رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عصابة سجن طرة

الدانة الأولي: عصابة سجن طرة «في مصر» تعمل وكأنها حكومة نافذة القرار لا حد لإمكاناتها وقدراتها «وجرائمها».. عصابة سجن طرة يخدمها عدد كبير من قيادات وزارة الداخلية الذين كان ولاؤهم وكانت مصالحهم ولا تزال مرتبطة برموز عهد مبارك القابعين في طرة،

ومن سجنها يحركون عشرات الآلاف من المتشردين والبلطجية والمجرمين المأجورين وينفقون عليهم مئات الملايين.. عصابة سجن طرة كلها ثقة أن عهدها لم ينته وأن القضاء لن يصدر أحكاما بحق أعضائها.. عصابة سجن طرة التي كان أفرادها يستحقون محاكمة ثورية تقودهم «خلال أسابيع» لحبال المشانق علي وشك أن يتمكنوا من القضاء التام علي ثورة 25 يناير 2011 الأمجد بين ثورات الشعوب.. عصابة سجن طرة وحدها «وليس جيش مصر الباسل أو المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو التيارات الإسلامية أو التيارات الليبرالية» هي المستفيدة من كل الجرائم التي أزهقت مئات الأرواح وخربت ودمرت وأضرت مصر أفدح ضرر.. ويبقي السؤال الملح: لماذا الصبر علي عصابة طرة؟.. لماذا تعطي هذه العصابة المجرمة الفرصة تلو الفرصة لتلقي مزيدا من الوقود سريع الاشتعال علي النار المتقدة اليوم في مصر.. سؤال يحير كاتب هذه السطور ويحير ملايين المصريين.. سؤال وجهته «في حديث تليفزيوني أجراه معي التليفزيون المصري مؤخراً» لرئيس وأعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذين انحازوا منذ سنة بالتمام والكمال للشعب وليس للطاغية صاحب أسود سجل في تاريخ الإضرار مصر.
الدانة الثانية: متي ينظر كل مصري ومصرية لنفسه في المرآة ويلومها أشد اللوم علي مساهمة كل منا في عملية إفساد الحكام؟.. متي نخجل من التقديس الذي يسبغه جلنا علي الحكام؟.. متي ندرك أننا جعلنا رجلا في غاية التهافت العلمي والمعرفي والثقافي «أصبح في مصادفة تاريخية رئيسا لمصر» يحسب نفسه حكيما متميزا في حكمته، وهو الذي كانت ضحالته المعرفية ومحدودية آفاقه تثير سخرية جل غير المصريين الذين التقوا به منذ أتت به قوانين المصادفة العمياء لسدة الحكم في مصر في أكتوبر 1981؟.. منذ أكثر قليلا من ألف سنة تمكن خصي من أغوات دولة الإخشيد أن يثب لكرسي حاكم مصر.. ورغم أنه كان شديد الدمامة، فقد صار المصريون يمدحون كل جانب من جوانبه، حتي هيئته مدحوها!
يقول أبوالطيب المتنبي عن هذا الخصي الذي تولي «أيضاً في مصادفة تاريخية بلهاء» حكم مصر إنه رغم أن نصف وزنه كان في شفتيه، إلا أن ذلك لم يمنع المصريين - يومئذ - من أن يقولوا له إنه كالبدر!.. يقول المتنبي: وأسود مشفره نصفه، يقال له أنت بدر الدجي!!.. ولعل نار الثورة المقدسة «ثورة 25 يناير العظمي» تطهر معظمنا من دنس هذا الرياء للحكام الذي يجعل أقزاما يتفرعنون علينا، وهم الذين مكانتهم المستحقة هي زنازين السجون.. وما أكثر ما أكرر القصة التالية: في سنة 1940 استدعي البريطانيون ابن وطنهم العظيم ونستون تشرشل ليقود وطنه في مواجهة وحش النازية الذي التهم معظم القارة الأوروبية.. وخلال خمس سنوات (1940-1945) قاد تشرشل حملة مواجهة الوحش النازي ... وفي سنة 1945 تكللت جهوده بانتصار الحلفاء «جانب بريطانيا» وهزيمة الوحش النازي ... وبدلا من أن يقدسه البريطانيون.. وبدلا من أن يؤلهه البريطانيون، إذا بهم في سنة نصره الأكبر (1945) يسقطونه في الانتخابات ويأتون بغريمه كليمينت أتلي ليحل محل تشرشل علي رأس الحكومة البريطانية!.. وهو اختيار من الشعب البريطاني له أكثر من معني.. ومن بين تلك المعاني، أن تشرشل في النهاية ليس إلا خادم بريطانيا وليس

