عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عن المرأة أكتب

اللحاق بركب التقدم هو جوهر مشروعي ككاتب. وهو مشروع وثيق الصلة بوضع المرأة في المجتمع. فهذا اللحاق  مستحيل ما لم نتجاوز كل الثقافات التي ترى أن «المرأة»

كائن أقل من الرجل. واعتقادي راسخ بأن «العقلية» التي لا تستطيع استيعاب ان المرأة كائن لا يقل عن الرجل هي عقلية لا تستطيع استيعاب متطلبات اللحاق بركب التقدم. فالرجل الذي يؤمن بتميّز الرجال عن النساء هو صاحب ارث مهول من الرجعية والتعصب وضيق الأفق واللا – انسانية وضعف الثقة بالنفس.

واعتقادي أيضاً راسخ بأن الذين يعتقدون أنهم يؤسسون موقفهم (الرافض للمساواة بين المرأة والرجل) على ما يسمونه «رأي الدين» هم في الحقيقة أناس يعجزون عن إدراك أنهم جعلوا ثقافة العصور الوسطـي وقيم المجتمعات القبلية ومفاهيم الجماعات الرحل (البدو) مرجعية يطلقون عليها «رأي الدين».

إن أخطر ما في الثقافة الذكورية هو «العقلية الذكورية». فالرجل ذو العقلية التي لا ترى ان المرأة مساوية للرجل إنسان غير قادر على دفع مجتمعه قدماً للحاق بركب التقدم. والرجل الذي يعاني من مشكلة نقص ثقة بذاته هو انسان في أمس الحاجة لمناخ ثقافي عام يضع له المرأة في موضع أدنى منه. وعندما أتاحت لي الظروف الاشراف على آلاف الشباب، رأيت بعيني أن أصحاب النصيب المتواضع من القدرات يكونون الأشد تمسكا بأهداب الثقافة الذكورية. وفحوى الأمر، ان من أخفق على المسـتوى العـام لا يبقى له الاَّ أن يتفوق ويسود في دائرته الخاصة!

 إن مدام كوري هى أول من حصل على جائزةِ نوبل في العلوم لأكثر من مرة. وهو ما كان يجب أن يسكت كل صوت يعبّر عن تميّز «النوع الذكوري». وإذا قال قائلُ أَن مدام كوري محض إستثناء، قلنا: أن الرجال قيدوا النساء عدةَ قرونٍ ثم جاءوا يقولون إنهن لا يربحن في السباق. وقد دلتني قيادتي لمؤسسة عالمية تضم الآلاف من الجنسين على عدم وجود أي دليل على أي تفوقٍ ذكوري في أي مجالٍ من مجالاتِ العلمِ والعملِ ، بل إن ما رأيته من أشكالِ التفوقِ الأنثوي كان أبرز بكثيرٍ. منذ فترة شاهدت حواراً تليفزيونياً على القناةِ المصريةِ الأولى بين ثلاثِ شخصيات هم : القاضية المصرية الأولى التي عُينت كمستشارةٍ بالمحكمةِ الدستوريةِ. ومستشار بمحكمةِ النقض دلت كلماتُه على غزير علمِه ، ومذيعة معروفة. وعندما أسهب مستشارُ النقض المستنير في عرضِ المدارس الفقهية التي تؤيد واحدةُ منها كون المرأة قاضية وترفض مدرسة ثانية تولي المرأة القضاء بينما تقف المدرسة الثالثة موقفاً وسطاً إذ توافق على تولي المرأة القضاء في أمُور معينة. أثناء إنصاتي للحوار القيم فوجئت بسؤالٍ من المذيعةَ موجه لمستشار النقض يقول: وما هو الصحيح في هذه التوجهات الثلاث (؟!!؟) ومرجع الاستغراب عندي أن المذيعةَ أوضحت بسؤالِها «لب مشكلة كبرى من مشاكلنا الثقافية». فالسيدةُ المذيعة لا تعلم مثل الملايين في واقعنا أن الآراء الفقهية جميعَها «أعمالٌ بشريةٌ» وإنها ليست إلاَّ «محاولة للفهم». ولا أدل على ذلك من قول أبي حنيفة عن كل علم أصول الفقه (علمُنا هذا رأي – فمن جاءنا بأفضل منه قبلناه). كما أن التعريف المستقر لعلم أصول الفقه (علم إستنباط الأحكام العملية من أدلتها الشرعي) ينفي عن أي رأي فقهي أنه الرأي المطابق للصواب، فالاستنباطُ «عملٌ بشري»  قد يكون «صحيحاً أو «غير صحيح»

. وكما قال مستشارُ النقض المستنير في ذلك الحوار التلفزيوني (لو أن الأمر غير محل خلاف لما وجدت بخصوصه آراءٌ فقهية متعددة ومختلفة). ومعنى ذلك : أن وجودَ آراءٍ فقهيةٍ مختلفة حول جواز أو عدم جواز كون المرأة «قاضية» هو دليل على «إمكانية الإختلاف» و «جواز تبني رأي فقهي دون آخر».

ولا يفوتني أن أوُضح أن ثقافة التمّيز الذكوري إنما هي مرض أصاب نساء كثراً، فأضحين أمهاتٍ ينشئن أَطفالهن على تلك الذهنية التي لا أجد كلمات مهذبة لوصفها سوى أنها ذهنية مضادة للتقدمِ والمدنيةِ. إن تحرير المرأة من ربقة الثقافة الذكورية الرجعية تبقى أمراً مستحيلاً ما لم تصبح المرأة نفسها في طليعة الساعين لتغيير هذه الثقافة الدونية وإحلال (مكانها) ثقافة عصرية تكون فيها المرأة على قدم المساواة تماماً  مع الرجل ، بل ويسود إقتناعٌ (هو جزء لا يتجزأ من تكويني العقلي) بأن المرأة أكثر بكثير من نصف المجتمع: فهي نصف المجتمع عددياً، وأكثر من ذلك بكثير كأم للرجال والنساء معاً.

ولا شك عندي أن وجودَ مؤسسةِ الأزهر حالياً تحت قيادة مشهود لها بالإعتدال هو فرصةٌ لمناصرةِ «مدرسة العقل والتطوير» في مواجهة «مدرسة النقل والجمود». ولنكن على يقين أن هناك علاقة مؤكدة بين التكوين الثقافي للإنسان وما يعتقده في هذا الموضوع  – وهو ما سيقودنا لإكتشاف منبت الرأي الذي يتجه للمحافظة على وضع المرأة على ما كان عليه في معظم تاريخنا: فاستعمال «الدين» ما هو إلاِّ «غطاء سياسي» لوجهات نظر تنبع من الثقافة التي كونتها مصادر أربعة هي: ثقافة البداوة وثقافة القرون الوسطى والثقافة الذكورية المتأصلة في ثقافة القبيلة الصحراوية وضعف الصلة بالمعرفة الإنسانية الواسعة. فما الذي نتوقعه من «رجل» نهل من تلك المنابع واستكملها بعزلته الثقافية عن إبداعات الإنسانية العظيمة والتي يندر توفرها لمن لا تكون له أدوات طيعة من لغات دول عصر النهضة؟.. كما أن انعدام الموضوعية في ذلك الأمر «مطلق»: فنحن هنا أمام «رجعية» تزاوجت مع «البدائية» وتلونت «بالقبيلة» – ثم كستها بعد ذلك رقيقة من العزلة عن «منابع الإبداع الإنساني العالمية» ثم اكتملت المأساة بكون صاحب الشأن يدافع عن ذاته (والتي هي ضعيفة لدرجة مذهلة).