رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

صحيفة الشرق تكتب :مصر في نظر جيلين

بوابة الوفد الإلكترونية

ما إن يلتقي المواطن المصري بالشيخ سلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة فإنه لا يسأله فقط عما يجري في مصر. من ميدان التحرير إلى «هويس» إسنا، مرورا بميداني الأربعين في السويس والقائد إبراهيم في الإسكندرية، وإنما يستعيد معه شريط ذكريات الستينيات التي قضاها في البلد أثناء التحاقه بكلية الزراعة.

من مقاهي شبرا إلى مطاعم الدقي وتجربته مع حارس العمارة التي سكنها الذي أقرضه يوما ما وأستاذه في كلية الزراعة الذي احتضنه حتى أنساه أهله، على حد تعبيره.
ذلك كله كامن في خلفية الرجل الذي عرف مصر على حقيقتها، ولم يتخل عن وفائه لها حتى أصبح أحد «الناشطين» في الحياة الثقافية المصرية، بإسهاماته العديدة، في مساندة اتحاد الكتاب وإقامة مقر جديد لكل من دار الكتب والوثائق والجمعية التاريخية إضافة إلى تكفله بنفقات بناء وتجديد مكتبة كلية الزراعة ومعاملها. وتمثل أحدث إسهام له على ذلك الصعيد في تعهده بإعادة بناء مقر المجمع العلمي المصري الذي احترق، وإهدائه نسخة لديه من كتاب «وصف مصر» الذي كتبه مؤرخو الحملة الفرنسية في القرن التاسع عشر. ولا ينسى أحد كلماته التي بثها التليفزيون حين أعلن عن إسهامه في إعادة بناء المجمع العلمي وقال فيها إنه لا يمكن أن ينسى "جمائل" مصر التي احتضنت الجميع ورعتهم وعلمتهم. وكان مدرسوها هم من أوائل الذي حملوا شعلة المعرفة والتنوير في منطقة الخليج. ولا تسأل عن تكلفة إسهاماته تلك، لأنها تجاوزت عشرات الملايين من الجنيهات.
حين استمعت إليه في زيارتي الأخيرة للشارقة وقارنت خطابه ومواقفه بآخرين من النخب سواء في دولة الإمارات العربية أو في بقية إمارات الخليج، وجدت أن ثمة فرقا كبيرا في الخطاب والإدراك، بين مسؤول عرف حقيقة مصر وعاش بين أهلها ورآها في أحد أزمنة حيويتها وعافيتها، وبين آخرين لم يعيشوا في مصر وإنما ألحقوا بمدارس ومعاهد أوروبا وأمريكا. وأغلب الظن أنهم سمعوا بها فقط وربما شاهدوا بعضا من أفلامها ومسلسلاتها. ولم يصادفوا إلا ممثلين عن مصر المنكسرة والمهزومة. الأولون رأوا مصر التي تقود، والآخرون رأوا مصر التي سلمت قيادها لغيرها. لذلك لم يكن مفاجئا ولا غريبا أن تختلف مواقف الأولين عن الآخرين. وربما كان ذلك أحد أسباب الأزمة التي يعاني منها المصريون الآن في بعض الدول الخليجية.
لست من أنصار توجيه الاتهام إلى الآخرين وإلقاء اللوم عليهم. كما أنني أحسب أنه من غير المروءة أو الشهامة أن يعير الآخرون بما قدمته إليهم مصر يوما ما، ناهيك عن أن ذلك ليس من شيم الكبار الذين ينهضون بمسؤولياتهم تجاه غيرهم لأنهم يعتبرون أن مقامهم وريادتهم يقتضيان ذلك. وأزعم

أن المشكلة تكمن في مصر بالدرجة الأولى، إذ بوسعها أن تفرض احترامها على الآخرين باحترامها لشعبها وتقديمها للنموذج الذي يستحق الاحترام. وهو ما لم يحدث خلال العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل، التي تراجع فيها دور مصر بعدما تحولت إلى «سلطنة» تحكم فيها الرئيس السابق وحاشيته وأسرته. وصارت في نهاية المطاف كنزا لإسرائيل، بعدما كانت رمزا لكبرياء العرب وتجسيدا لضميرهم وحلمهم.
إن بعض المسؤولين المصريين يستحضرون التاريخ ويعتبرونه مسوغا كافيا لتبوء مقعد القيادة والريادة. وكان الرئيس الأسبق أنور السادات دائم الإشارة إلى حكاية السبعة آلاف سنة التي هي عمر الحضارة المصرية، غير منتبه إلى أن حضور التاريخ في النظر الراهن يقاس بمقدار تواصله واستمراره، أما إذا انقطع وانفصل الحاضر عن الماضي، فإن التاريخ يتحول إلى نصوص وروايات يتناقلها الدارسون ولا تبرح خزائن الكتب.
وإذ نقدر النخب من أمثال الدكتور سلطان، إلا أننا نعذر الآخرين الذين عرفوا مصر التليفزيونية أو السياسية ولم يعايشوا مصر الحقيقية. وأزعم أن الكرة لا تزال في «ملعبنا» ــ كما يقال ــ وأكرر أن بوسعنا أن نجعل هؤلاء الآخرين يستعيدون احترامهم للبلد وأهله، وبوسعنا أن نجعلهم يتعاملون مع مصر من منطلق العطف أو الرثاء. وللأسف فإن وسائل الإعلام المصرية تروج لأسوأ ما في مصر ما بعد الثورة، حين تبالغ في تصوير ما يجري، بأكثر من دورها في الجذب والتفاؤل.
لقد قلت ذات مرة إن مصر «إذا مالت هانت» (كان ذلك عنوانا لإحدى مقالاتي قبل الثورة). ولأننا تجاوزنا سنوات الانكسار والهوان فبوسعنا أن نذكر بأنها إذا قامت فسيكون لها شأن آخر، لا أريد أن أتحدث عنه الآن، لأن مصر انتفضت فقط بعد الثورة، ولم يحن أوان قيامتها بعد.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية