عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإخوان في الميزان ... (2)

بداية ً، ينبغي التشديد على أن تقييم أداء الإخوان في العمل السياسي في مرحلة ما بعد يناير من خلال شخص من خارج الجماعة ينبغي عدم النظر إليه على أنه عملية نقد أو استعداء، بقدر ما هو كشف عن "الهوة " بين التوقعات من وجهة نظر شريحة غير مؤدلجة في العقل الجمعي المصري ، وبين الأداء الفعلي للجماعة. إنه حوار مع الذات – المجتمعية -  وليس سجال بين ذوات مختلفة.

َوجَل المشاركة
لا شك أن الإخوان – والسلف- تأخروا قليلا في النزول للميدان، والمشاركة في " الحركة الاحتجاجية" التي تمخضت عن ثورة يناير؛ أملا في استجلاء الأمر من ناحية ، وخوفا من الاستدراج – نظرية المؤامرة – من ناحية ثانية، وهو ما دفع بعض منسوبي الجماعة للقول بأن الاحتفال بالمناسبة الوطنية- عيد الشرطة- أكثر أولوية من المشاركة التظاهرات التي دعت إليها فعاليات. وإن سارعت الجماعة – تمشيا مع الحدث – بعرض ما أسمته بمطالب شعبية عامة في مواجهة النظام دون أن تشير إلى ما يجبر الأخير على الرضوخ لهذه المطالب!
الشاهد هنا هو أن الجماعة لم تع اللحظة ،ولم تستشرف تداعيها، ومن ثم لم تعرف كيف تستغلها لمصلحة الوطن ، خاصة مع إدراكها أن كل السيناريوهات تصب في مصلحتها كجماعة – وكأن لسان حالها في مواجهة الثورة: أينما تمطري يأتيني خراجك – ومن ثم لم تراوح مكانها كجماعة معارضة كل ما تهدف إليه هو الإشارة من قريب أو بعيد لمعاناة الشارع ومطالبه، وهو أمر لم يغفل النظام عنه لحظة ما ، بل كان يخطط له بشكل منهجي.
وهنا سؤال: ولكن في النهاية الجماعة شاركت، ولا تزال ، أليس صحيح؟
بلى، ولكن: لماذا؟ وكيف؟ وماذا كانت النتيجة؟
لماذا شاركت الجماعة؟
لأنها لم يكن أمامها خيار آخر بعد أن :
o تأكُد اندلاع ثورة شعبية حمي بالفعل وطيسها.
o تأكُد مخالفة شباب الجماعة لتعليمات الترقب، وانخراطهم في العمل الوطني.


والأمر كذلك ، فلم يكن بد من المشاركة في ظل توفر عدد من الشروط والأسباب. أما السبب الرئيسي فهو خشية الجماعة على نفسها من التحلل، بعد أن ُوضعت " قيمة التنظيم "أمام محك، في مواجهة "قيمة المواطنة" ، وهنا تبين أنه في الظرف الراهن – آنذاك- من الصعب  إقناع الشباب – شباب الإخوان، بأن قيمة التنظيم تخدم قيمة الوطن، خاصة في ظل ما توفره الثورة للشباب من لحظة تاريخية لإدراك الذات بمضامينها المتعددة ومنها القدرة على الفعل من خلال الذات وليس من خلال وسيط كما هو الحال داخل الإطار التنظيمي للجماعة.
أما الشروط فهي فهو وجود ظهير في الحراك  َمثَله نشاط القوى السياسية المبادرة، وضمان ضد الاستدراج والاستفراد وهو ما مَثله حراك الجموع الشعبية غير المؤدلجة.
كيف شاركت ؟
مرة أخرى، شاركت الجماعة ولا تزال ، ولها أياد لا تنكر، ولكن الحديث هنا عن " المشاركة "المُثلى " وليس مجرد المشاركة، وعن تنفيذ ما هو " صائب" ، وليس تنفيذ الأمور بشكل " صائب" والفارق كبير. إن " باعث"  التأخر في المشاركة الثورية هو نفسه "محدد تحرك" عمل الجماعة في إدارة العمل السياسي، وهو نفسه ما يؤخذ عليها،العيب القيمي في المنهج، أو أولوية "الالتئام التنظيمي" ، ولو على حساب "أمثلية" القرار السياسي، أو قيمة "الالتحام الوطني".
نعم إن الجماعة تعاني من إشكال قيمي، فهي تخشى على نفسها كجماعة أكثر مما تخشى على الوطن كوطن، ومنطق ذلك أنها ترعى " الفكرة الوطنية" ولكن من خلال " حفظ الذات " التنظيمية باعتبارها الخلاص الأخير للوطن من جلاديه، وإن  لم تدرك أو تحاول أن تدرك آليات تحقق هذا الخلاص ، ودورها في مشهد الخلاص.
إن هذا المنطق لا يختلف كثيرا عن فكر التيارات الإسلامية الأخرى التي طالما ارتأت أن حفاظها على ذواتها وكياناتها هو نوع من الجهاد باعتباره حفظ للذات المسلمة، في تجاهل فج لحقيقة أن الذات المسلمة كل أكبر من مجموع أجزائه، بل أن هذا الكل يتعايش مع انسلاخ كثير من أجزائه عنه. وقد ظهر ذلك جليا في مسارعة التيار الديني للحديث عن " إسلامية" الدولة المصرية، فهو كما سبق أن قلنا مستعد للموت من أجل " هوية" دولة لم يقدم الكثير للحفاظ على "كيانها".
والمفارقة هنا ، أن هذا المنطق هو نفسه منطق النظام البائد الذي يرى أن مصر المعاصر هي " مصر مبارك" ، وأن المخلوع هو أكثر الخلق معرفة بالحق وإتباعا له، وأن على مصر أن " تحمد ربها " أن أنجبت مثل هذا المخلوق!
ما يتضح هنا دون حتى اللفظ به، هو وجود أزمة حقيقية في العقل الجمعي، يبرز أحد أهم مظاهرها في " تضخيم الذات" سواء كانت هذه الذات فردا أو مؤسسة، ويعتبر هذا العيب أول أسباب فشل الثورة بعد انحسار الفعل الثوري، وأول أسباب إنجاحها إن كانت ثمة جهود للتصحيح.
وماذا كانت النتيجة؟
إن المأخذ على الأداء السياسي للجماعة هنا له  جانبان، الأول يتعلق بما كان ينبغي أن يكون، أي "السيناريو الأمثل " وهو ما لم يحدث، والثاني يتعلق بـ "كُلفة الواقع" أو  مما هو كائن فعلا. ولنبدأ بالأخيرة.
إن الواقع الحالي لا يشير إطلاقا إلى ثورة " ناجحة" بقدر ما يشير

