رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية من دفتر الوطن!!

حاسب يا باشا! خرجت الكلمة قوية من لسان سينوت حنا مخاطباً مصطفى النحاس باشا زعيم الوفد والأمة..كان النحاس مشغولاً بتحية الجماهير الغفيرة التى احتشدت لتحيته فى المنصورة يوم 9 يوليوعام1930 خلال معركة الوفد الجهادية الطويلة فى مواجهة القصر والاحتلال.. لكن يبدو أن النحاس

كان قريباً جداً من الخطر..سمع النحاس صوت صديق عمره سينوت حنا بصعوبة شديدة ،فقد كانت أصوات الجماهير تطغى على كل شىء..نظر الزعيم إلى مصدر الصوت، فوجد جنوداً من الهجانة تغرس السونكى فى أجساد الوفديين، ورأى جندياً يتقدم نحوه ، مشهراً سلاحه، وشهد السونكى يتجه نحوه بسرعة شديدة، وقبل أن يلمس جسده، ألقى سينوت حنا بنفسه فوق النحاس ليتلقى الطعنة بدلاً منه، ويفسد مؤامرة جديدة لاغتيال زعيم الأمة ومصدر الإزعاج الوحيد للملك والإنجليز، ليغرق وجه النحاس بدم سينوت حنا، الذى صرخ من شدة الطعنة، فقال له النحاس «سلامتك يا حبيبى».. فقال له سينوت «روحى فداك ياباشا»!
لم تكن هذه هى المحاولة الأولى لاغتيال النحاس.. ولم تكن الأخيرة..فقد كان الرجل مستهدفاً من قبل اسماعيل صدقى باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية، فقد ضاق  ذرعا بشعبية النحاس باشا، رئيس حزب الوفد، والجولات التى يقوم بها وسط الجماهير فى مختلف مدن وقرى مصر، مطالباً بإسقاط  الدستور الملكى أو ما يسمى دستور 30 وفى الوقت نفسه، كان يخوض معركة «ضروس» لإعادة دستور 23، وكان النحاس باشا عندما يصل بالقطار الى إحدى المدن، يغلق الجنود المحطة ويتم منعه من الخروج منها أودخول الجماهيراليها ويظل قابعا أمام مقر المحطة إلى أن يضطر للعودة إلى القاهرة، فيبادر الى التسلل إليها بالسيارة ، مثلما فعل فى مدينتى بنى سويف والمنصورة، حيث حاول صدقى باشا بطرق ملتوية إفشال عقد اجتماعات النحاس مع أنصاره... وإجباره على العودة الى القاهرة بدون إلقائه خطبه الحماسية، وأصدر قراراً بحظر التجمهر وأعطى قوات الأمن أوامر بفض التجمعات الجماهيرية بالقوة والقبض على المشاركين فيها وتقديمهم للمحاكمة.  لقد مات سينوت حنا بعد هذا الحادث بثلاث سنوات متأثراً بجراحه التى لم تندمل .. وصف الأطباء حالته علي النحو التالي: «جرح في أعلى الذراع اليمنى عند المفصل بعمق 70 ملليمترًا وباتساع 10 سنتيمترات وكسر في إحدى عظمتي الذراع ويحتاج إلى علاج أربعة أسابيع». وجاء صوته خافتًا «الحمد لله إذ لم يصب الرئيس -النحاس- بشيء». وفي خطابه بالمنصورة تحدث مصطفى النحاس عن إصابة سينوت حنا قائلاً: كان عن يساري وكانت الطعنة مصحوبة إلى ظهري، فدافع عني وتلقى الطعنة بذراعه، حفظه الله. ووصف النحاس.. سينوت حنا قائلاً إنه «أعز عزيز على نفسي من نفسى.                             
ويقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعى: وصرح النحاس لمراسل صحيفتي‮ «‬التايمز‮» ‬و«الديلي‮ ‬تلجراف‮» ‬البريطانيتين بأنه هو الذي‮ ‬كان مقصودا بهذا الاعتداء،‮ ‬ونشرت‮ «‬الأهرام‮» ‬يوم‮ ‬9‮ ‬يوليو عام‮ ‬1930‮ ‬الرواية التالية‮: ‬جاءت

سيارة النحاس ومن معه،‮ ‬فأفسح لها الجنود الطريق،‮ ‬فاجتازت كوردونين،‮ ‬وعند الكوردون الثالث،‮ ‬أوقف جنود مسلحون ببنادقهم وسنجاتهم السيارة،‮ ‬فظن النحاس باشا وزملاؤه أن المقصود انزال الذين أحاطوا بالسيارة من الأهالي،‮ ‬ولكن ما كان أشد دهشتهم عندما رأوا الجنود‮ ‬يصوبون سنجات بنادقهم الي جميع ركاب السيارة،‮ ‬ومنهم النحاس باشا نفسه،‮ ‬فلما رأي سينوت حنا جنديا‮ ‬يصوب السنجة الي ظهر النحاس،‮ ‬اسرع لمنع سهم الجندي،‮ ‬فتلقي السنجة في‮ ‬ذراعه اليمني‮ ‬وأصيب بجرح بالغ‮. واسرع محمد أفندي‮ ‬عنان باحتضان الرئيس،‮ ‬لمنع سنجات الجنود من الوصول اليه،‮ ‬وقد انطبع الدم الذي‮ ‬سال من جرح سينوت حنا علي ملابس النحاس‮.
نزل سينوت‮ «‬بك‮» ‬حنا من السيارة،‮ ‬وأدخله زملاؤه الي منزل الشيخ علي‮ ‬بك عبد الرازق الذي‮ ‬وقعت الحادثة أمامه وتلقي‮ ‬الاسعافات الاولية ثم نقل الي منزل الشناوي‮ ‬بك، حيث أحاط به جميع اعضاء الوفد مستفسرين عن صحته،‮ ‬كان متجلداً،‮ ‬ويبتسم ويقول‮ «‬الحمد لله اذ لم‮ ‬يصب الرئيس بشيء‮».                                                                           ‬
هذه الحكاية لا تعنى أن كل تاريخ سينوت حنا أنه افتدى النحاس باشا بل كان نشاطه موضع اهتمام البوليس‮ السياسى والقصر والإنجليز.. ‬حتي عقب هذا الحادث،‮ ‬فقد ضبط خدمه أحد رجال البوليس الملكي‮ ‬في‮ ‬الطابق العلوي‮ ‬بداره وفي‮ ‬يده حقيبة،‮ ‬واتضح انه دخلها زاعماً‮ ‬أنه مهندس من مصلحة التليفونات جاء لإصلاح تليفون المنزل ثم ارتبك واعترف بأنه من رجال البوليس الذين أصابهم القلق من نشاطه السياسى والنضالى فى مواجهة القصر والاحتلال .‬
اعتلت صحة سينوت حنا،‮بسبب هذا الحادث، ‬وتوفي في‮ ‬بيته برمل الاسكندرية مساء‮ ‬يوم الأحد‮ ‬23‮ ‬يوليو‮ ‬1933‮ ‬وعمره‮ ‬53‮ ‬عاما،‮ ‬وألقي مصطفي النحاس خطابا علي قبره تناول فيه عمق مشاعر الحب لدي سعد زغلول و«صفية‮» ‬أم المصريين لابنها واخيها سينوت حنا،‮ ‬واعلن انه مدين له بحياته،‮ ‬حيث تلقي عنه طعنة أثيمة من‮ ‬يد أثيم‮.                       
[email protected]