رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

اقتصاد السوق

الدانة الأولي: أثناء رحلة جوية منذ بضعة أيام بين العاصمة الروسية موسكو والمدينة القوقازية سوتشي علي البحر الأسود طالعتُ بإمعانٍ البرنامج الاقتصادي لحزب النور ونظيره لحزب الحرية والعدالة (المصريين). وقد وجدتْ برنامج حزب النور أقرب ما يكون للتوجه الاقتصادي الاشتراكي، أما البرنامج الاقتصادي

لحزب الحرية والعدالة فينضوي تحت مسمي «اقتصاد السوق». وفي اعتقادي ان برنامج حزب الحرية والعدالة قد تكون له فرصة للنجاح (النسبي) أكثر من برنامج حزب النور لثلاثة أسباب رئيسة. أما السبب الأول، فالآن برنامج حزب النور سيكون مكبلاً بتوجهاتهم الثقافية الكفيلة بإجهاض أي برنامج اقتصادي. وأما السببُ الثاني فهو أنهم محدودو الخبرة السياسية والاقتصادية بشكل كبير جداً. وأما السبب الثالث والأخير، فلكون برنامجهم الاقتصادي مضاد للتوجهات الاقتصادية في العالم بأسره اليوم، وقد حاولت أن أقف علي العامل الأساس الذي يجعل التوجه الاقتصادي لحزب النور السلفي أكثر اشتراكية، بينما يتسم البرنامجُ الاقتصادي لحزب الحرية والعدالة بروح رأسمالية واضحة، وفي اعتقادي أن السبب يكمن في الحالة الاجتماعية للذين صوتوا في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة للحزبين «حزب السلفيين وحزب الإخوان المسلمين». فقد توفرت لدي بيانات أثق في صحتها (النسبية) تقول إن الذين صوتوا للسلفيين كان معظمهم من طبقة اجتماعية واقتصادية أدني من المتوسط العام للذين صوتوا لمرشحي الإخوان المسلمين، وهكذا فقد جاء البرنامج الاقتصادي لحزب السلفيين بما يعكس الظروف الحياتية شديدة القسوة لملايين المصريين، وبنفس القدر فقد عكس البرنامج الاقتصادي لحزب الإخوان المسلمين الحالة الأفضل نسبياً لأولئك الذين صوتوا لمرشحي حزب الإخوان.
الدانة الثانية: عقب محاضرة ألقيتُها منذ أيام قليلة في روسيا سألني مستشرُق روسي معروف عالمياً: هل الصورة العامة اليوم في مصر أفضل أم صورة وحالة مصر خلال السنة السابقة علي خلع حسني مبارك؟.. وقد كانت خلاصة إجابتي الطويلة كالتالي: إن هذا السؤال يحمل في طياته خطأً منهجياً كبيراً، فالحالة الراهنة في مصر هي محضُ نتيجة وثمرة لسنوات حكم حسني مبارك الثلاثين.
الدانة الثالثة: رغم أنني لا يمكن أن أكون معجباً بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، إلا أنني لابد وأن أشهد أنه كان إبان شهور محاكمته وحتي لحظة إعدامه رجلاً شجاعاً.. أما حسني مبارك، ففي كل مرة أراه يدخل قفص المتهمين في المحكمة، فإنني أري الجبن متجسداً.. فالرجل الذي أعلم يقيناً أنه بمجرد عودته للمستشفي الذي يقيم فيه يسير علي قدميه بكل نشاط حريص علي دخول المحكمة وهو ممدد في فراشه ومغطي ومحمول في حالة تعكس جانباً رديئاً من تكوينه. والحماقةُ الكبري تتجسد في أن المخلوع المحمول علي نقالة لا ينسي أبداً صباغة شعره كل جلسة.. إن عدم قدرة حسني مبارك علي دخول المحكمة واقفاً علي قدميه (كما كان يفعل صدام حسين) هو جانب بالغ الأهمية في شخصية هذا الرجل الذي سيتبوأ في كتب التاريخ  موقعه كأسوأ وأفسد حكام مصر منذ وحد الملك مينا قطريها.
الدانة الرابعة: لن ولا أفهم أبداً كيف يُسمَحْ للكائنات الأحفورية التي كانت من رموز عهد حسني مبارك بالترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية؟.. فهل يعقل أن يكون وزير خارجية حسني مبارك أو وزير طيرانه أو الذراع اليمني لسوزان مبارك بين المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية؟
الدانة الخامسة: طالبت مراراً في عشرات المقالات والأحاديث التلفزيونية بحتمية أمرين: أولهما عدم السماح لطبقة رجال الأعمال للعودة للمسرح السياسي بأي شكل من الأشكال، وبنفس القدر لصدور قانون يحظر علي أعضاء الحزب الوطني المنحل المشاركة في أي نشاط سياسي لمدة عشرين سنة.. وآمل أن يقوم نواب الشعب الذين شكّلوا أول برلمان بعد الثورة بإصدار تشريع يحقق هذا الحظر، فأعضاء لجنة السياسات كانوا دون استثناء من القراد الذي قام بمص دم مصر والمصريين بتوحش وضراوة وإجرام من خلال علاقة أعضاء لجنة السياسات بأكبر كوارث عهد المخلوع وأقصد النجل غير المبجل جمال مبارك.
الدانة السادسة: قال لي منذ أيام أحد مستشاري بوتين (رئيس روسيا

