رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نجيب مين ينصف (نجيب)؟

دائما ما كان يتجاهله الإعلام المصري مركزا في احتفالاته بثورة يوليو علي دور تنظيم الضباط الأحرار وإنجازات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وفي أعياد أكتوبر توضع أكاليل الزهور على قبري الرئيسين الراحلين عبدالناصر والسادات، وفي الكتب الدراسية يختفي اسمه إلا من صورة صغيرة مكتوب تحتها «أول رئيس لمصر».

عُرف منذ صغره باعتزازه بنفسه وحبه لوطنه, يقول محمد نجيب: «كنت طالبا في السنة الثانية بالكلية 1914 وجاء المستر سمبسون، مدرس اللغة الإنجليزية، ليملي علينا قطعة إملاء جاء فيها: أن مصر يحكمها البريطانيون، فلم يعجبني ذلك.. وتوقفت عن الكتابة.. ونهضت واقفا.. وقلت له: لا يا سيدي.. مصر تحتلها بريطانيا فقط ولكنها مستقلة داخلياً وتابعة لتركيا.. فثار المدرس الإنجليزي وغضب وأصر علي أن أذهب أمامه إلي مكتبه وأمر بجلدي عشر جلدات علي ظهري واستسلمت للعقوبة المؤلمة دون أن أتحرك أو أفتح فمي».
تعد حرب 1948 بين الجيشين العربي والإسرائيلي بداية معرفته علي المستوي الشعبي، وعلي مستوي الجيش المصري, أصيب في هذه الحرب 7 مرات لم يسجل منها سوي ثلاث إصابات خطيرة، وأخطرها الإصابة الثالثة الأخيرة في معركة التبة حيث أصيب برصاصات أثناء محاولته إنقاذ أحد جنوده الذي كانت قد تعطلت دبابته, وكانت رغبته الأخيرة أن ينتقم من الهزيمة في فلسطين ويجاهد لوحدة وادي النيل».
كان عبدالناصر قد شكل تنظيم الضباط الأحرار, وأراد أن يقود التنظيم أحد الضباط الكبار لكي يحصل التنظيم علي تأييد باقي الضباط, وبالفعل عرض عبدالناصر الأمر علي نجيب فوافق علي الفور، و كان رحمه الله أحد قادة الجيش المرموقين لأسباب ثلاثة: أولها أخلاقياته الرفيعة, وثانيها ثقافته الواسعة فهو حاصل علي ليسانس الحقوق، وخريج كلية أركان الحرب ويجيد أكثر من لغة ويلم باللغة العبرية، وثالثها شجاعته في حرب فلسطين التي ضرب فيها القدوة لغيره وظفر بإعجاب الضباط كافة في ميدان القتال.
و ليلة 23 يوليو حينما خرج الجيش من ثكناته معلنا غضبه عما يحدث في البلاد.. وتصدرت صورة نجيب الصفحة الأولي لجريدة «المصري» وفوقها مانشيت: اللواء نجيب يقوم بحركة تطهيرية في الجيش, وعلي الرغم من خطورة الدور الذي قام به في نجاح الثورة إلا أن البعض حاول أن يقلل من دوره.. وحاولوا أن يصوروا أنه «ركب الموجة» والبعض حاول ادعاء أن الضباط الأحرار استخدموه كمجرد واجهة لإنجاح الثورة, بل وصل الأمر ببعضهم أن يدعي أن نجيب يوم الثورة كان مريضاً في منزله وليس في ذهنه شىء عن أية ثورة.
بمرور عام على قيام الثورة تركزت كل الأضواء علي اللواء نجيب باعتباره الرجل الذي قاد الثورة وطرد الملك وأنقذ مصر من عهد الظلم والطغيان وأصبح أمل البلاد في تخليصها من الاستعمار البريطاني الجاثم علي صدرها منذ 1882... كانت صوره وخطبه تتصدر الصفحات الأولي من الصحف والمجلات المصرية والعربية والأجنبية.. ومع نجاح الثورة حاول بعض الضباط أن ينسبوا لأنفسهم دورا لم يقوموا به.
كان أول خلاف بين نجيب وضباط القيادة حول محكمة الثورة التي تشكلت لمحاكمة زعماء العهد الملكي، والخلاف الثاني بعد صدور نشرة باعتقال بعض الزعماء السياسيين وكان من بينهم مصطفي النحاس، فرفض نجيب اعتقال النحاس باشا, لكنه فوجئ بعد توقيع الكشف بإضافة اسم النحاس, وأصدرت محكمة الثورة قرارات ضاعفت من كراهية الناس للثورة منها مصادرة 322 فداناً من أملاك زينب الوكيل حرم النحاس باشا, كما حكمت علي أربعة من الصحفيين بالمؤبد وبمصادرة صحفهم بتهمة إفساد الحياة السياسية, ويضاف إلي هذه القرارات قرارات أخري صدرت رغم أن نجيب رفض التوقيع عليها منها القرار الجمهوري بسحب الجنسية المصرية من ستة من المصريين من

