رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حلم الدولة الحائرة

في الثالث من مارس عام 1924 قام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة الإسلامية، طاوياً بذلك مرحلة عثمانية–إسلامية استمرت حوالي 600 عام، متوجّها نحو الغرب،

وبدأ ببناء تركيا على أسس قومية فارضّاً العلّمنة بقوة كخيار للمواءمة بين المكوّنات الدينية والمذهبية للمجتمع التركي، ومتبنّياً اللعبة الديمقراطية للحياة السياسية التركية. وكانت العلّمنة والديمقراطية من شروط الغرب ليقبل الأتراك كحلفاء لهم. وخلال الحرب الباردة تبنّت تركيا سياسة تجمع الولاء للغرب من جهة، وتحافظ على الحد الأدنى من الديمقراطية والحد الأعلى من العلمانية، التي وصلت إلى حد معاداة الإسلام. وهذا السياسة كانت إحدى أسباب منع الغرب للإسلام السياسي من الوصول إلى الحكم في أنقرة في أكثر من مناسبة
وعكست حياة مصطفى كمال أتاتورك الغنية بالأحداث تناقضات لا تزال تعاني منها تركيا حتى الآن، وهي التناقضات التي تتجلى في حيرة تركيا بين الشرق والغرب، وبين الحفاظ على التقاليد وضرورة التغيير، كما تتجلى أيضًا في تطلع تركيا لإنجازات تكنولوجيا الغرب، في الوقت نفسه الذي لا يمكنها فيه الانفصال عن ثقافة وتراث الدين الإسلامي
وبغض النظر عما كان يريده أتاتورك، فمن المؤكد أنه كان يحمل مشروعاً واضحاً أراد من خلاله إخراج الأتراك خصوصاً والمسلمين عموماً من تخلفهم، هذه السياسية ربما كانت صائبة أو خاطئة ولكنها بوقتها كانت حركة ثورية وإصلاحية. أما العثمانيون الجدد فكانت منطلقاتهم النظرية غامضة ضبابية تخفي أجندات سرية من وجهة نظر خصومهم القوميين الأتاتوركيين ويستشهدون بذلك بنجم الدين أربكان الذي وصف الاتحاد الأوروبي بخرقة بالية يجب تمزيقها والعودة إلى خيار الدول الإسلامية الذي بشّر به أوزال وأسّس له العثمانيون الجدد
وسرعان ما تراجع النفوذ التركي على مسرح السياسة الدولية بسبب «القطيعة» التي عملت على فصل ماضي تركيا العثماني وعمقها الاستراتيجي عن حاضر الجمهورية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك ومحيطها الإقليمي. هذه القطيعة عمّقت سوء الفهم بين تطبيق العلمانية وممارسة شعائر الإسلام، فهذه السياسة غلّبت الأمن على الحرية، وأحدثت أزمة هوية في أوساط النخب التركية، وخاصة بعد أن تبين فشل العسكر في فرض هوية جديدة بالقوة على المجتمع من أعلى هرم السلطة التي أمسكوا بها «حسب وجهة نظر حزب العدالة والتنمية».
والآن تظهر العثمانية الجديدة، التى تهدف إلى تحقيق ثلاثة متطلبات ضرورية لتتمكن تركيا من التفاعل مع محيطها الأقليمي بتناغم، ولتمضي بقوة في ميادين السياسة الدولية. أولها، تصالح تركيا مع ذاتها الحضارية واعتزازها بماضيها «العثماني» متعدد الثقافات والأعراق. والعمل على توسيع الحريات في الداخل، والسعى لحفظ الأمن في الخارج. ثانيها، استعادة حس العظمة والكبرياء العثماني والثقة بالنفس لتوظيفها في السياسة الخارجية. ثالثها، العمل الدائم على الانفتاح على الغرب، مع إقامة علاقات مع الشرق وخصوصاً البلدان الإسلامية. وباختصار، تعتمد هذه السياسة على القوة الناعمة في السياسة الخارجية.. علمانية صحيحة في الداخل ودبلوماسية نشيطة في الخارج، وخاصة في المجال الحيوي التركى.
لا شك في أن تركيا «الحائرة» بين النزعة الأوروبية والتطلع إلى ثروات العرب الكبرى،

حققت مكاسب اقتصادية في العقد الأخير، سرعان ما فقدتها خلال العامين الأخيرين، وتدخلت أكثر مما يحتمل في الشئون العربية، وفي العراق تحديداً، انطلاقاً من مصالح اقتصادية، على حساب مصالحه العليا ووحدته، فالمصالح الاستراتيجية البعيدة المدى أهم كثيراً من العثرات المؤقتة والمصاعب التي تترك آلاما للعراقيين، بسبب الفوضى التي تركها الأمريكيون بسياساتهم بعد 2003. فتركيا لا تملك حلا لمعضلة بقدر ما تحاول استغلال الظروف الصعبة لمصالح معلومة.
أسئلة لا تزال تطرح نفسها في تركيا، ربما لن تجد لها في المستقبل القريب حلولا نهائية ومحددة، لكن استقرار تركيا على المدى الطويل يعتمد على نحو جوهري على الجهد المطلوب بذله من كل مواطن تركي لإيجاد حلول سليمة لهذه الأسئلة
تزاحمت هذه الافكار فى ذهنى بعد قراءة كتاب (تركيا بلا قناع.. من العلمنة إلى الأسلمة) تأليف نيكول وهيو بوب وترجمه الشاعر أحمد هريدي والذي صدر حديثا عن مركز دراسات الإسلام والغرب, ويقدم صورة بانورامية لشبكة العلاقات التي تحكم حركة الحياة والمجتمع في تركيا، منذ مؤسس الجمهورية التركية، وحتى أحفاده سليمان ديميريل ونجم الدين أربكان ومسعود يلماظ وتانسو شيلر, ويجيب عن عدة أسئلة مهمة منها:
هل يمكن للدولة التركية أن تجمع في نسق واحد بين وجهات النظر الإسلامية التقليدية، وبين مشروع التحديث الذي ينتهج المنهاج الثقافي الغربي؟ أم سيظل العلمانيون والإسلاميون للأبد حبيسي مواقفهما المتباينة؟
وهل يمكن لها أن تنجح في صنع سلامها الخاص بين تقاليدها وثقافتها، وأن تتبنى على نحو رسمي شكلاً براجماتيًا للإسلام؟ وهل في استطاعة هذا الشكل البراجماتي للإسلام أن يصبح نموذجاً للدول الإسلامية الأخرى؟
وتكمن أهمية الكتاب, بعد أن استحوذت تركيا في السنوات الثلاث الأخيرة على جانب كبير من اهتمام المصريين والعرب على السواء وخصوصاً بعد سقوط حكم الإخوان في ظل مساعيها للتدخل في الشأن المصري بشكل بدا فجا للكثيرين، وبات الإلمام بما آلت إليه تركيا في الوقت الحالي من القضايا المهمة حتى يمكن فهم أبعاد سياسات أنقرة