رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

النهضة من رحم العسكر

منذ مئات السنين كانت شوارع بغداد مضاءة بالنور، وكانت مكتباتها تشع علماً، وكان المسلمون يمتلكون أرقى المستشفيات وأبهى الحدائق وأنظف الحمامات وأهم المدارس والجامعات وكان لديهم أمهر الأطباء وأحسن العلماء وأمهر اللغويين والمخترعين.

ولا نبالغ إن قلنا إن العالم الإسلامي كان يصدر للعالم العِلم والتطور والنور، فقد تمكن المسلمون من بناء «الحضارة الإسلامية» بجدارة وباعتراف الأعداء قبل الأصدقاء، وكانت لهذه الحضارة الفضل الكبير في نهوض الحضارة الغربية الحديثة.
لكن هذا المجد ما لبث أن انهار وبات نور الحضارة الإسلامية لا يشرق على الغرب وانطفأت أنوارها وغابت أدوارها، وضعفت عزيمتها ووهن قرارها... لماذا؟ وما السبب؟
يتساءل الشيخ محمد الغزالي في كتابه «سر تأخر العرب والمسلمين» ويجيب أيضا بأن هناك أمراضاً فكرية ونفسية أدت لسقوط الحكم الرشيد.
ويرى أن البداية من تصدع نظام الخلافة، فالأمة الإسلامية قد تدفع ثمن أخطائها الكثيرة قبل أن يكون العدو سبباً في النيل منها: «كان نظام الخلافة يترنح ترنح السكران الفاقد للوعي، وكانت الأدواء الفاتكة تسرح في جسد الأمة كلها وتهد قواها هذا».
ويتحدث الغزالي على ضوء القرآن عن بعض السنن الإلهية في هلاك الأمم وبقائها وأن معرفة هذه السنن أهم من دراسة العلوم الفقهية وعلم الكلام.
فجزاء الحكم الفردي والاستبداد السياسي، والاغترار بالمال، أوجزه الله في سورة القصص «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساد والعاقبة للمتقين».
وفى الصالون الأخير للدكتور حامد طاهر كشف الدكتور عبد المنعم تليمة عن عدة مفاجآت, فى تجربة نهضة اليابان - التى قضى بها عشر سنوات من حياته - منها أنها أرسلت الوفود إلى مصر لتعرف منها سر النهضة والانكسار، كما أنها احترمت حرية اعتناق الأديان, رغم أن من ضمن ديانتهم المتعددة عبادة الكاتب اللبنانى «جبران خليل جبران»، وأشار إلى أن بداية عصر النهضة فى اليابان بدأ فى عام 1868م أو ما يعرف بحكومة ميجى، وقد نظرت اليابان إلى مصر آنذاك على أنها نموذج يحتذى به ولابد من دراسته، وبالفعل أرسلت البعثات إلى مصر وبعض الدول الأوروبية لدراسة سبل تكوين دولة حديثة فى اليابان تحت شعار دولة قوية وشعب غنى.
ودعا د. تليمة المؤسسات الحكومية إلى التخلى عن سياسة الاحتكار الثقافى، مضيفا أن مصر تقع فى قلب العالم كدولة أفريقية عربية وإسلامية، وفقاً لما يؤكده التاريخ، وقد أثبت التاريخ أن مصر تكاد

تكون هى الدولة الوحيدة فى العالم التى لم تعرف انقساماً ولا طائفية ولا أية حركة انفصالية، ولم تشهد أى حرب أهلية، لكن مقوماتها الثقافية معطلة حاليا، حيث يعانى المجتمع المصرى من معوقات عديدة.
واليابان من وجهة نظر تليمة من الدول التى جمعت بين الوحدة واحترام التعددية، وهو ما ينقصنا هنا فى مصر، فى حين رأى تليمة أن أسباب تعثر النهضة فى مصر التى كانت تشهد حالات من الصعود والهبوط هو «الشمولية قاتلة الحداثة»، وهو أن يظن طرف انه يملك الحقيقة كاملة، وأن آراءه فقط هى الصحيحة، وأنه وحده من يملك الحق.
وبينما تنهى القنابل الدول وتحولها إلى خرائب يعمها الدمار، كانت القنابل التى ضربت «هيروشيما» و«ناجازاكى»، نهاية حرب وبداية نهضة، فتخلصت اليابان من الشمولية والعسكر، واتجهت إلى الاشتراكية والحزب الوطنى الديمقراطى، فعملت على تصحيح السلبيات التاريخية والعثرات، وفى الخمسينات وصلت فى التنمية إلى مستوى مصر، والآن تعدتها بمراحل هائلة.
وتحدث صاحب الصالون عن الأسباب الحقيقية وراء نهضة اليابان، والتى منها الوقوف على ما انتهى إليه الآخرون والتعلم من أخطائهم، والاهتمام بمنظومة التعليم وإتقان العمل والإخلاص فيه، والعمل بروح الجماعة وروح الفريق، واحترام الوقت وتقديسه، والعدالة الاجتماعية، واحترام النظام والقانون. ونبذ الروتين، والانطلاق مع العقول الجيدة التى تستطيع أن تصل لأفكار جديدة، والعمل بوصايا الرسول بإتقان العمل، وأن قيمة كل امرئ ما يحسن.
النهضة فى أى دولة تحتاج إلى إرادة وعزيمة وعمل, بصرف النظر عن أى ظروف أخرى.. فهل نفهم الدرس قبل فوات الأوان, أم اننا أدمنا البكاء على اللبن المسكوب.