السابق ورئيسها القادم خلال أيام) إن بوتين لا يساوره شك أن ما حدث في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا سيتكرر في عدة بلدان ستكون روسيا من بينها، وأضاف محدثي: «هذه الرؤية كانت ولا تزال من أسباب وقفة روسيا الحالية بقوة وراء بشار الأسد ونظامه».. ورغم اقتناعي بصوابية ما قاله هذا السياسي الروسي المحنك (بشكل نسبي)، فقد قلت له إن روسيا في موقفها هذا صارت علي النهج الأمريكي أي نهج المواقف الكبري المتفقة مع المصلحة البحتة، ولكنها في نفس الوقت مناقضة للنسق الأخلاقي الذي لا يجوز الاختلاف حوله.
الدانة السابعة: منذ سنة بالتمام والكمال نشر مقالي «شكرا أيها الولد الصغير!».. وكانت خاتمة المقال الطويل كالتالي: إن حسني مبارك (بآفاقه بالغة الضيق وقدراته المتواضعة) ما كان ليتسبب (وحده) في «ثورة» كالتي قامت يوم 25 يناير.. وأنا وأظن أن معظم أبناء مصر سيشاركوني الرغبة في أن نشكر «الولد - اللعنة» ! وأن نقول له: ألف شكر يا جمال! فلولا طموحك المجنون ورغبتك في أن ترأس مصر (تصوروا!).. رغم محدودية قدراتك.. ولولا أنك كنت «صاحب بالين» (إذ كنت تريد «كل السلطة» وتريد في نفس الوقت «كل الثروة»).. فلولا مطامعك تلك لما ثار أحد، ولأخلصنا لسلبيتنا التي كنت أنت أهم أسباب تخلصنا منها وانتقالنا من أغلال السلبية لأفق الإيجابية الرحب.. فألف ألف شكر لك!، ولولا أنك شاركت رجال الأعمال القراد وكونت ثروة لم يكونها أي ملك أو أمير عربي (رغم فقر معظم أبناء بلدك) ولولا أنك حولت نفسك لرازق يمنح ويمنع، لما أسقطنا جلد الصمت ولما كسرنا حائط الخوف.. ولولا أنك زورت (بنفسك وبمساعدة اثنين ينافسانك في الحصول علي أكبر قسط من كراهية وازدراء المصريين) انتخابات مجلسي البرلمان المصري خلال 2010 وبلغ بك الفجور (والحمق والرعونة) أن تجعل رجال (قراد) حزبك يفوزون بـ 98% من مقاعد مجلس الشعب، لولا حماقات كهذه لما أشعل شباب مصر واحدة من أروع الثورات في سجل النضال الإنساني ضد القهر والاستبداد والفساد.. فألف ألف شكر!.. فلولا دورك لبقي المصريون علي سلبيتهم ورضاهم بالمقسوم واعتبارهم أن والدك هو قدرهم، لولاك، لعاش أبوك رئيسا لنا حتي «آخر نفس» كما قالها منذ شهور، ولكن فكرة «العدالة المطلقة» التي كان يؤمن بها الفيلسوف الأعظم بين الفلاسفة الألمان «كانط» أرادت لأبيك ألا يموت إلا مخلوعاً، وأن يكون اللحن الأخير في حياته «جد تعيس».. وهو لحن من تأليفك أنت أيها الابن اللعنة، الذي أكرر شكري وشكر مصر وشكر عشاق الحرية له!.. فألف ألف ألف شكر يا ولد.