عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أبناء الطبقات الوسطى والعليا يهربون من حكم الإخوان

بوابة الوفد الإلكترونية

 

قليلون هم من التفتوا إلى الأعراض الجانبية لثورة يناير 2011 التي رفع شبابها شعار «عيش حرية عدالة اجتماعية».

وبعد انتظار الغالبية العظمى من الشباب الذين نزلوا الى ميدان التحرير ومكثوا 18 يوماً أسفرت عن سقوط نظام فاسد، ظهور بوادر، ولو أولية، للشعار الذي نزلوا من أجله، اكتشف أولئك الشباب أن ما آلت إليه الأمور بعد الثورة هو مرحلة انتقالية ملتبسة وصعود الإسلام السياسي اللذين أديا إلى وحدة شباب مصر بفئاته مجدداً. هذه الوحدة ظهرت جلياً في رغبة وحدت الجميع وساوت بين الرؤوس ودفعت الشباب إلى الحلم بالهجرة.

ويمكن تصنيف الرغبة الشبابية في الهجرة إلى فئات عدة: عقد عمل في الخليج أو اتفاق مع سمسار متجه إلى إيطاليا على ظهر مركب في عرض البحر، أو نابغة متعلم يتلقفه الغرب.

وجرت العادة المصرية الشبابية أن يحلم الشباب بالهجرة هرباً من ضيق ذات اليد، وهو الضيق الذي يراوح في تعريفه بين ساع إلى تأمين لقمة العيش لنفسه وأسرته، وراغب في تدبير كلفة الحصول على شقة أنيقة وسيارة معقولة، مع مبلغ يبدأ به مشروعاً صغيراً، وآخر حالم بملايين يكتنزها بعد معجزة نجاح يحققها كتلك التي يشاهدها في الأفلام.

الأفلام تعرض أيضاً قصصاً من واقع الحياة لشباب كان يحلم باختراق مجال البحث العلمي ويصطدم بواقع غارق في الجهل والبيروقراطية، أو مهندس فذ كان يطمح إلى تفعيل فكرة مشروع رائد فعرقله أعضاء حزب من أعداء النجاح، فكان الحل هو الفرار غرباً حيث تكريم العلماء وتبجيل الأفكار.

ولو أتيحت الفرصة لقدمت أفلام اليوم نماذج من واقع الحياة لشباب مصري انضم حديثاً إلى طوابير الحالمين بالهجرة والساعين إليها، ولكن هذه المرة هرباً من شبح دولة دينية يتصارع فيها «الإخوان المسلمون» والقوى السلفية المتشددة، ليس على سبل ارتقاء الوطن ونهضته بعد فساد عقود، وإنما على مقدار تديين الدولة وقياس مدى تقدمها ورفعتها بعدد لحاها وجلاليبها ونقابها.

سالي، طالبة في الجامعة الأميركية في القاهرة. هي وحيدة أبويها، وعرفت طيلة سنوات دراستها بأنها طالبة مجتهدة في مجال الهندسة والرياضيات، وكانت تؤهل لنفسها للانتهاء من دراستها في كلية الهندسة لتتسلم مهام عملها في مكتب والدها الهندسي الذي ينتظرها بفارغ الصبر.

لم تفكر يوماً في الهجرة، لا شرقاً بحثاً عن عقد عمل، ولا غرباً بحثاً عن نمط حياة أفضل، فكلا العاملين متوافر لها. إلا أن شغلها الشاغل هذه الأيام هو التقدم بأوراقها إلى جامعات أميركية وبريطانية لاستكمال دراستها العليا عقب تخرجها هذا العام، وهو الخط الذي لم تكن تنوي أن تسلكه قبل نحو عامين.

تقول: «سفري من أجل الحصول على درجة الماجستير هو خطوة مبدئية للاستقرار في الخارج. فأنا تفاعلت كثيراً مع الثورة المصرية من أجل إسقاط الفساد والديكتاتورية، وهتفت من أجل العدالة الاجتماعية، رغم أنني كنت في حل من أن أفعل ذلك بحكم أنني أنتمي لعائلة ميسورة الحال، والنتيجة أنني أجد نفسي اليوم وكأنني أعيش في دولة أجنبية».

