رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الفيل والبرغوث».. و»الضرب في سويداء القلب»

في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، احتدم الصراع بين النظام الحاكم،  والجماعات الاسلامية  المتطرفة.. الشوقيون، الناجون من النار، الجهاد، الجماعة الاسلامية..

وغيرها من الجماعات التي انشقت عن «الجماعة الاسلامية» واتخذت العنف في مواجهة الدولة.. وكنت وقتها أعرف عدداً من قيادات «الجماعة الاسلامية»..أمثال أسامة رشدي الهارب الآن في ألمانيا.. وأحمد عبده.. ود. علاء محيي الدين المتحدث الاعلامي للجماعة.. وماجد العطيفي.. والأخيران لقي مصرعهما برصاص الشرطة في القاهرة والجيزة.. التقيت مع كل هؤلاء عدة مرات.. وأجريت معهم حوارات في عقر دارهم في أسيوط.. حيث كان يقيم معظم  قيادات الجماعة المتطرفة.
لكن.. ما لفت نظري هناك..بل أصابني بالرعب ـ في  ذلك الوقت ـ هو ذلك الاتجاه أو المنهج الجديد الذي اتخذته «الجماعة الاسلامية» وركزت علي تلقينه وتحفيظه لأتباعها في مواجهة جديدة مع السلطة.. هذا المنهج الجديد أطلقوا عليه نظرية «الفيل والبرغوث».. وهي نظرية شيطانية.. إذ إن «الفيل» في مفهومهم هي الدولة بما تملك من أجهزة ومؤسسات قوية.. الجيش والشرطة والمخابرات وأمن الدولة..أما «البرغوث» فهي الجماعة الاسلامية والمجموعات المسلحة التابعة لها.
الفكرة سياسياً وعسكرياً لا تتفق مع مجريات التاريخ أو مع المنطق.. إذ أن »البرغوث» لا يمكنه مهما أوتي من قوة أن يواجه «الفيل» وجها لوجه.. خاصة أن «الفيل» يملك الطائرات والدبابات والصواريخ  وجيشا قويا ومنظما ومدمرا علي أعلي مستوي.. المواجهة غير متكافئة.. والمعادلة غير منطقية.. ونتيجتها معروفة من البداية.. «الفيل» سوف يسحق «البرغوث» بقدميه و»يفعصه» ويقضي عليه إلي الأبد.
كانت «الجماعة الإسلامية» تعي وتدرك جيداً أن المواجهة المباشرة مع الدولة  ستحسم نتيجتها لصالح الدولة..لذا كانت نظرية «الفيل والبرغوث» من وجهة نظر «الجماعة الاسلامية».. أن «البرغوث» هذا الكائن الضئيل والضعيف لكي ينتصر.. لابد له أن »يلبد» في أذن الفيل الضخم القوي.. ويظل يمتص دمه لشهور وشهور.. وهنا، إما أن ينهك «الفيل» ويصاب بالإعياء الشديد ثم سرعان ما يسقط ويتهاوي ويلقي مصرعه.. وإما أن يظل «الفيل» منشغلاً بعناء البحث عمن يقرصه ويمص دمه وينغص عليه حياته.. فيجبر علي الجلوس والتفاوض معه.. هذا هو المنطق الذي راهنت عليه «الجماعة الاسلامية» في مواجهتها مع الدولة!!.
علي أرض الواقع.. نفذت «الجماعة الاسلامية» المنهج الجديد في مواجهة الدولة.. نظرية «الفيل والبرغوث».. ولمدة عشر سنوات كاملة «1987 - 1997».. نفذت خلالها عدداً من العمليات الارهابية.. اغتيالات، تفجيرات، ترويع للمواطنين.. حيث فجرت عبوات ناسفة في شبرا والجيزة وميدان التحرير.. راح ضحيتها العشرات من المواطنين الأبرياء.. ثم نفذوا عمليات لاغتيال قيادات الدولة.. بدأت باغتيال د. رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب.. ثم محاولة اغتيال عاطف صدقي رئيس الوزراء.. ومحاولة اغتيال صفوت الشريف وزير الاعلام.. واللواء حسن الألفي وزير الداخلية.. واللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية.. والكاتب الكبير  مكرم محمد أحمد.. ومحاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا عام 1995.. وانتهت هذه العمليات الارهابية بمذبحة معبد حتشبسوت بالأقصر عام 1997 والتي راح  ضحيتها أكثر من 60 سائحاً.
كان الهدف  هو ضرب السياحة.. وضرب الاستثمار وهروبه من مصر.. واستنزاف الاقتصاد الوطني.. وهو ما قد يؤدي إلي نتيجتين لا ثالث لهما.. إما أن يحدث إفلاس للدولة.. وتوقف حركة التنمية وتمويل المشروعات الخدمية والجماهيرية.. وعجز الدولة  عن دفع أجور ورواتب العاملين بالحكومة.. أو أن تضطر الدولة مرغمة علي الجلوس مع هذه الجماعات الارهابية المسلحة، بما يعني الاعتراف بها، والتفاوض معها،  والوصول إلي اتفاق يضمن لها اقتسام السلطة والثروة.. والافراج عن معتقليهم!!
في نهاية الثمانينات أيضاً.. استوعب اللواء زكي بدر وزير الداخلية مخطط «الجماعة الاسلامية» ونظريتها المدمرة.. فرد علي تلك النظرية.. نظرية «الفيل والبرغوث» بنظرية أخري أكثر شراسة.. وهي نظرية «الضرب في سويداء القلب».. كان زكي بدر رجل أمن قويا ومحترفاً وجريئاً وعنيدا .. سياسته

