رميح: لهذا كان الفرق شاسعاً بين يناير77 ويناير2011
أكد الكاتب الصحفى طلعت رميح أن مصر شهدت أحداثا جساما خلال انتفاضة يناير77 وثورة يناير2011, اختلفت الأولي فيها عن الثانية, التي لاتزال تتفاعل نتائجها, ولكل منها دروس وعبر بعضها ما يكتب وبعضها يظل حبيس مخازن التاريخ التي تظل عامرة ابد الدهر, لكن مصر في كل الأحوال ظلت هي مصر, بعد يناير هذا ويناير ذاك.
وأوضح رميح - فى مقاله بصحيفة الأهرام المسائى - أن الفارق الأول يتمثل فى أن الحدث الجماهيري الذي جري في عام77, قد انصبت خلاله المظاهرات علي مواجهة مشكلة اجتماعية مباشرة, إذ خرجت المظاهرات ردا علي قرارات الحكومة المصرية برفع أسعار السلع الأساسية.
اما أحداث ووقائع ثورة يناير2011, فقد تمحورت حول قضية الديمقراطية من تعديل للدستور وإجراء انتخابات تشريعية تحت إشراف القضاء إلي حقوق الإعلام والنشر وتشكيل الأحزاب وغيرها. كان شعار يناير77 محصورا في إسقاط قرارات رفع الأسعار أو الحكومة التي أصدرتها, بينما كان شعار2011 إسقاط النظام السياسي.
درجة الوعى
وأشار إلى أن الفارق الثاني يتمثل فى أن ما حدث في77, كان فعلا عفويا كاملا وبكل معني الكلمة, إذ خرج الجمهور العام فور صدور قرار رفع الأسعار. ذلك أمر مختلف عما جري في يناير2011, إذ كانت المظاهرة الأولي التي جرت في يوم25 يناير كان جري تقريرها بوعي وإدراك, واختير لها يوم عيد الشرطة بشكل خاص( يوم المواجهة بين الشرطة المصرية وقوات الاحتلال البريطانية) .
أما الفارق الثالث: أن أحداث77, جري خلالها التقاء بين الكوادر السياسية وحركة الجمهور في الشارع خلال المظاهرات, فلم يكن أحد يعرف أحدا من المتظاهرين أو قادة المظاهرات. غير أن المظاهرة الأولي التي كانت شرارة ما جري في عام2011, كان من بدأها هم الكوادر السياسية علي نحو واضح, ومن بعد التحق بها الجمهور العام بأعداد واسعة, وفق تطور وتسلسل الأحداث. وقد بدا مما جري أن تلك الكوادر كانت علي درجة من الدراية في التعامل مع أساليب الشرطة, وكذا كانت لديها القدرة علي التخطيط والتفكير في إدارة الأحداث بما دفعها ومكنها من السيطرة علي نقطة ارتكاز في وسط المدينة وإقامة ما أطلق عليه" دولة ميدان التحرير" التي كانت بؤرة ضغط متواصلة لتحقيق الأهداف. كان الأمر مختلفا عما حدث في يناير77, إذ انفض الأمر في حالة عشوائية عفوية تامة, مثلها مثل لحظة اندلاع الحدث ذاته.
وقال إن الفارق الرابع يتعلق بعنصر الوقت, إذ انتفاضة يناير77 لم يطل وقت دوران عجلة اشتعالها, فانتهي نشاطها خلال يومين, ولذلك تسمي أحداث18 و19 يناير, بينما انتفاضة2011 طال أمدها من25 يناير وحتي الآن, بين تحركات حاشدة لأيام متوالية استمرت حتي11 فبراير ومن بعد تواصلت وتتابعت الفعاليات, وهي لاتزال متواصلة.
رد الفعل الدولى
والفارق الخامس: أن انتفاضة77, لم يصدر بشأنها أي رد فعل دولي مساند لها أو مندد بقمعها الذي كان بلا مواجهة ـ إذ جري قمعها ـ دون ضجيج فقتل من قتل وذهب إلي السجون من ذهب وكانوا كثر. لكن ثورة يناير2011 جاءت في زمن آخر, ولعل رفع شعارات الديمقراطية كان هو الآخر ما أكسبها زخما دوليا, إذ صدرت ردود فعل دولية أمريكية وأوروبية وصلت إلي حد الحديث المباشر عن رحيل رئيس الدولة بلغة الآن وفورا, والآن يعني الآن- حسب أقوالهم. رد الفعل الدولي شكل توسعة لرقعة الصراع الداخلي وأعطاه بعدا دوليا, وقد لاحظ المتابعون أن نشر الأنباء عن ثروة الرئيس مبارك في وسيلة إعلامية بريطانية كان مستهدفا في هذا التوقيت, للتخديم علي التصريحات البريطانية والأمريكية والفرنسية بضرورة مغادرة الرئيس فورا.
