رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

في التاكسي.. أنت إخواني ولاّ سلفي؟


"انت إخواني ولا سلفي..؟" سؤال لم أتخيل إطلاقا أنني قد أسأله لأي زميل أو صديق أو لأي مصري مسلم ملتح، إلا إنني الخميس الماضي كنت أنتظر على كورنيش النيل لأستقل تاكسي، وانتطرت حوالي ثلث ساعة حتى وجدت تاكسي قادما من بعيد ولا يركب فيه أي ركاب، فرفعت يدى لأستوقفه. وعندما اقترب مني وجدت السائق ذو لحية رمادية كثيفة طويلة، فتوترت بشدة وحاولت التراجع أو التحجج بأي شىء حتى لا أركب معه، إلا أنني شعرت بالحرج ووقفت أحاول فتح الباب الخلفي وفشلت كافة محاولاتي، فابتسم لي وطلب مني أن أركب فى المقعد الأمامي، حتى لا نعطل الطريق.

"أنا مأخدتكيش"

جلست فى المقعد الأمامى وأخبرته أني أرغب فى الوصول إلى أي محطة مترو، فابتسم وسألني أي محطة؟، لا أعرف كيف هربت مني الكلمات ونسيت أن أخبره أني أرغب فى الوصول إلى محطة التحرير، فابتسم مرة أخرى وسألنى أنتي من شبرا..؟، وبابتسامة فاترة جاوبته أنى بالفعل أعيش هناك، فسألته "كيف عرفت وأنت أخذتني من على الكورنيش؟"، فضحك بشدة وقال "لا أنا مأخدتكيش.. وبعد كده تقولي عايز يتجوزني والكلام ده.. والدنيا تولع"، فابتسمت وأخبرته أني لم أقصد هذا المعنى إنما أقصد أني ركبت معه من منطقة بعيدة عن شبرا، فقال لى "أصل أنتوا عايشين كلكوا تقريبا هناك"، وجدتنى أضحك وأخبره "مين اللى قال كده.. المسيحيين منتشرين في القاهرة كلها"، فقال لى "لكن أنتوا مميزين أوي فى شبرا".

لا أعرف كيف جاءتني الشجاعة لأسأله "وحضرتك إخواني..؟"، فقالى لى "لا"، "طيب سلفى..؟"، "برضو لا.. أنا مسلم وعندي عقلى وأقدر أميز ايه اللي فعلا يرضى الله وايه اللى يزعله.. مش محتاج حد يقودني ويعرفني".

الصورة الحقيقية

فسألني هل سأنزل التحرير يوم الجمعة 27 مايو (جمعة الغضب الثانية)، فأخبرته أني لم أعد أعرف ما الذى يتوجب فعله، فسألته "وحضرتك هتنزل؟"، فأخبرني أنه سيفعل أى شىء من أجل أن تصبح البلد أفضل، وإن كان النزول يوم الجمعة سيساعد على ذلك فإنه سيشارك بكل تأكيد، وجدتني أخبره بأن السلفيين والإخوان يرفضون المشاركة، فابتسم مرة أخرى وقال لي لكني لست أيا منهما حتى إن

كنت بلحية.

ثم قال: "انتي عارفة.. الصورة الحقيقية بين المسلم والمسيحي ظهرت في التحرير أيام الثورة.. مكنش فيه فرق.. المسيحي كان بيحمي المسلم وهو بيصلي..".

كنا قد اقتربنا من محطة مترو التحرير، فسألني أين أريد أن أذهب بالمترو.. وهو سيوصلني للمكان الذي أرغبه عوضا عن النزول وعبور الطريق ونزول سلم المترو.. ومش حياخد أجرة زيادة، فأخبرته أنى متوجهة إلى الدقي..

تناقشنا فى السياسة وفي أحوال البلد وكان دائم الابتسام وهادئ، ومستمع جيد، ومثقف، وبعد أن أوصلني تمنى لي الخير والتوفيق، فأعطيته الأجرة، فأستأذني فى أن يعطينى الباقي عملات معدنية لأنه لا يحبها، فأخبرته أني احتاجها وأفضلها عن الورقية لذلك سأخذها بكل سعادة.

الشك تجاه الآخر

في طريقي استعدت كل كلمات السائق.. لأتعجب من كل ما حدث، وكيف أصبحت علاقة المصريين المسلمين والمسيحيين يحكمها الشك تجاه الآخر، فعلى قدر خوفي وقلقي من الركوب مع "السائق الملتحي"، على قدر قلقه هو الآخر من خوفي البادي عليَ، وهو ما دفعه لتحسين صورته سواء بكلماته أو بالابتسامة التي لم تفارق شفاهه ليطمئني، وعلى قدر سعادتي بالحديث معه وتقدير محاولاته لتخفيف توتري، على قدر حزني وشفقتي عليه وعلى نفسي وعلى المصريين، لن أقول إن هذا الشك جديد ولم يعتاده المصريون، ولكن وبكل حزن عقب ثورة 25 يناير أصبح يسيطر على المشهد الاجتماعي بسبب الفئة المتطرفة في الجانبين، التى لا تعكس أبدا الصورة الحقيقية لعلاقة المسيحيين والمسلمين.