عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أمينة خيري تكتب : الذكرى السنوية الأولى لوعود مرسي: المصريون ما زالوا ينتظرون تحقق شيء منها

بوابة الوفد الإلكترونية

الرحلة من جنوب القاهرة إلى شمالها مروراً بوسطها أشبه بترجمة فعلية واقعية لا مجال للرياء فيها ولا حيّز للتدليس أو الكذب لما أقسم عليه أول رئيس مدني منتخب تأتي به صناديق الربيع المصري.

ففي درجة حرارة تجاوزت وفق التصريح الرسمي 41 درجة مئوية وبحسب التقديرات الشعبية ما يزيد على 48 درجة ترتفع إلى أوائل الخمسينات في طوابير الوقود، وتكسر حاجز الـ 55 في غرف انتظار المستشفيات الحكومية، وتكاد تصل إلى الستين في داخل غرف البيوت المنقطعة عنها الكهرباء، تجسّدت وعود الرئيس لشعبه في مناسبة ذكرى مرور عام بالتمام والكمال على إطلاقها.
انطلق رد سائق سيارة الأجرة البيضاء كالصاروخ الموجّه في وجه الراكب الذي اتهمه بالنصب والاحتيال ونعته بالكذب والتدليس لأنه فاجأه بطلب خمسة جنيهات إضافية نظير تشغيل مبرّد السيارة في تلك الأيام «الهباب» التي أتت على الأخضر واليابس. السائق تمسّك بموقفه مقسماً بأغلظ الأيمان أنه لم يسدد قسط السيارة منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر، وأن «وكسة» نقص الوقود أصابته في مقتل، و «خيبة» الركاب المفلسين المتعففين عن ركوب سيارات الأجرة «تنذرني وعائلتي بالموت جوعاً»!
وفي خضم التراشق اللفظي والتصارع المعنوي بين الراكب الملتاع لفقدان الجنيهات الخمسة والسائق المتوعد بالدعاء بزوال النعمة، بزغت في الذاكرة قائمة الوعود التي أطلقها أول رئيس مدني منتخب جاءت به الصناديق وقت كان مرشحاً رئاسياً في مثل هذا اليوم من العام الفائت. مرّت الكلمات كالحلم الضبابي أمام السائق. ففي مثل هذا اليوم قبل عام بالتمام والكمال قال الدكتور محمد مرسي: «أتعهد للسائقين بتيسير إجراءات الترخيص وحل مشكلة أقساط التاكسيات البيضاء». في الوقت نفسه، تردد صوت الرئيس في مخيلة الراكب الذي يعاني الأمرين من ابنه خريج الجامعة والذي يعاني البطالة منذ ما يزيد على ستة أشهر بعدما أغلقت شركة السياحة التي يعمل فيها أبوابها، وابنه الأصغر الذي يعاني إعاقة ذهنية، وزوجته التي تتألم مرتين مرة لإصابتها بفشل كلوي والأخرى لتلقيها العلاج تحت مظلة التأمين الصحي المهترئ. في مثل هذا اليوم أيضاً، قالها المرشح الثوري في مواجهة مرشح «الفلول» واضحة: «زيادة الإنفاق على الصحة أربعة أضعاف ما سيؤدي إلى رعاية صحية كريمة وزيادة أعداد المنتفعين من النظام، إضافة إلى الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة. وسنوفر ما يزيد على 700 ألف فرصة عمل سنوياً».
وحقناً للدماء، وحفاظاً على ما تبقى من أعصاب لم تحترق بعد، انتهت المعركة نهاية أرضت جميع الأطراف. فقد اقتنع السائق بأن يهبط بسقف مطالبه، ودفع الراكب جنيهين ونصف إضافية بدلاً من الخمسة، وخفت حدة التوتر التي بدت على وجه الضابط وأفراد الشرطة الواقفين على مرمى حجر. فعودة الأمن والاستقرار الذي وعد بهما الرئيس مرسي في باقة الوعود ذاتها اتضح أنها تعني - في أحسن الأحوال - وجود شرطي في بعض الشوارع بعض الوقت بعض الأيام. وإن تواجدوا، فإنهم يلتزمون بمبدأ القردة الحكيمة الثلاثة: «لا أسمع - لا أرى - لا أتكلم».
الكلام عن وعود الرئيس يوم أمس، في مناسبة الذكرى السنوية الأولى على إطلاقها، بات على كل لسان. فهو يتردد إما للولولة والنهنهة أو صب اللعنات جراء جمود تام أصاب حياة المصريين بشلل يهددهم بتجلطات حياتية وتكلسات فكرية. فالرئيس وعد وأقسم بـ «العمل الجاد وبأسرع وقت ممكن لحل خمس مشكلات يومية في حياة المواطن المصري: إعادة الأمن والاستقرار، ضبط المرور، توفير الوقود، تحسين رغيف العيش، وحل مشكلة القمامة».
كثيرون يؤكدون أن الرئيس صدق فعلاً وأبدع حقيقة بتوصله إلى تلك المفاتيح الخمسة

