عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فاكهة وبقسماط وسيارة عادل القاضي

من حُسن حظّي أنني طوال السنوات الست الماضية كنت ملازما للكاتب الكبير عادل القاضي "أبو إياد"، .. أيام جميلة عشناها سويا، فقد ذقت معك طعم الفرح بما حققته من إنجاز في "بوابة الوفد" الإلكترونية، ومن بعدها الفرحة بالثورة المصرية حين كنت تهتف مع المعتصمين وتنادي بسقوط النظام الفاسد.

أتذكر كم كنت متواضعا حين تنتظرني بسيارتك وأنت رئيس التحرير، بينما أنا صحفي عادي، شاءت الأقدار أن أكون قاطنا بجوار منزلك، ولعل هذه الجيرة كانت سببا في أن أتعرف على أشياء كثيرة في شخصيتك الطاهرة والنزيهة، وأن تختارني أيضا لأكون مقرّبا منك في العمل.

فمع إصرارك على الاتصال بي لأستقل معك السيارة كي ترحمني من عناء المواصلات وتأخذ الثواب، كنت أنبهر بما أراه من تصرفاتك طوال وقت ذهابنا من المعادي إلى الدقي ـ أو العكس في رحلة العودة ـ و التي تستغرق نحو ساعة إلا الربع.

في بداية انطلاقك بالسيارة تردد أذكار الصباح أو المساء، وحينما كنت تجد أي مسن كنت توقف السيارة مباشرة وتدعوه لتوصيله في طريقك، وإذا كان معك أي فاكهة أو "تمر" أو حتى "بقسماط" ـ كما كانت عادتك ـ بالطبع ستدعو ضيوف السيارة إلى تناولها.

.. كرمك أستاذي الفاضل لم يكن يتوقف عند ضيوف سيارتك، إنما كان أيضا مع من هم خارجها يطرقون على الزجاج بغرض بيع مناديل أو طلب "صدقة"، فلم ترد أحدا منهم قط، وبالطبع امتد الكرم أثناء الثورة حين كنت تشتري التمر وتوزعه على المتظاهرين.

ومع دخولنا إلى العمل كنت تأخذ فاكهتك أو مسلياتك معك، وتعزم بها على كل من يأتي للسلام عليك، وإذا لم يكن معك مسليات ففورا ترسل أحد السعاة لشراء إفطار يكفي على الأقل لعشرة أشخاص في الجريدة جبن وطعمية وباذنجان .. إلخ.

وحينما اصطحبتني للعمل معك في تأسيس بوابة "الوفد" الإلكترونية، كان الحمل قد زاد عليك، حيث كنت تحمل هموم أسرتك وأصدقائك وزملائك، فضلا عن هموم آلاف من البسطاء المستنجدين بمؤسسة "وفد الخير" التي اختارك الدكتور السيد البدوي، رئيس الوفد، لتكون أمينا عاما لها، حيث لم يكن يثق في أحد أكثر منك خاصة في النواحي التطوعية.

وبالطبع كنت تستغل عملك في "وفد الخير" كي تكسب الثواب أيضا، ففي رمضان الماضي قمت بشراء عدد كبير من الشنط الرمضانية لتوزيعها على فقراء المنطقة، وطلبت مني مساعدة ابنك الأكبر "إياد" في جلبها كي يتمرس على عمل الخير.. ولما لا، وهو ابن رجل الخير.

الأمر لم يكن يتوقف عند الابن فقط، ولكن يشهد الله أن الزوجة "أم إياد" وباقي الأبناء أيضا "هاجر" و"أحمد" كانوا يشتركون طوال نهار رمضان في

إعداد الوجبات الغذائية لإطعام الفقراء والمساكين، وكم مرت عليهم من الأيام وهم يفطرون في الشارع أملا في رضاء الله.

سنفتقدك كثيرا أستاذنا الفاضل ـ كما كنت أخاطبك دائما في الرسائل التي أبعث بها إليك ـ ومثلما كنت أدعوا لك في حياتك، سأدعوا لك بعد وفاتك، وإن كانت الدعوات ستختلتف من التضرع إلى الله بإطالة عمرك وأن يبارك لك في أبنائك، إلى مناجاة المولى عز وجل ليتغمدك بواسع رحمته وأن يسكنك فسيح جناته.

.. إلى جنة الخلد أستاذي الفاضل، وبصحبتك ملايين الدعوات من محبيك وأصدقائك وأقاربك.

.. إلى جنة الخلد، وبصحبتك ملايين الدعوات من الفقراء الذين كنت ترعى شئونهم، واليتامى الذين كنت تتكفل بتربيتهم.. ولهم الله من بعدك.

.. إلى جنة الخلد، وبصحبتك ملايين الدعوات من تلامذتك الذين لم تبخل عليهم في يوم من الأيام بعلم أو نصيحة عملية أو أسرية.

.. إلى جنة الخلد، مع شهداء ثورة 25 يناير التي شاركت فيها منذ اللحظة الأولى بنزولك إلى ميدان التحرير رغم مرضك.

.. إلى جنة الخلد، ولما لا، وأنت كنت تضع نصب عينيك دائما أقوال الإمام علي بن أبي طالب، والتي اعتقد أنها تلخص رؤيتك للحياة:

(إعمل لدارغداً رضوانُ خازنها.. والجار أحمد والرحمن ناشيها، قصورها ذهب والمسك طينتها.. والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها، أنهارها لبنٌ محضٌ ومن عسل.. والخمر يجري رحيقاً في مجاريها، والطير تجري على الأغصان عاكفةً.. تسبـحُ الله جهراً في مغانيها، من يشتري الدارفي الفردوس يعمرها.. بركعةٍ في ظلام الليل يحييها)

.. كم كان شاقا علي أن أودعك وأرثيك، وكم كان شاقا علي أن أقول لابنك إياد : "شد حيلك".

.. إلى جنة الخلد إن شاء الله، وإلى لقاء عساه أن يكون قريبا.