رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أين الدليل ياسادة؟

في الجزء الثالث من كتابه (في أعقاب الثورة المصرية – ثورة 1919) وتحت عنوان ( موجة القتل والارهاب) كتب المؤرخُ المصري الشهير عبد الرحمن الرافعي: (ومما زاد في تفاقم القتل والإجرام أَن العنصَر الإرهابي من جماعةِ «الاخوان المسلمين»

اعتنقها وعدّها وسيلةً لقلبِ نظامِ الحكم في البلاد. إن العنصرَ الارهابي في هذه الجماعةِ كان يرمي من غير شك إلى أن يؤول إليها – أي للجماعة الحكم..) (أما تطلع الإخوان المسلمين إلي الحكم، فأمر لا ريب فيه، وقد بدا من تصريحات الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين أنه واصل إلي الحكم يوما ما).
ولكن الموضوعيةَ تحتّم انصاف حسن البنا وبكلمات نفس المؤرخ: (كان يريد كما يبدو من ظاهر أقواله انقلاباً في الحكم، لا عن طريق القتل والارهاب، بل عن طريق انضمام غالبية الشعب لدعوته. ولكن الارهابيين من أنصاره لم يرتضوا الطريق الدستوري ، واندفعوا الى وسائل القتل والارهاب، ومن هنا جاءت حملات بعض الاخوان المسلمين وقتاً ما على النظم الدستورية). (انتهت كلمات عبد الرحمن الرافعي). ولاشك أن تاريخَ الاخوان بقى مشخصاً لما كتبه عنهم عبد الرحمن الرافعي. فهناك البعض (مثلهم مثل الاستاذ البنا) يطمح للوصول للحكم عن طريق انضمام غالبية الشعب إلى دعوتهم. وهؤلاء، لايمكن ان يكونوا إلاَّ جزءاً من الصورة المصرية المشروعة أو فسيفيساء (موزاييك) الصورة السياسية المصرية. وحتى الذين يخالفون الاخوان في رؤيتهم وافكارهم، فانهم لا يحق لهم اعتبار الاخوان (الذين يطمحون للوصول للحكم عن طريق انضمام غالبية الشعب لهم) إلاَّ ضمن «لاعبي المباراة الديمقراطية المشروعة».
أما الاخوان الذين وصفهم الأستاذ الرافعي بقوله إنهم كانوا (يرمون من غير شك إلى أن يؤول اليهم الحكم، ولعلهم استبطأوا اعداد الرأي العام لتحقيق هذه الغاية عن طريق الانتخابات، فرأوا أن «القوة» هي السبيل إلى ادراك غايتهم)، فإنهم ليسوا برجال سياسة وانما هم ( كما وصفهم الاستاذ الرافعي) «ارهابيون».
ولاشك ان من هؤلاء الاخوان الذين كانوا يتوخون الوصول لحكم مصر لا طريق الانتخابات (كما كان يطمح الاستاذ البنا) وانما عن طريق «القوة» ، أولئك الذين قتلوا رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي (1948) وقتلوا المستشار الخازندار (1948) واللواء سليم زكي (1948) والذين اطلقوا النار على جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية (1954) وأولئك الذين قتلوا وزير الاوقاف المصري الدكتور الذهبي (1977) واولئك الذين اغتالوا الرئيس انور السادات (1981) وأولئك الذين اغتالوا رئس مجلس الشعب المصري د. رفعت المحجوب (1990) والذين قتلوا المفكر المصري فرج فودة (1992) والذين شرعوا في قتل اديب مصر الكبير نجيب محفوظ (1993).. لا شك ان هؤلاء (القتلة) هم من المجموعة الاخرى (من الاخوان المسلمين) الذين قال عنهم الاستاذ عبد الرحمن الرافعي انهم كانوا على خلاف الاستاذ البنا لا يفضلون وصول الاخوان المسلمين للحكم عن طريق استمالة أغلبية الشعب المصري إلى جانبهم، وانما عن طريق القوة (أي القتل والترويع وإطلاق الرصاص والاغتيالات والتفجيرات). لا شك اذن ان بداخل الاخوان المسلمين تياراً يشبه الاستاذ البنا في طموحه لحكم مصر عن طريق

انجذاب غالبية الشعب المصري لدعوتهم ، وتيار آخر يرى ان الوصول لحكم مصر انما يكون عن طريق القوة (السلاح).
ومنذ اغتيال اخواني لرئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي وحتى محاولة اغتيال رئيس مصر في أديس أبابا (بأثيوبيا) في 1995، لايوجد أي دليل على أن التيار الأول (المماثل للأستاذ البنا في توخيه الوصول للحكم عن طريق استمالة أغلبية الشعب المصري لدعوة الاخوان) قد أصبح هو «التيار الوحيد» داخل «الاخوان المسلمين».
وآمل الا يقول لي مجادلُ إنني أخلط «الاخوان» بتيارات اخرى مثل «الجماعة الاسلامية» و«الجهاد» و«الجماعات التكفيرية»، فأنا وكل معنى بدراسة الاسلام السياسي في مصر يعرف أن «مطبخ الاخوان المسلمين» هو مصدَرُ كل تيارات الاسلام السياسي الاخرى. وأن أدبيات الاخوان المسلمين (سواء اكانت ادبيات مسالمة كأدبيات الاستاذ البنا أو ادبيات عنيفة ومسلحة كأدبيات الاستاذ سيد قطب) هي مرجعيات كل تيارات الاسلام السياسي المصري؛ بل انها مرجعيات معظم تيارات الاسلام السياسي في العالم . فأدبيات التيار الوهابي «ساذجة» ويعوزها «العمق» ولا تتحرك الاَّ بقوة دفع «البترو-دولار» ولا ترقى لمستوى ادبيات أساتذة مثل حسن البنا أو سيد قطب ( والذي هو أعمق بكثير من الرجل الذي ألهمه أي من أبي الأعلى المودودي). واذا كان كاتبُ هذه السطور يستنكف ويستهجن ويرفض كل اجراء غير قانوني اتخذته السلطات في مصر (منذ 1948 وحتى هذه اللحظة) ضد الاخوان المسلمين. فانه (في نفس الوقت) من حقه أن يتساءل : (اين الدليل على ان تيار الاستاذ حسن البنا والذي يتوخى وصول الاخوان للحكم عن طريق جذب أغلبية المصريين لدعوتهم هو (اليوم) التيار الوحيد داخل تنظيم الاخوان المسلمين؟ واين الدليل على ان التيار الآخر (تيار القوة والعنف والقتل والرصاص والتفجيرات ) قد «تلاشى وتبخر واختفى»؟ واين الدليل على ان وصول التيار السلمي (داخل الاخوان المسلمين) للحكم، لن يتبعه استيلاء التيار الآخر (غير السلمي) على عجلة قيادة المجتمع ورفضه (مثل حركة حماس في غزة) التخلي عن عجلة القيادة، بحجة انهم المنوط بهم تطبيق شرع الله.