رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر بين جدل ثورة الشعب والانقلاب العسكري

يكون واهما من يدعي أنه يعلم إلى أين تسير مصر؟ فالمشهد يزداد غموضا يوما تلو آخر، بل مؤشرات الخطرعلى الثورة الشعبية المجيدة تكاد تتحول من تقديرات ورؤى إلى حقائق ملموسة، على نحو يثير الخوف من مصير يضرب كل التوقعات التي تصاعدت بعد خلع الديكتاتور العجوز

 والآمال التي جرى الرهان عليها في إمكانية هدم دولة الفساد والاستبداد التي تكرس للتخلف والتبعية، والسعي سريعا لبناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية ترعى الحريات والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وتُشيد على أساس من القانون والمواطنة.
فما نراه الآن ليس سوى استماتة في الإبقاء على بنية النظام الذي توهمنا أنه سقط أو على وشك، وإعادة توزيع أعوانه في كل المواقع القيادية، بذات السياسات الفاشلة مثلما رأينا في حركة المحافظين الأخيرة وقبلها في التعديل الوزاري، بل تحويل الثورة التي توهمنا كذلك أنها انتصرت، وفي طريقها لتحقيق أهدافها بقوة الدفع الذاتي وبدون عثرات، إلى مجرد قضية جدلية تنتهي لاحقا إلى لا شيء، هي وما يتعلق بها من قضايا، سواء ما يخص محاكمات رموز الفساد، وعلى رأسهم الرئيس المخلوع مبارك، أو أسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية التي يتقدمها صياغة دستور جديد يحدد بنية النظام الجديد وتوجهاته داخليا وخارجيا، وطبيعة كل سلطة وصلاحياتها ويجفف منابع صناعة الديكتاتور.
ليس هذا فحسب بل ما نراه  من توظيف الإعلام الحكومي والخاص في هذه المعركة الخبيثة أو فلنقل لعبة الخداع الاستراتيجي، والقيام بنفس الأدوار القذرة التي كان يلعبها جهاز أمن الدولة، من تغييب وعي الجماهير وإلهائهم عن القضية المحورية بقضايا هامشية أو تعبئتهم باتجاه المسارات المضادة للثورة.
ناهيك عن حملات تشويه المعارضين لمواقف السلطة الانتقالية، المطالبين باستكمال الثورة وإعادتها إلى مسارها الصحيح، ومحاولة إضعاف هذه الجبهة لصالح تقوية جبهة أنصار مبارك ورفع أصواتهم التي كانت متوارية وإعطائهم مساحة تزداد يوما بعد يوم في الساحة الإعلامية وفي اللجان الرسمية، بل في الشارع، وحتى أمام قاعات المحاكم ليتولوا رفع صوره والمطالبة بإعفاء رمز شرورهم من المحاكمة، مع الاعتداء على ضحايا هذا الديكتاتور الملطخة أياديه بدماء شعبه والملطخ تاريخه بالعار والخزي، بينما رجال الأمن المدنيين والعسكريين يتفرجون.
الأدهى من ذلك أن حملة تكميم الأفواه تتصاعد، سواء بإجبار بعض الإعلاميين على ترك برامجهم الجماهيرية وتسريحهم من العمل، مثلما حدث مؤخرا مع مقدمة البرامج بقناة "دريم" دينا عبد الرحمن أو بتوالي التحقيقات أمام النيابة العسكرية لعدد من النشطاء آخرهن أسماء محفوظ و مها أبو بكر، كعودة لرسائل التخويف والتحذير للمعارضين، فيما يتم تدليل من ارتكبوا جرائم بحق الشعب والوطن أقل وصف لها هو الخيانة العظمى، بمحاكمات مدنية أقرب إلى مسرحيات العبث منها إلى عدالة ناجزة ذات مصداقية، ويتم الرهان على عنصر الوقت وإطالة أمده حتى تهدأ المشاعر الملتهبة، وينشغل الناس أو يتم شغلهم بأمور أخرى، حتى يجري ترتيب الأوضاع لساكني الزنازين المكيفة، رفاق الطريق والمصالح وفق

وضعية "الخروج الآمن"و "الخروج المشرف" على غرار ما تتحدث عنه المبادرة الخليجية مع نظام ديكتاتور اليمن، وربما يتم استحداث وضع جديد كـ "خروج هادئ" أو "هروب آمن".
والسؤال الذي بات يطرح نفسه بمرارة الآن هل انتصرت الثورة أم أنها سُرقت من يد الشعب الذي استغل فقر وجهل غالبيته ليحولها لمجرد أغنية وعبارة مستهلكة لا صدى لها على الأرض، ثم شكوى مضجة من آثارها الأمنية والاقتصادية المضخمة والمفتعلة، بينما واقع الحال يقول إنه تم تفريغ الثورة من مضمونها كحركة تستهدف الهدم من أجل البناء، وتغيير شامل وجذري على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لتتحول حركة الجماهير الثورية الديمقراطية إلى مجرد تسليم سلمي وهادئ للسلطة، كما كان يريد الأمريكان وحلفاؤها الإسرائيليون والسعوديون، إلى قوى منظمة تستكمل نفس المسار، وتحافظ على ذات المصالح المتشابكة داخليا وخارجيا، حتى لو كان الثمن إجهاض حلم المصريين المؤجل بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، والعودة لوضعية "محلك سر".
للأسف من ينظر إلى ميدان التحرير رمز الثورة الشعبية الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى ثكنة عسكرية يتم تحريم التظاهر والاعتصام به وفضهما بالقوة المفرطة إذا ما تجرأ الثوار على الاقتراب من جنباته، ونزول رئيس المجلس الأعلى العسكري أول رمضان ليصافح الجنود ويتجاهل الحديث مع الجماهير تصله رسالة واضحة لا تحتاج إلى تفسير.
وما ترك الساحة مفتوحة للقوى الدينية خاصة السلفيين ليرفعوا أصوات التهديد والوعيد للفصائل الليبرالية واليسارية وافتعال معركة حول الدستور إلا ورقة لعب من ذات الأوراق القديمة ليضعوا المجتمع المصري أمام خيارين كلاهما مر إما العسكر أو الفاشية الدينية.
فهل قامت الثورة لتصل لدولة مدنية ديمقراطية لا دينية ولا عسكرية أم أننا ضللنا الطريق أو كنا نعيش حلما سرعان ما سوف نستيقظ منه على كابوس مرعب يخبرنا أننا إزاء انقلاب عسكري كنا ندعمه بأيدينا ويحركنا لا إراديا لنحقق مصالح قيادته لا ليحقق مطالب الشعب؟
المصدر: صحيفة فلسطين