الحركة الإسلامية
والفارق السادس: أن الحركة الإسلامية التي شكلت محورا مهما في أحداث يناير2011, لم تكن حاضرة علي مسرح أحداث يناير77, بل كان اليسار هو الحاضر. هذا الحضور للحركة الإسلامية- الجديد في هذه الثورة- أعطي أبعادا أخري للحدث, أو لعله هو الحدث المستمر إذ تجري الكثير من التحركات الآن علي خلفية طبيعة مشاركة الإسلاميين وحدودها.
والفارق السابع: أن انتفاضة يناير77 صعدت وخمدت فلم يقتد بها- هي في حد ذاتها- أحد من الشعوب العربية, بينما الأحداث التي شهدتها مصر في يناير الماضي جاءت ضمن ما يمكن تسميته بالموجة التونسية, التي تحولت عبر الثورة المصرية إلي دوامة هواء, صارت تبث رياحا عاتية في المنطقة بأسرها. وللحق فإن الموجة العربية الجارية الآن, صارت تعيد للأذهان أجواء الموجة المحمومة التي شهدتها أوروبا الشرقية ـ منذ سنوات ـ وصارت أسماؤها تنتظم وتتجمل بأسماء الزهور والألوان, وأخذت في طريقها كل رؤساء أوروبا الشرقية وكل النظم الشمولية التي كانت تحكم بها تلك البلاد.
التواصل الإعلامى
والفارق الثامن: أن زمن يناير77 لم تكن فيه أدوات للتواصل بين المتظاهرين ـ خلال التظاهر ـ علي أي مستوي ليعرف كل منهم ما يجري حتي في الشارع الآخر القريب, كما أن الإعلام الذي قام بتغطية الحدث من أوله وآخره لم يكن إلا
والفارق التاسع:أن ثورة يناير تمكنت من حشد جمهور واسع ثابت في المواجهة وقادر علي المواصلة والاستمرار في الضغط علي النظام السياسي, بينما الجمهور الذي خرج للتظاهر في يناير77, كان قصير النفس وانفض إثر استخدام العصا الغليظة في المواجهة, وفي ذلك يظهر أثر دور الإعلام وأدوات التواصل الحديثة في الحشد والتعبئة وصناعة الرأي العام وتغيير وجهات النظر.الإعلام أظهر كيف تحول من متابعة الأحداث إلي مساهم كبير في صناعة الأحداث وتطورها, وذلك ما أفاد ثورة يناير2011.
الصلة بالنظام
والفارق العاشر:أن كل فئات المجتمع كانت قد وصلت قبل ثورة يناير2011 إلي حد غير مسبوق من الغضب وربما الكراهية لرموز في الحكم, الذي كانت قاعدته الاجتماعية قد ضاق تمثيلها الاجتماعي والسياسي, بعد أن صار يعمل وفق آليات تراعي حفنة من المستفيدين المكروهين من أوسع قطاع من الشعب. لقد شهدت السنوات الأخيرة أفعالا وممارسات وأحداثا لعبت دورها في دفع الناس للثورة.. كل الناس, وهكذا حين صمد الصامدون في ميدان التحرير, وأثبتوا إمكانية الضغط عمليا علي النظام وإجباره علي تقديم تنازلات بعد انهيار مقاومة الشرطة, كان هناك آلاف من المضارين علي نحو مباشر من الظلم والقهر والاضطهاد ـ كل له أسبابه ـ جاهزين للانفجار ولا يرضون بغيره بديلا.
الأمر كان مختلفا في حالة انتفاضة يناير77, إذ كان الرئيس السادات خارجا لتوه من حرب أكتوبر73, بل كان المجتمع لايزال علي احتشاده خلف النظام ـ الذي حارب ـ وكذا لم تكن هناك فئة فاسدة في الحكم واضحة المعالم بعد, كما كانت تجربة تشكيل الأحزاب السياسية في بدايتها وزخمها.. إلخ.
الفارق الأحد عشر:أن أحداث18 و19 يناير77 انتهت تماما بنهاية أحداث التظاهرات الجماهيرية, ولم تجر بعدها أحداث تمردات اجتماعية أو حالة فوضي, إذ ما إن توقفت المظاهرات حتي عاد الناس لأعمالهم ولم تجر تظاهرات أو إضرابات, وفي كل ذلك لم تسر حالة من الخوف في داخل المجتمع. الفارق مختلف ومهم في حالة ثورة يناير, إذ لاتزال توابع الأحداث جارية, في محاولات إشعال الفوضي وتعميم مناخ التوتر في المجتمع والإصرار علي تعويق الوصول لاتفاقات وتوافقات تحقق نقطة بداية لتثبيت ملامح الأمن والاستقرار.
الفارق الثاني عشر:أن أحداث يناير77 لم تشهد مصر بعدها شيوع أعمال البلطجة أو السرقة كما لم يجر اقتحام وحرق مراكز الشرطة وسرقة الأسلحة, وقد ظل الناس آمنين في منازلهم وأعمالهم. الأمر اختلف بعد ثورة يناير, حتي إنه ترك جروحا لم تندمل بعد.