الإخوان المسلمين, وزاد الصدام بين نجيب وبين مجلس القيادة عندما اكتشف أنهم ينقلون الضباط دون مشورته، ورفض زكريا محيي الدين أن يؤدي اليمين الدستورية أمام نجيب بعد تعيينه وزيراً للداخلية وكذلك رفض جمال سالم.. كل هذه الأمور دفعت نجيب لكي يفكر قويا في تقديم استقالته.
قدم نجيب استقالته في 22 فبراير 1954.. وفي 25 فبراير أصدر مجلس القيادة بيان إقالة نجيب، وحاول البيان الانتقاص من دور نجيب وتشويه صورته أمام الجماهير فقد أكد البيان أن نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس وأن يكون له حق الاعتراض علي قرارات المجلس حتي ولو كانت هذه القرارات قد أخذت بالإجماع.
اتخذ ضباط مجلس القيادة هذا القرار وكلهم ثقة في أنهم قد نجحوا في مخططهم بإزاحة نجيب، ولكن الجماهير خرجت تحتج عليه وانهالت البرقيات علي المجلس ودور الصحف ترفض الاستقالة.. واندلعت المظاهرات التلقائية في القاهرة والأقاليم لمدة ثلاثة أيام تؤيد نجيب وكانت الجماهير تهتف (محمد نجيب أو الثورة) وفي السودان اندلعت مظاهرات جارفة تهتف (لا وحدة بلا نجيب). وعاد نجيب إلي الحكم علي أكتاف الجماهير، ولكن سرعان ما انهزم ثانية في معركة مارس 1954 والواقع أنها لم تكن خسارة له فقط وإنما كانت خسارة لمسيرة الديمقراطية في وادي النيل, أصر نجيب علي الاستقالة لكن عبدالناصر عارضها بشدة خشية أن تندلع مظاهرات مثلما حدث في فبراير 1954، ووافق نجيب علي الاستمرار إنقاذا للبلاد من الحرب الأهلية ومحاولة إتمام الوحدة مع السودان.
وفى يوم 14 نوفمبر 1954 توجه نجيب لمكتبه بقصر عابدين وجاءه عبدالحكيم عامر وقال له في خجل «إن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية» فرد عليهم نجيب في شجاعة «أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسئولا عن ضياع السودان أما إذا كان الأمر إقالة فمرحبا».. وأقسم عامر لنجيب إن إقامته في فيلا زينب الوكيل لن تزيد على بضعة أيام ليعود بعدها إلي بيته, لكنه لم يخرج من الفيلا طوال 30 عاماً.
خرج نجيب من مكتبه حاملاً معه المصحف فقط وعندما وصل إلي فيلا زينب الوكيل بدأ يذوق من ألوان العذاب مما لا يستطيع أن يوصف, فقد سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار البرتقال واليوسفي من الحديقة وصادروا أوراق اللواء نجيب وتحفه ونياشينه ونقوده التي كانت في بيته.
كان هذا فى الماضى، فهل ينصف المستقبل أول رئيس لمصر?

[email protected]