طويلة لدي مبارك لم ينم فيها تقريبا سوي بضع سويعات ليصحو علي غرفة العمليات بسلاح الطيران ويصدر أوامره لقائدي 200 طائرة عسكرية بتدمير خطوط العدو وتحصينات خلف خط

باريف ضمن الموجة الأولي للهجوم ثم أعقبتها موجة ثانية، وكانت الخسائر محدودة للغاية، في طائراتنا، مما رد الاعتبار لسلاح الجو المصري أمام نظيره الإسرائيلي خصوصا في معركة 14 أكتوبر التي تكبدت فيها إسرائيل خسائر فادحة في طائرات الفانتوم فاضطرت إلي الانسحاب واتخذ هذا اليوم عيدًا للقوات الجوية المصرية.
بخلاف ليالي مبارك الرهيبة كطيار، ليلة لا تنسي نائب الرئيس الأسبق السادات من الموت بأعجوبة في صباح 1981 حيث نجا في منصة العرض العسكري التي تحولت إلي مذبحة نفذها إسلاميون ضد السادات بطل الحرب والسلام، فقتل كثيرون أبرزه في يده ولولا احتماؤه بالكراسي التي ألقاها عليه الحرس بقتل علي الفور، في تلك الليلة لم ينم مبارك تقريباً من هول ما جري وكان أمن الوطن هو الشغل الشاغل له.
وفور توليه الرئاسة عاش مبارك ليالي بالنسب له، ومن أبرز تلك الليالي ليلة غزو صدام الكويت في 20 أغسطس 1990، كان قبلها عائداً من جولة خليجية وتلقي تطمينات مؤكدة من صدام باستبعاد الغزو العسكري للكويت، لكن ما جري كان عكس ما اتفق عليه وعندما استيقظ مبارك علي صوت الهاتف فجراً يبلغه نبأ الغزو لم يصدق مبارك ما جري وأخذ يضرب أخماساً في أسداس مدركاً بحسه الوطني وخبرته العسكرية هول ما جري من حدث محلي سوف تقلب الدنيا وما فيها وهو ما حدث فعلاً.
الليلة الكبيرة في حياة مبارك التي لا تنسي ليلة تنحيه عن الحكم في 11 فبراير 2011 وقتها وجد أن الوطن علي وشك الدخول في حرب أهلية، ووجد أن رحيله عن الحكم ربما يحقن الدماء لتحقيق مطالب الثوار، ورغم كثرة العروض التي قدمت إليه للرحيل إلي إسرائيل أو إحدي الدول العربية المجاورة، إلا أنه رفض وآثر الذهاب إلي شرم الشيخ، ليتم تقديمه بعدها إلي المحاكمة في قضايا عديدة أبرزها هدايا الأهرام وأرض الطيارين والفساد وقتل المتظاهرين، ورغم تشويه معظم تلك القضايا فإن قضية قتل المتظاهرين تم الحكم عليه فيها بالمؤبد.
وبعد إعادة المحاكمة مؤخراً تم تأجيل الحكم بعد ليلة رهيبة قضاها مبارك يحلم بالبراءة، مما يرجح أن لياليه الرهيبة لم تنته بعد.