رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في فن الشهادة الزور لصالح مبارك

صدمة الكثيرين في شهادة قيادات كبيرة بالدولة لصالح مبارك، ليس لها ما يبررها، لأنهم في الأصل ليسوا شهودا، بل مشتبه بهم، وكان منوطا بهم القضاء على الثورة بكل الوسائل بما فيها القتل، وكان المفترض أن يسألهم النائب العام على سبيل الاستدلال، بمعنى أن موقفهم  لم يتحدد ما إذا كانوا شهودا أم متهمين.

ولكنهم هؤلاء مسؤولين، الذين نظروا ومازالوا ينظرون لأنفسهم، كمشتبه بهم، فوجئوا بالنائب العام يعتبرهم شهودا، فتصرفوا كما يتصرف المتهمون، فقول الحقيقة قد يدخلهم دائرة الاتهام ومنها إلى حبل الإعدام، لذلك قرروا أن يجيبوا على أسئلة المحققين في كافة مراحل القضية كما لو كانوا متهمين حتى لو تم تسميتهم شهودا.

والمتهم، كما ينصح جهابزة المحامين،  يجيب على جميع الأسئلة حتى لو بلغت المئات ب 3 عبارات مقتضبة قصيرة، فقط لاغير، فالخوض في التفاصيل قد يوقعه في المحظور والخطأ، والعبارات الثلاث التي يحتار أمامها عتاة المحققين، وشيوخ القضاة، هي " لم يحدث" و " لا أعرف" ، ولا " أتذكر".
وسنشرح فيما بعد لماذا تجعل هذه العبارات المقتضبة عتاة المحققين يقفون عاجزين مكبلي الأيدي أمام الشاهد أو المتهم.


لنعود إلى شهودنا في قضية مبارك، فكل العذر معهم في دفع إذا الاتهام عن كبيرهم مبارك، فليس في الأمر شيء من الولاء له، بل هو لدفع الاتهام عنهم وعن شبهة مشاركتهم في قتل المتظاهرين ولو بدور بسيط.
إذا الشاهد هنا مضطر أن يكذب حتى يبرأ نفسه، ولا مانع لديه أن يستفيد مبارك من الشهادة بصدور حكم ببرائته وباقي الفريق، ولكن تثور عقبة كؤود في وجه المسؤول المشتبه به الذي تحول إلى شاهد، وهي أن كذبه على المحكمة سيدخله قفص الاتهام بتهمة الشهود الزور، ويبقى طلع من اتهام لبس في آخر، فماذا يفعل صاحبنا المسؤول الكبير

هنا يلجأ الشهود الذين كانوا مشتبها بهم، لكبار المحامين، يقرؤون لهم ملف القضية، ويذاكرونها جيدا، ويلقنونه كل الأسئلة المحتملة التي ستطرحها المحكمة وكيف يرد باقتضاب شديد.

يدور النقاش بين المحامي وموكله المسؤول الشاهد الذي كان مشتبها به، كيف نكذب وتكون المحكمة متيقنة من أننا نكذب عليها، ويعرف الجميع أننا نكذب، وأن هذه جريمة شهادة زور يعاقب عليها القانون بالحبس ورغم ذلك لا يستطيعون محاكمتنا أو إثبات أننا نكذب ونشهد زورا.
ولنطبق ذلك على ما جرى في محاكمة مبارك، لنبدأ بأقوال مبارك نفسه، فقد ردد العبارات الثلاثة المقتضبة: أنت متهم بقتل المتظاهرين عمدا مع سبق الإصرار والترصد؟ ج: لم يحدث... ولكن الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين وسقط منهم قتلى؟ ج: لا أعرف ما إذا كانت قد أطلقت النار من عدمه...وماذا حدث يوم 28 يناير يوم جمعة الغضب؟ غير متذكر التفاصيل لكثرة الأحداث.

ستجد أن باقي الشهود الذي كانوا  مشتبها بهم، رددوا ذات إجابات مبارك، فلو قرروا أن مبارك أمر بقتل المتظاهرين خلال اجتماعه بهم، فإن ذلك معناه أنهم اشتركوا معه بتنفيذ الأمر، أو حتى اشتركوا بصمتهم، وبالتالي فليس أمامهم سوى خيارين، إما أن يشهدوا بأن مبارك لم يأمر بإطلاق النار، أو أنهم لا يعرفون بما إذا كان مبارك قد أمر بإطلاق النار من عدمه..

وجميعهم شهدوا بالإجابة الثانية لأن فيها النجاة من شهادة الزور، وفي نفس الوقت تبرئة ساحتها وبالتبيعة ساحة ومبارك.
لنقترب أكثر عن أسباب اختيارهم للإجابة الثانية، ويوضح لنا الأسباب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، في مكالمة تم تسجيلها له، كان يطلب فيها من أحد مرؤوسيه أن يدلي بشهادة زور لصالحه بأنه لم يتجسس على الحزب الجمهوري، حيث اعترض مرؤوسه قائلا له : سيدي الرئيس ماذا لو شهدت بأنك لم تأمر بالتنصت على قيادات الحزب الجمهوري، ثم أشهر أن أحد خصومنا دليلا قاطعا على إصدارك الأوامر بالتنصت علي قيادات الحزب الجمهوري، ساعتها سأكون متهما بالكذب تحت القسم، وهنا رد عليه نيكسون بأنه لا يطلب منه الشهادة بأنه، أي نيكسون بريء، بل كلما سألته المحكمة عن الأوامر أو التعليمات التي أصدرها الرئيس يرد بعبارة واحدة: غير متذكر التعليمات نظرا لكثرتها، وإذا سألته المحكمة عما إذا كان قد نما إلى علمه أن الرئيس نيكسون أمر بالتنصت على قيادات الحزب الجمهوري، يرد : لا أعرف ربما يكون قد فعل في غيبتي أو لم يفعل.
وشرح الرئيس نيكسون لمرؤوسه أن الإجابة بعبارتي " لا أعرف .. وغير متذكر" أنهما يعبران عن الحالة العقلية للشاهد لحظة شهادته، ولا يمكن لأحد غير الله الاطلاع على ما في عقل الشاهد حتى يثبت كذبه، وفي نفس الوقت، تتيح للشاهد تغيير أقواله لأي اتجاهه، فلو فاجأه أحد بوجود تسجيلات تثبت علمه بالواقعة، ساعتها يقول الشاهد: عفوا تذكرت الآن.
في النهاية عبارات " لا أعرف".." غير متذكر" .. " لم يحدث" تعني أن الشاهد أو المتهم لم يقل شيئا ولم يتم استجوابه.. أو كأن الشاهد لم يشهد أصلا.
إذا عدنا لشهادة المشير طنطاوي السرية، يمكنا أن نعرف بالاستنتاج ما قاله دون عناء، فالرجل أرسل للمحكمة خطابا عبر القضاء العسكري منذ أيام، قال فيها إنه لا يرغب في الشهادة، ولكن المحكمة أصرت على سماع شهادته.. إذا لا بأس من أن يحضر المشير ولو افترضنا أن موقفه ظل كما هو لم يتغير.. فإنه سيشهد وكأنه لم يشهد أصلا...