وتحكي سالي كيف أنها تشعر بغربة شديدة كلما أدارت التلفزيون لتجد أشخاصاً يتحدثون عن ضرورة زواج الطفلة، تقييد الحريات، إخفاء المرأة تحت نقاب أو خلف سور يفصلها عن العالم: «المصيبة أن نماذج مستنسخة من أولئك الأشخاص أجدهم يتزايدون حولي في الشارع. فالحياة بالنسبة لهم هي مجموعة من الشهوات والغرائز التي ينبغي كبتها وإفراغها في طفلة أو بالزواج من أكثر من واحدة أو بإخفاء المرأة لأنها تثير غرائزهم الحيوانية التي لم يتدربوا على السيطرة عليها وتقنينها، بل يبدو أنها تمثل مصدر فخر لهم نظراً لعدم وجود ملكات أو خبرات أخرى تدعوهم للفخر».

سالي التي تخطط للاتجاه صوب الغرب للدراسة، ثم للإقامة لو بقيت الأوضاع

على حالها، تمثل فئة جــديدة من الشباب المصري التي تنضم إلى جموع الراغبين في الهجرة، وهي تلك الفئة التي حلمت بمصر جديدة بعد الثورة، فإذ بها تجد نفسها في بلد يحاول التشبه بقندهار.

وإذا كانت مصر الجديدة التي تطمح قواها الحاكمة الى الحكم الديني قادرة على الضحك على عقول البسطاء ممن لا يجدون ملاذاً من شظف العيش سوى الحلم بعالم آخر، فإن مصر الجديدة التي بحث عنها الشباب الميسور باتت حلماً مؤجلاً.

مصطفى عبد القادر (19 عاماً) طالب سنة أولى في إحدى الجامعات الخاصة. لم يكن يوماً مهتماً بالسياسة، لكن الثورة جعلته ينضج وينشط، يقول: «حلمت بغد قريب أساعد فيه الفقراء للخروج من دائرة الفقر والجهل المغلقة من خلال مبادرات شبابية كاد الكثير منها ينطلق من داخل الجامعة عقب الثورة، إلا أن مجريات الأمور حالت دون ذلك، وانشغل الجميع باقتسام الكعكة من دون إعادة ترتيب البيت من الداخل. وزاد الطين بلة وصول الجماعات الدينية إلى الحكم رغم أن الثورة لم تكن دينية في الأساس».

مصطفى حصل على موافقة والديه والجامعة التي يدرس فيها للسفر في الفصل الدراسي الثاني إلى بريطانيا، وهناك سيبذل قصارى جهده للبقاء إن لم تتغير الامور في مصر.

وإذا كان مصطفى اختار الطريق السهل، فإن غيره لم يلجأ إلى حل الهجرة هرباً من شبح دولة دينية أو قمعية أو مقيدة للحريات أو مستحوذة على السلطة إلا بعد ما أعيته سبل التغيير.

مجدي سلامة (30 عاماً) يقول انه كان من أول من نزلوا ميدان التحرير، وطالب بالتغيير رغم أن حياته كانت مرفهة تحت النظام السابق. فهو مهندس كومبيوتر، ويعمل في شركة كبرى، متزوج، لديه طفلة، ويعيش في شقة فاخرة.

يقول: «شاركت في الثورة ولم أخش الموت، وكنت أنتهي من عملي وأتوجه إلى الميدان طيلة أحداث الفترة الانتقالية، وانضممت لأحد الأحزاب الليبرالية المكونة حديثاً، وشاركت في الانتخابات، وفي حملات التوعية للمواطنين، لكن ها أنا أقف اليوم وأنا أشعر وكأن نظاماً أجنبياً يحكمني، وأشخاص غرباء عنا يكتبون لنا دستورنا، ويطلون علينا عبر شاشات التلفزيون، ويتهموننا تارة بالكفر والإلحاد، وتارة بالارتماء في أحضان الغرب، حتى بت أشعر وكأنني زائر في بلادي».

ينتظر مجدي بفارغ الصبر الرد على الطلب الذي تقدم به إلى الشركة التي يعمل فيها بنقله إلى أي من فروعها في أفريقياً وجنوب شرق آسيا أو حتى أميركا اللاتينية.

** نقلا عن صحيفة الحياة اللندينة