فتنة «أسوان» وتخاريف «بدران»
فتنة أسوان التي حدثت مؤخراً بين العرب «الهلالية» والنوبة «الداودية» وراح ضحيتها ما يقرب من 27 قتيلاً و32 مصاباً هى جرس إنذار لنموذج الحروب الأهلية والقبلية التي يمكن أن تندلع هنا أو هناك لأي سبب كان، سواء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو بسبب فتاة أو نتيجة لأسباب قبلية أو عائلية أو قومية! وهو ما يتمناه ويخطط له أعداء مصر ليل نهار لتفتيت الوطن.
ترتبط النوبة في الذاكرة التاريخية بمملكة النوبة المسيحية التي قامت على الحدود المصرية - السودانية أيام المماليك وعندما علم بأمرها الظاهر بيبرس البندقداري - أمير الجيوش - أيام السلطان سيف الدين قطز أمهل التعامل معهم حتى ينتهي من المغول والتتار، وعندما انتصر عليهم في موقعة عين جالوت الشهيرة توجه بيبرس بنفسه على رأس جيش الى النوبة فقام بهزيمتهم شر هزيمة حتى أنه أباد مملكتهم المسيحية تماما وأزالها من الوجود، ورويداً رويداً دخل أبناء النوبة الإسلام، ثم صاروا جزءا من النسيج المصري، وفي حرب أكتوبر المجيدة 1973 أبلوا بلاء حسنا عندما استعان بهم الجيش المصري لإرسال التعليمات العسكرية الى بقية الوحدات، والتقطت أجهزة الرادار الاسرائيلية تلك الرسائل ولكنها لم تستطع فك شفرتها بسبب لغتها الغريبة النوبية - لغة منطوقة وليست مكتوبة - مما كان سبباً من أسباب الانتصار في الحرب، ولكن أبناء النوبة بقيت داخلهم مرارة التهجير من قراهم عند بناء السد العالي والإحساس بالدونية بسبب لونهم الأسمر الأقرب الى السواد، حتى إن السينما المصرية لم تفكر في الاستعانة بشخصية النوبي إلا كطباخ أو سفرجي أو بواب، رغم أن فيهم المتعلمين الذين وصلوا الى أعلى المراتب والدرجات العلمية والوظيفية ورغم تلك المرارات بقيت أسوان نموذجاً في الاستقرار والهدوء عكس بقية محافظات الصعيد الملتهبة خصوصاً قنا وأسيوط والمنيا، وذلك بسبب هدوء العائلات النوبية بالنسبة لبقية السكان العرب، حتى جاء الحادث الأخير الذي أشعل الفتنة في أقصى الجنوب، وأيا كان السبب في ذلك، سواء تأييد السيسي كما ذكر أحد الاعلاميين مؤخراً أو بسبب معاكسة فتاة كما نشرت بعض المواقع أو بسبب فتنة مدرس إخواني سعى للوقيعة بين أبناء أسوان، فإننا نرجو الانتباه جيداً لم يدبر له أعداء الوطن، وأرجو ألا تقتصر عمليات الصلح على وفود من هنا أو هناك ثم وعود وصور تذكارية بل يجب أن نبحث في جذور الأحداث حتى لا تتكرر مرة أخرى.
قل على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ما تشاء.. قل إنه كان ديكتاتوراً.. قل إنه لم يحتفظ بأصدقائه.. قل إنه لم يعط وزناً لمؤامرات الغرب عليه حتى حدثت نكسة 1967، ولكن لا يمكن أن