رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مشروع الموازنة ... وأسئلة مشروعة

لاشك أنه ثمة خطب ما بالاقتصاد المصري متأثرا بأحداث الثورة، كما أنه لاشك في وجود "خطب ما" - أيضا - في الخطاب الرسمي في هذا الخصوص.

إن  " خطاب الأزمة" بشأن ما يمر به الاقتصاد المصري غير مقبول من وجهين، الأول أنه يثير انطباعات سيئة لدى المستثمر الأجنبي الذي ُيعول عليه في تسريع الخروج من المأزق الحالي.
والثاني أنه يثير مخاوفاً لدى رجل الشارع المصري بشكل يعمق من واقع الأزمة؛ حيث يبعث لدى البعض إحساساً بضرورة توفير مخزون سلعي " تحوطاً" ، كما يسهم - بالإضافة إلى الإشكال السياسي – في تكريس منطق ضرورة السعي لتحقيق المطالب "الفئوية" على أساس أنه إن لم يكن الآن فلن يكون، خاصة باعتبار أن بعض الأمور مرشحة لما هو أسوأ.
يضاف إلى ذلك أن الخطاب الرسمي فيما يخص الاقتصاد يثير أسئلة حول آليات عمل الإدارة الاقتصادية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإعلان عن " استمرار" تراجع في الاحتياطي النقدي بعد أحداث الثورة، و" الهرولة " نحو الاقتراض من المؤسسات الدولية، وتبنى حملات لدعم البورصة. أما مشروع الموازنة الأخيرة فيطرح سؤالا هاما حول منهج الإدارة الاقتصادية "إن ُوجد".
أما فيما يخص الاحتياطي النقدي ، فحسب توصيفه فهو احتياطي لا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى ، وهي الحالات الكارثية إن صح التعبير، فهل بلغت الأوضاع هذا المستوى ، ولماذا يخسر الاحتياطي قرابة 9 مليارات جنيه في فترة ما بعد الثورة دون سبب موضوعي؟!
ربما يقول قائل أن هذه المليارات تم استخدامها بالفعل، لكن في الحقيقة يتعارض ذلك مع ما أعلنته الحكومة ، حيث ذكرت في غير موضع أن المخزون السلعي يكفي لشهور ، وهو ما يعني عدم إنفاق الأموال على مشتريات سلعية. كما يلاحظ أن الأحداث بدأت في النصف الثاني من العام، وهو ما يعني وجود مخصصات مالية في حسابات كافة المؤسسات الحكومية لزوم الأجور وخلافه، ويتأكد هذا المعنى أكثر إذا كانت عملية توفير الربط المالي بشكل ربع سنوي.

