عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في شوارع مصر.. الخيال يسقط الواقع!


في كل لحظة كان يقال لنا: "يكفي هذا. ما تحقق جميل، لا تضيعوه"، كنا ننقسم ونتناقش بحدة وعنف وقلق على "ثورتنا". ولكن في النهاية كان خيالا ما يجمعنا ويشجعنا على الاستمرار معا وتخيل لحظة قادمة أجمل. منذ 25 يناير حين انطلقت الشرارة وحتى 11 فبراير حين أصابت هدفها كان الواقع يتقلب بين إنعاش التفاؤل وإثارة الإحباط. ولكن خيالا ما كان هو سيد هذه المغامرة: لو كنا اكتفينا في كل لحظة بالتي سبقتها لما وصلنا لهذه اللحظة الجديدة، لنمضي قدما!

منذ أن تفرق اعتصام التحرير مساء 25 يناير كان الخيال يجمع المجموعات الصغيرة التي تناثرت في وسط القاهرة لتتجمع ثانية وتستمر في التظاهر حتى فجر اليوم التالي وعندما تعبت الجموع كان هناك إصرار على المعاودة في اليوم التالي.

في شوارع مصر وفضاءاتها الافتراضية كانت جماعة تتشكل منذ سنوات. جماعة أكبر من كل المجموعات الناشطة، جماعة كان يجمعها خيال عنيد: نحن نستحق أفضل من هذا ومستعدون للمغامرة في سبيل ذلك، مستعدون للوقوف في وقفات احتجاجية من عشرات أو مئات، مستعدون للمحاولة مرة بعد مرة.

هذه الجماعة التي بلا مركز ولا رأس، هي أيضا مجرد خيال يجمع أفرادا ومجموعات متناثرة تحاول هنا وهناك في أمل وإصرار. كل هؤلاء الذين قرروا الاعتناء بأنفسهم ولم يتوقفوا عن الأمل والتفاؤل، وعن إبداع وسائل وأشكال جديدة في سبيل ذلك، كانوا يتضفرون في المجال العام بوجهيه: الواقعي والافتراضي، في الشارع وعلى الإنترنت.

منذ أول هتاف للتغيير في 2004: "يسقط مبارك" وحتى الحركة الواسعة في 2010 التي رفضت السكوت على قتل خالد سعيد. كانت الجماعة تتشكل وتضم إليها المزيد من المجموعات والأفراد.

كان العماد الرئيسي لهذه المجموعة هم الشباب الذين على هامش كل كل الجماعات القديمة المنهكة.

كان الشباب قد بدأوا يتقدمون الصفوف وتكاد تلهث ورائهم الأجيال الأكبر: شباب المدونين وشباب 6 إبريل والشباب الذين تقدموا حملة ترشيح البرادعي، وتقدموا البرادعي نفسه، وشباب حملة كلنا خالد سعيد.

هذه الجماعة التي لم تكن تدري حجمها الحقيقي ولا تأثيرها، كان شعورها يتصاعد ظهر 25 يناير أنها على موعد.

الذين دعوا إلى التظاهر يوم 25 يناير والذين سخروا من الدعوة، الذين أسموها ثورة والذين دعوا لتخفيض التوقعات، الذين تفائلوا والذين لم يتفائلوا، الذين قرروا المشاركة والذين قرروا التجاهل، كل هؤلاء بدا لهم يوم 25 يناير مختلفا، وانضموا تدريجيا إلى ركب الخيال.

الخيال رفع سقف المطالب لحظيا من التفاصيل إلى "سقوط النظام"، وسطوته هي التي أعادت الجموع أضعافا مضاعفة إلى الشارع يوم الجمعة 28 يناير.

قطع الاتصالات في خطوة غير مسبوقة كان

من ناحية إظهارا لمدى قبح ورداءة هذا النظام المرتعد من تواصل تلك الجماعة الآملة من شعبه، ولكنه من ناحية أخرى أبلغ هذه الجماعة رسالة: أنها أقوى مما تتصور مما يستدعي هذا التصعيد الكبير. ورغم التوقع بحدوث مجزرة ضخمة وقمع استثنائي إلا أن الخيال قادها إلى الشوارع وبدت جموع الشرطة في مواجهة هذه الجماعة ومن تعاطف معها عقبة يمكن تجاوزها.

في نهاية اليوم انهارت قوات الشرطة وبدا "النظام" ضعيفا وخائرا بدون سطوته الأمنية التي كانت تطارد الخيال وتحافظ على الأمر الواقع واستقراره وبدأ اعتصام التحرير.

اعتصام التحرير كان تشبث هذه الجماعة بلحظة اكتشافها لنفسها في مواجهة نظام يتشبث بما تبقى من هيبته بعد أن فقد عصاه وخوذته.

اعتصام التحرير بدا خارج السيطرة تماما إلا من سطوة الخيال المغامر الذي ازداد حماسة عند كل تنازل من نظام يتداعى. كانت حسابات الواقع تقلقنا، ويثير أسانا ركون المجتمع إلى الاستقرار والأمان واستعادة الهدوء وحصاره المعنوي لحماستنا إلى المزيد. ولكن سطوة الخيال لم تدع لنا خيارا. من سيبتعد خطوات عن هذه الجماعة مع أي ادعاءات للحكمة يجد نفسه مرة أخرى في الواقع بعيدا عن لمسة الجنون الشائقة للخيال.

لقد ذهب الخيال إلى مداه. طارد الواقع وأمسكه من خناقه ثم - بلغة مواجهات الشارع – سحله خلفه في شوارع مصر... وسقط النظام!

اللحظة الجديدة التي تنتمي للخيال أكثر منها للواقع لا تزال تثير فزع هؤلاء الذين لم يجربوا أن يثقوا في خيالهم وأن يشتركوا في المغامرة.

الثورة مستمرة، والمجتمع المصري لم يقفز بعد فوق كل مشاكله. الأمرالواقع سيحاول محاصرة الثورة كل لحظة والخيال سيدفعها نحو المزيد.

ثقوا في خيالكم، تقبلوا المغامرة والمخاطرة. أمامكم حياة لتخترعوها!

من مدونة ما بدا لي.