إلى "حالة" ثورة ، رغم مرور ما يزيد عن العام على انطلاق الفعل الثوري. والسبب في أن الثورة لم تراوح مكانها مرده إلى أمور منها:
الاختلاف مقابل الائتلاف: فمفردات الطيف السياسي نزعت جميعها للتمايز حتى فقدت زخمها ودفقها.
التعدد بمعنى التضاد : فرغم أن الاختلاف قد يكون بمعنى التعدد وبمعنى التضاد إلا أن العقل الجمعي جنح إلى المعني الأخير ، متأثرا بحالة الفرقة وليدة الاختلاف، إلى جانب عوامل أخرى منها الطرف الثالث، أو "اللهو الخفي".
القيادة : ميزة الغياب، وكلفة الحضور: واقع حال الثورة أنها بلا قائد، هذا وإن ضمن خروجها من عنق الزجاجة ، دون تقديم تنازلات ، إلا أنه لم يمنع من انسياحها في الأرض، وتكبد المجتمع كلفة البحث عن قائد للمسير.
عطفا على ما سبق، نرجع إلى الجانب الأول من الأداء، أو ما كان مفترض أن يكون أو السيناريو الأمثل، وهو عبء كان على الإخوان تحمل إنفاذه، أو لنقل ما لم يفعله الإخوان:
1) دعم الائتلاف الوطني، بدءا من عدم النزوع للتمايز، مع إدراك أن الائتلاف الوطني اكبر من معنى الائتلاف السياسي.
2) تكريس فكرة الوطن في مواجهة فكرة الدولة.
3) القيادة ليس من باب تصدر المشهد ، ولكن من منظور " خادم القوم سيدهم"، وربما يندرج تحت ذلك :
o آنيا: طرح حلول حقيقية للمشكلات الراهن مثل مشكلات الأمن والوضع الاقتصادي.
o للأجل القصير:
o استيعاب القوى الشبابية من خارج الدائرة الاخوانية، ومساعدتها على الاصطفاف وراء أفكارها وتقديم الدعم الإداري بل واللوجستي لها لتأسيس الأحزاب السياسية.
o توظيف الآلة الإعلامية التابعة للجماعة لمساعدة المجتمع في عملية الفرز السياسي، من داخل وخارج نطاق الجماعة.
o للأجل الأبعد: طرح مشروع نهضوي وطني واضح الملامح، واسع الأفق، قابل للتطبيق. مع محاولة سحب اهتمام العقل الجمعي العام وخاصة النخبوي للشق لنظره ودراسته، ودفع اهتمام العقل الجمعي العام لتدعمه وتأييده.
ماذا لو؟ لو حدث أي من ذلك، لما شهدنا..
- حالة الانفلات الأمني الفجة وغير المبررة، مع بساطة الحلول الممكنة ، ولكن للأسف ليست مطروحة.
- الكوارث الإنسانية من ماسبيرو إلى بورسعيد.
- توالي الأزمات الاقتصادية حياتية الطابع والتي تمس الطبقات التي تضررت من النظام البائد من ناحية، ومن عدم نجاح الثورة في تحقيق مطالبها بعد.
- حالة التشظي السياسي، وأزمة الثقة بين الشركاء.
- فقر الحياة الحزبية رغم كثرة عدد الأحزاب، بسبب عدم توظيف الإعلام الرسمي – في مواجهة الإعلام الرأسمالي – في عملية الفرز المجتمعي.
- ضآلة عائد الحرية فيما يخص نتائج الانتخابات البرلمانية، حيث لا يعد التشكيل البرلماني الراهن هو الوضع الأمثل، رغم ظاهر التنوع الذي يحظى به، إذ لا يعد النوع قصدا ديمقراطيا، بل الأهم "جودة النوع".
- الاتجاه لتنفيذ انتخابات رئاسية بذات طريقة إجراء الانتخابات البرلمانية، أي بغياب دور قوي وشفاف للإعلام الوطني ، إلى جانب إدارة تنظيمية احترافية للعملية الانتخابية، مما يعني في النهاية أن الخيارات المطروحة على المجتمع للمفاضلة فيما بينها ستكون محددة سلفا، ولن تتح الفرصة للوجوه غير المدعومة ماليا ً لعرض رؤى وأفكار قد يكون المجتمع في أمس الحاجة إليها، ومن ثم يكون المجتمع قد خسر كوامن "Potential" لدى بعض أفراده، وتكون الديمقراطية المنشودة قد خسرت أهم معانيها، وهي تعدد خيارات الناخب للحد الأقصى الممكن.
لا يبدو أن للحديث حد ينتهي عنده، ولكن يجب أن ينتهي. وفي الختام ربما نجحت الجماعة من منظور Doing things right ولكن بلا شك فشلت من منظور Doing right things والفارق كبير.!