وعلى صعيد التمويل، سارعت الحكومة للتباحث بشان قروض من مؤسسات دولية، وهو أمر مستغرب، خاصة إذا علمنا أن خدمة الدين في الموازنة المقترحة تزيد عن مائة مليار جنيه.
ثم بالنظر لحجم القروض فهي لن تغطي سوى نسبة بسيطة من العجز المتوقع والمقدر بأكثر من 10% من الموازنة المقدره بما يزيد عن 550 مليار جنيها، بينما تضيف عبئا جديدا على مشروعات الموازنة في السنوات القادمة.
وفي سياق دعم الاقتصاد، خاصة مع سخونة الأحداث السياسية وفترات احتدام التوتر التي ترتب عليها إغلاق البورصة، تبنت الدولة حملات لدعم البورصة بدعوى دعم الاقتصاد، رغم أن العلاقة بين البورصة والاقتصاد ليست في صالح الأخير، كما أن المرحلة الحالية لا تحتمل رفاهية التعامل مع البورصة على أنها ضرورة اقتصادية.
إن المردود الاقتصادي لنشاط البورصة على الاقتصاد ليس كما يسوق له الكثيرون ، ففي الحقيقة يدور في جنبات البورصة تياران متضادان، مما يجعلنا نقول بأن إثمهما أكب من نفعهما.
ففي عمليات الاكتتاب الأولى يتم شراء أسهم مطروحة لأول مرة، وهو أمر جيد، يفيد في عمليات تأسيس الشركات أو زيادة قاعدة الملكية لتوفير تمويل لتوسعات إنتاجية، غير أنه في السوق الثانوية يتم تداول هذه الأسهم بين المستثمرين – المضاربين- بغرض تحقيق أرباح ، حيث يتم "تسليع" الأوراق المالية من أسهم وسندات ، رغم كونها ليست كذلك، إذ تعد في ذاتها مخزنا للقيمة أي صورة من صور النقود، ومن ثم فإن الربح المتحدث عنه هنا يشوبه أمران الأول، أنه خسارة لشخص ما ، والثاني أنه في مصلحة طرف ما ليس بالتأكيد لا الشركة صاحبة السهم ولا الاقتصاد.!
أما فيما يخص مشروع الموازنة، فعليه ملاحظات ، أبرزها عدم وجود تطلع للغد، وعدم وجود مخطط تنموي واضح، فهو امتداد للماضي بكل ما فيه ، حتى بالنسبة للبنود أو الأبواب التي ربما يمكن التخلي عنها خلال العام المالي الجديد، خاصة مع دعاوي القيود المالية التي في حد ذاتها بحاجة لتمحيص.
لقد رسمت الحكومة خطة إنفاق بقيمة تزيد عن 500 مليار جنيها ، رغم أن العائدات المتوقعة لا تتجاوز 350 مليار جنيها، مع العلم بأن خدمة الدين في هذا المشروع تزيد عن 100 مليار، وهو رقم يقل قليلا عن مخصصات الأجور. ماذا يعني ذلك ، ربما يعني أن النظام السابق كبلنا بقيود من القروض – بسبب عدم الكفاءة في إدارة الاقتصاد- تحرمنا اليوم من أن نتملك خيار مضاعفة مخصصات الأجور، أو زيادة مستوى التشغيل العام.
وحيث لا يتسع المقام للتعليق على كافة بنود مشروع الموازنة، يمكن الاكتفاء هنا بالتعليق على باب الأجور.
ففي خطوة جرئيه للتهدئة،اتخذت الحكومة إجراءات في اتجاه إصلاح هيكل الأجور، بدءا من تحديد الحد الأدنى عند 700 جنيها إلى 1200 في نهاية خطة خمسية.
وفي الحقيقة فثمة سؤال عن خلفية هذه الأرقام أي على أي أساس تم حسابها، خاصة أن مستوى الأسعار الحالي لا يعني أن هذا الرقم هو "الدخل الأمثل" أي الذي يفي باحتياجات الأسرة.
كما يثور سؤال مفاده، هل الأولى زيادة الرواتب للعاملين بجهاز الحكومة، أم استغلال هذه التمويل في تعيين موظفين جدد؟ وماذا عن العاطلين عن العمل؟ بمعنى هل نعطى من معه القليل، أم نعطى المعدم؟ سؤال شائك، ويحتاج إلى أكبر من مجرد قرار سياسي، يحتاج دراسة اقتصادية كاملة.
مبدئيا، المطلوب هنا أمران، الأول ، الوصول لمستوى الكفاية للشرائح الفقيرة، وضمان مغادرة كافة فئات المجتمع لمستوى الكفاف، وذلك في إطار اقتصادي سليم، أي بدون آثار جانبية سلبية، ويقصد بها التضخم، والثاني، دعم مخطط التنمية بالاستفادة من زيادة القوة الشرائية للاستهلاك في دفع عمليات الإنتاج، وفي إطار المتاح ماليا في الأجل القصير.
مستوى الكفاية هذا يحتاج إلى دراسة أمينة ووافية عن احتياجات الفرد بمستوى الأسعار الحالي والمتوسط المتوقع للأسعار خلال خمس سنوات. مع الأخذ في الاعتبار أية خطط للدولة لتثبيت أسعار خدمات معينة مثل الصحة والتعليم، أو سلع معينة مثل السلع التموينية الأساسية، ومن ثم يمكن تحديد الحد الأدنى للدخل المطلوب للوفاء بهذه الاحتياجات.
كما أن مستوى الكفاية هذه ليست مطلوبا فقط في المرحلة الراهنة في الأجل القصير، بل هو مطلوب أيضا ليكون مؤشرا في

