رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

«المستبد العادل».. رائد نهضة مصر


«سياسة اللين والتهاون والطبطبة لا تصنع نهضة..
بل تصنع شعباً مليئاً بالكسالي والتنابلة والأفاقين«

سياسة اللين والتهاون و»الطبطبة» في الإدارة، لا يمكن أن تصنع نهضة في أي بلد في العالم.. بل تصنع شعباً من الكسالي والتنابلة والمتنطعين والمنتفعين والأفاقين.. ونحن في مصر في حاجة إلي إدارة حازمة صارمة قوية عادلة.. إدارة قادرة علي استنهاض الهمم للعمل الجاد المنضبط.. قادرة علي تطبيق مبدأ الثواب والعقاب علي الجميع.. الكبير قبل الصغير.. والوزير قبل الخفير.. وبدون ذلك لن تتحقق أي نهضة في مصر.. ولن تعود مصر إلي سابق عهدها كما كانت عندما كان العالم من حولنا يعيش في الظلام.
وهنا.. لن أذهب بعيداً  إلي عهد الفراعنة، حيث شهدت مصر نهضة  كبيرة في كل المجالات.. في الزراعة والصناعة والهندسة والبناء والفلك والعلوم والطب والري وغيرها من العلوم.. وكانت هناك في مصر دولة وإدارة ونظام  حكم.. بينما كان العالم من حولنا يعيش في ظلام.. غارق في الجاهلية.
هنا.. سوف أتوقف عند فترة زمنية مهمة في تاريخ مصر  الحديث.. «1805 ـ 1849» وهي فترة حكم محمد علي باشا لمصر.. وهي الفترة التي تحولت فيها مصر من دولة بلا اقتصاد، وبلا جيش.. إلي دولة ذات اقتصاد قوي.. وجيش استطاع أن يحارب في أوروبا شمالاً.. ووصل إلي الحبشة جنوباً.. وإلي الحجاز شرقاً.
كانت مصر قبل حكم محمد علي باشا عام 1805 تخضع لنفوذ الاستانة في تركيا من ناحية، وللاحتلال الفرنسي من ناحية أخري.. بعد رحيل الفرنسيين عن مصر عمت الفوضي البلاد.. وانفرد المماليك بالشعب المصري يقتلونه وينهبونه ويستولون علي ثرواته.. وكان محمد علي باشا القادم من  ألبانيا علي رأس قوة عسكرية قوامها ألف جندي يطمع في حكم مصر.. كانت لديه أحلام وطموحات ومشروع ورؤية لنهضة هذا البلد.. كانت لديه القوة العسكرية  المنظمة والمدربة.. لكن لم يحصل بعد علي التأييد الشعبي والقوة الشعبية التي تمكنه من تحقيق طموحاته.. وبذكاء نشر «محمد علي» جنوده الألبان في الشوارع لمنع المماليك من نهب المصريين وترويعهم.. ودخل في حرب ضروس ضد المماليك.. وقف «محمد علي» مع المصريين فأحبوه  وطالبوا بتنصيبه حاكماً لمصر رغم أنه لم يكن  مصرياً.. كانت النواة الأساسية والقائمة في عموم الشعب المصري تتكون من التجار والحرفيين والفلاحين ورجال الدين الذين من بينهم القضاة.. وكان هؤلاء القضاة والشيوخ والذين كان من بينهم الزعيم الوطني «عمر مكرم» ممن لهم الفضل في تزايد التأييد الشعبي الذي حظي به «محمد علي» لتولي حكم مصر.
عامان قضاهما «محمد علي» في معارك داخلية مع المماليك حتي تمكن من فرض قبضته علي البلاد ليبدأ معركة البناء والتنمية.. معركة  نهضة مصر الغارقة في الجهل والتخلف.
بداية  نقول.. ان «محمد علي» استعان بأهل الخبرة.. استقدم الخبراء والعلماء والمفكرين من فرنسا  وانجلترا وتركيا إلي مصر.. أرسل أبناء الفلاحين المصريين لتلقي العلوم العسكرية والطبية والهندسية في جامعات أوروبا.. اعتمد علي فلاحي مصر في التجنيد الاجباري، وبعد أقل من عام تمكن  من تجنيد 30 ألفاً من أبناء الفلاحين وألحقهم بمعسكر في منفلوط بصعيد مصر.. ثم أنشأ معسكرات أخري في القاهرة وأسوان.. استعان بالأجانب وخاصة الفرنسيين في تنظيم الجيش والبحرية والري والتعليم.. أنشأ المدارس العليا.. أرسل البعثات العلمية.. شيد القناطر الخيرية، وحفر كثيراً من الترع الرئيسية والفرعية.. وطور ميناء الاسكندرية.. ونشر الأمن في البلاد.. وفتح السودان.. وتغلب علي الوهابيين في الأراضي الحجازية.. وأخمد ثورة اليونانيين.. وحقق الجيش المصري في عهده عدة  انتصارات لكن انجلترا وفرنسا وروسيا حرمته من مواصلة  انتصاراته  وتقدمه.. كان «محمد

علي» يريد أن يجعل من مصر امبراطورية، لا تقل عن الامبراطورية  البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس.. لكن الغرب كعادته تآمر عليه.. ووقف ضد طموحاته وأحلامه.. ورغم ذلك واصل  «محمد علي» مشروعاته العملاقة لنهضة مصر.
لم يتوقف «محمد علي» عند هذا  فقط.. بل امتدت انجازاته في مصر.. فقد أحدث ثورة عمرانية هائلة.. بدأت منذ تصميمه علي إحداث نهضة علمية بإنشاء مطبعة بولاق لتكون مركزاً للطباعة والنشر والصحافة.. حيث ظهرت باكورة الكتب المؤلفة والمترجمة إيذاناً بنهضة علمية حديثة.. وفي مطبعة بولاق كانت تطبع الوقائع المصرية، أول جريدة رسمية للحكومة أسست عام 1828.. وهو من أنشأ دار المحفوظات أو الدفترخانة «ذاكرة الأمة» التي تحتوي علي 90 مليون وثيقة.. من بينها عرضحال خاص بأوقاف المسجد الأقصي ومسجد سيدنا ابراهيم الخليل بفلسطين، وفي عهده أيضاً أنشأ العديد من القناطر لضبط مياه النيل محدثاً طفرة زراعية هائلة ونهضة بشئون الري والمحاصيل.. وأنشأ المصانع الكبري، واهتم بالتجارة.. وأنشأ أول اسطول بحري مصري وأول منارة بالاسكندرية.. كما اهتم ببناء عشرات القصور في مختلف محافظات مصر، والتي مازالت قائمة حتي الآن شاهدة علي  انجازاته العظيمة.
لقد وصف «محمد علي باشا»، بالمستبد العادل.. وهنا أتوقف عند وصف «المستبد».. إذ كان يفرض عشرات الضرائب والمكوس علي الفلاحين.. وكان يطبق نظام السخرة.. وهو أمر غير مقبول.. فقد  كان يستخدم الفلاحين إجبارياً لحفر الترع وتطهيرها وتقوية  الجسور وحراسة شواطئ النيل أثناء الفيضان.. وكان يحق للدولةـ وقتها ـ نقل عمال السخرة من أي مكان في مصر.. وكانت السخرة تتم خلال تسعة شهور في السنة.. علاوة علي قيامه بذبح المماليك وإبعاد  القوي السياسية وتوزيع القبائل العربية المشاغبة بين الأقاليم المصرية، بحيث يكسر باستمرار التكتلات ضده.
لكنه ـ أي محمد علي باشا ـ علي الجانب الآخر قدم نموذجاً رائعاً للتحديث والنهضة واستخدام الأموال التي يجمعها من دماء شعبه في مشروعات عملاقة، عادت علي خزائنه بالمزيد من الأموال، وربما كان ذلك سبباً مباشراً في نجاح دولته واستمرار الحكم في أسرته طيلة 147 عاماً.
لو لم يكن محمد علي باشا والي مصر حازماً وصارماً وقوياً.. ولو لم تكن لديه رؤية وقدرة وشجاعة علي اتخاذ القرار.. ولو لم يكن قد استعان بأهل الخبرة والمعرفة والعلم  عن أهل الثقة.. ما نهضت مصر، وأصبحت دولة ذات وزن وثقل بين الأمم.