سيدها «تذكروا تعبيرات مثل بطل الحرب والسلام، وبطل العبور، وصاحب الضربة الجوية».. ومن بين تلك المعاني أيضاً، أنه ليس بين الناس من يغرق الوطن بدونه.. ومن بين تلك المعاني كذلك، أن الذي كان مناسبا لمرحلة الحرب، ليس هو بالضرورة الأنسب لمرحلة ما بعد الحرب.. وعلينا أن نخجل لأننا بعيدون جدا عن هذه الدرجة من النضج العقلي والنضج الوطني.
الدانة الثالثة: أعتقد جازما أن حسني مبارك هو أسوأ حكام مصر منذ عهد الملك مينا.. وأعتقد أن أسرته وحاشيته هم من أعدي أعداء مصر وعلي رأس قائمة من نهبوها وجعلوها عامرة بمشكلات من أعوص المشكلات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.. وخطايا وجرائم مبارك وزبانيته ورموز عهده لا تحصي.. ومن أفدح جرائم عهده قيامه «هو وابنه الأصغر وزوجته» بتكوين عصابة (أوليجاركية) حلف السلطة والمال.. ذلك الحلف المدنس الذي كان من أهم الأسباب التي استدعت روح الثورة.. وقبل الثورة، كان أعظم الأوطان تسيره حثالة بشرية سميت بمجموعة كبار رجال الأعمال والذين صار معظمهم أعضاء بلجنة السياسات.
ومن غرائب وعجائب الأمور أن يكون كثير من خفافيش هذه اللجنة المشئومة حتي الآن «طلقاء» يعربدون في الحياة العامة ويحاولون إعادة الدور المخرب لرجال الأعمال في قيادة مصر.
لقد أتاحت لي الظروف أن أعرف معظم هؤلاء المسوخ  عن قرب  وأن أري وألمس بنفسي حقيقة هدفهم الأوحد وهو مص دم مصر من خلال صيغتهم السياسية/الاقتصادية الاحتكارية حتي النقطة الأخيرة. وما كان أعمق جرحي وأوجع ألمي وأنا أري صانع البلاط وصانع السيراميك والأدوات الصحية وصانع القمصان الذي كان يبيع السراويل الجينز علي عربة في كاليفورنيا وصانع الأبسطة «السجاد» وصانع الحلوي وغيرهم من التجار عديمي التكوين الثقافي والمفتقرين لأي شعور بالوطن ناهيك عن افتقارهم الكلي لأي حس اجتماعي ولأي حس تاريخي وقد صاروا رموز مصر التي كان رموزها ذات يوم هم أحمد لطفي السيد وطه حسين ومصطفي مشرفة والسنهوري وعلي إبراهيم.
ويحذر كاتب هذه السطور من المحاولات المستميتة الجارية الآن لعودة بعض هؤلاء «القراد» لمص دم الشعب المصري.. وآمل أن يملي الحس الوطني علي أعضاء السلطة التشريعية الجدد سن قانون يفرض الحيلولة بين جراثيم العهد المباركي بوجه عام وحثالات لجنة السياسات وبين التأثير بأي شكل علي عملية اتخاذ القرار في مصر ما بعد سقوط المخلوع.