رسم مخطط التنمية للسنوات القادمة، إن استهداف معدل نمو رقمي أو حتى حقيقي أمر غير مقبول منطقيا، إذ ما فائدة النمو إن لم يشعر به رجل الشارع والمواطن العادي.
ثم إذا صار اتفاق على رقم معين كحد أدنى لدخل " الكفاية" ، ننتقل للجزء المتعلق بتوزيع الدخل ، فهل نستهلك السقف المالي المتاح في توفير الحد الأدنى الكامل لمن يعمل، أم من الممكن توسيع مظلة فرص العمل بالقطاع الحكومي، وماذا عن من لا يعمل، فهل يظل  تحت خط الحاجة والعوز، كأننا نعاقبه لعدم حيازة لفرص وظيفية. وماذا عن من يعملون ويزيد دخلهم فعليا عن الحد الأدنى للدخل المشار إليه، هل يستفيدون من التعديلات؟ هل الفكرة توزيع أم تحقيق عدالة في التوزيع؟
إن عجلة الاقتصاد تدور لتعود بالخير على جموع المواطنين وبأقصى درجة من درجات العدالة والكفاءة، ولذا فلا مجال للحلول المجتزئة أو الخطط الاستجابية، إن الوطن في حاجة لخطة اقتصادية عامة وشاملة ليست لعام واحد فقط بل لعقود، وعلى قدر الغايات النهائية في هذه الخطة العامة، سنحدد أين نبدأ في الخطط الأولية الخمسية في الأجلين القصير والمتوسط.
وفي النهاية ربما يفيد النظر في دراسة ما يلي..
1- تعديل قانون التقاعد ليكون من سن 55 سنة للرجال ، و50 سنة فقط للنساء، وهنا سنكون أمام وفرة في عرض الوظائف الحكومية ونقصد اتساع مساحة المعروض من هذه الوظائف.
2- تطبيق قانون الأجور الجديد على التعيينات الجديدة فقط في الدرجات الشاغرة، مع إعطاء بدل نقدي لمن يقل أجرهم عن مستوى الدخل الأمثل المشار إليه ممن يعملون بالفعل تحت أي مسمى وليكن "بدل غلاء معيشة"، وبهذا تقل رقعة توزيع السقف المالي باستبعاد أصحاب الدخول العليا.
3- بالنسبة لمن لا يعمل، ُيصرف له بدل بطالة يعادل نصف الدخل الأمثل، يحرم منه عند شغله لوظيفة، حسب المقولة الشهيرة" لن يموت الناس على أنصاف بطونهم".
4- بالنسبة للسقف المالي، يمكن العمل على زيادته من خلال دراسة تحويل بعض المخصصات في الموازنة لباب الأجور – وهو أمر يحتاج لتكييف قانوني - مثل..
(10 ) مليار جنيها مخصصة للمشروع القومي للإسكان، نظرا لأن الإسكان يأتي في مرحلة تالية للأجور، كما أنه من المفترض الانتظار لحين التوصل لرؤية كاملة بشأن مخطط التطوير العمراني الذي يجب أن يكون أكبر من مجرد بناء وحدات سكينة، بل يتم في إطار عملية تنموية مخططة ربما تتضمن إعادة الانتشار الجغرافي للأفراد وللأنشطة الاقتصادية.
(1.5) مليار جنيها لدعم مشروع إسكان محدودي الدخل، كما في المبرر السابق.
(2) مليار جنيها مخصصات تدريب لخلق فرص عمل ، وذلك من وجهين،الأول يتعلق بفكرة تعديل الأجور وزيادة مخصصات إعانة البطالة، والثاني رسم خطة كاملة لعملية التوظيف داخل مخطط التنمية.
  (13.5) مليار جنيها للهيئات الاقتصادية لفض التشابكات؟!، وهو مبلغ ضخم في غير محله بالنظر إلى وجود موازنات خاصة بهذه الهيئات، إذ أنه حسب قانون الموازنة العامة للدولة رقم ( 53 ) لسنة 1973 وتعديلاته ولائحته التنفيذية فإن الموازنة العامة للدولة تشمل جميع الاستخدامات والموارد لأوجه نشاط الدولة التى يقوم بها الجهاز الادارى ووحدات الحكم المحلى والهيئات العامة وصناديق التمويل ولا تشمل الموازنة العامة للدولة موازنات الهيئات العامة الاقتصادية وصناديق التمويل ذات الطابع الاقتصادي التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء ويعد بشأنها موازنات مستقلة تقدم من وزير المالية إلى مجلس الوزراء لإحالتها إلى مجلس الشعب لاعتمادها وتقتصر العلاقة بين هذه الموازنات المستقلة والموازنة العامة للدولة على الفائض الذي ) " يؤول للدولة وما يتقرر لهذه الموازنات من قروض ومساهمات ( مادة رقم " 3
   (2.5) مليار دعم صادرات، ونظراً لأن نشاط التصدير نشاط مؤسسي وليس فردي، فيمكن لهذه المؤسسات التعايش مع عدم وجود الدعم على الأقل خلال الفترة الحالية الحرجة.
(15.9) مليار جنيها للشباب والثقافة والشئون الدينية، وحسب ما هو واضح فالمقصود تمويل دورات كروية للشباب وندوات ثقافية ودينية، وهي أمور ممكن التأخر عنها ولو لعام فقط لحسين تحسن الأمور.

في النهاية، حل الإشكال الاقتصادي ليس فقط ممكنا، بل وقليل الكلفة، ولكن يبقى الأمر مرتهن في جهة صناعة واتخاذ القرار.
[email protected]