القادرة إما على تحويل حياة المواطنين جنة بتوافرها أو جهنم بتعثرها، وهو ما كان! شيوع البلطجة وضعف الأمن وعدم الشعور بالاستقرار، مع نجاح الحالة المرورية في وضع مصر ضمن قائمة أكثر الدول خطورة على حياة الناس بسبب رعونة القيادة والسير عكس الاتجاه وعدم ترخيص السيارات، إضافة إلى تحوّل الشوارع إلى مرآب ضخم للسيارات. هذا إضافة إلى طوابير المركبات المتراصة حول محطات الوقود ما يؤدي إلى غلق طرق بأكملها، وانقطاع التيار الكهربائي ليتحول الظلام إلى أسلوب حياة. أما القمامة فهي تحيط بالجميع في كل مكان، وإن كان رغيف العيش قد تحسّن في مناطق عدة.
لكن القلب وما يعشق! وعلى رغم تواتر المشكلات، وتأزم الأوضاع تأزماً لا يفرق بين محب للرئيس أو كاره له، أو بين ناخب موعود بدخول الجنة وآخر مهدد بنيران الجحيم، إلا أن هناك من يشعر بوطأة أقل للمشكلات، رغم أنه قد يكون أكثر معاناة من غيره. وهنا تبزغ نظريات علم النفس وتفسيرات علم الاجتماع السياسي حيث يغفر المحب للمحبوب، ويسامح العاشق المعشوق لأسباب تتعلق بالأحاسيس والمشاعر المنزهة عن المنطق!
إلا أن المنطق يلعب دوراً في ما يتعلق بالحرب الضروس بين المعارضين لما آلت إليه الأوضاع في ظل حكم أول رئيس مدني منتخب (تمرد) وبين المبررين لهذا التردي (تجرد)! فقد اتضح - وفق أحدث استطلاع للرأي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) أعلنت نتائجه أمس - أن سكان المدن وذوي الشهادات الجامعية هم الأكثر معرفة وقبولاً لحملة «تمرد». فقد وصلت حملة «تمرد» بصورة أكبر لذوي المستويات التعليمية المرتفعة مقارنةً ببقية الفئات التعليمية، وبلغت نسبة من سمعوا بها نحو 90 في المئة من الحاصلين على تعليم جامعي فأعلى في مقابل 72 في المئة بين الحاصلين على تعليم متوسط أو فوق متوسط و43 في المئة بين الحاصلين على تعليم أقل من متوسط أو لم يلتحقوا بالتعليم. كما أن النسبة ترتفع بين سكان المدن (74 في المئة) أكثر من سكان الريف (46 في المئة).
وسواء تمرد المصريون أو تجردوا، فإنه في ذكرى مرور سنة على وعود أول رئيس مدني منتخب يصطف المصريون صفاً وطنياً واحداً بعد اشتياق وطول غياب، وذلك من حيث حجم المعاناة وإن اختلفوا في قدرة العشق على التخفيف منها أو الإمعان فيها!


نقلا عن صحيفة الحياة