بدأت بالمبادرة والمباغتة لتصفية قيادات التنظيم الارهابي.. كان يعنف ضباطه ويلومهم إذا ألقوا القبض علي أعضاء التنظيم أحياء.. كان يرفع شعار «أريد هؤلاء الإرهابيين أمواتاً لا أحياء».. وأذكر أن أكثر من 40 من قيادات  «الجماعة الإسلامية» تم تصفيتهم برصاص الشرطة.. كان علي رأسهم ماجد العطيفي ود.علاء محيي الدين.. بعد  إقالة زكي بدر عام 1990، تم تعيين اللواء عبدالحليم موسي خلفاً  له.. وكان يشغل قبلها محافظاً لأسيوط.. وكان «موسي» يعرف أعضاء تلك الجماعة اسماً اسماً.. بل كان يستقبلهم في مكتبه بديوان المحافظة.. وساعد الكثيرين منهم في الحصول علي عقود عمل في السعودية «!!».. لكن عندما تولي «موسي» وزارة الداخلية واصل سياسة سلفه زكي بدر.. وسياسة «الضرب في سويداء القلب».. وتم في عهده تصفية أضعاف ما قام بتصفيتهم زكي بدر.. ثم استمرت  تلك السياسة من بعده في عهد اللواء حسن الألفي.. والسنوات الأولي لتولي اللواء حبيب العادلي الداخلية.. والأخير هذا تمت في عهده المراجعات الفكرية داخل السجون.. وهي المراجعات التي اعتذر فيها قيادات الجماعات الارهابية عما اقترفت أيديهم من جرائم في حق الدولة والشعب.. بل اعترفوا فيها بفشل نظريتهم «الفيل والبرغوث».. فلم يتمكن «البرغوث» من هزيمة «الفيل» أو إسقاطه وطرحه أرضاً.. أو حتي زحزحته من مكانه.. بل أن «الفيل» هو الذي دهس  «البرغوث» وسحقه وسواه بالتراب.. بعدها ظلت مصر تنعم بالاستقرار لمدة 10 سنوات، سوي من ثلاثة تفجيرات.. اثنان في سيناء.. وثالث في الاسكندرية أمام كنيسة القديسين.
بعد ثورة 30 يونيو 2013 واسقاط حكم الاخوان الفاشي والفاشل وبعد قناعتهم بأنه لا عودة إلي الوراء.. وأن أحلامهم وأطماعهم في خطف مصر مرة  أخري ذهبت إلي غير رجعة.. عادت إلي رأس وعقل قيادات جماعة الاخوان الارهابية  النظرية القديمة التي ابتدعتها «الجماعة الاسلامية» في نهاية الثمانينات.. وفشلت في تنفيذها وتحقيق أهدافها بعد 10 سنوات من الصدام والاغتيالات ونزيف الدم والاعتقالات والاعدامات والمطاردات.. ثم بعدها ركعت للدولة واعتذرت بعد أن دفعت الثمن غالياً.
اليوم.. الاخوان المسلمون الارهابيون.. لم يتعلموا الدرس.. الغباوة ملأت قلوبهم  وصدورهم وعقولهم.. هم الآن يكررون نفس السيناريو ونفس النهج الذي سلكته من قبلهم «الجماعة الاسلامية».. لكن ما يزيد علي ذلك أنهم يريدون هدم الدولة فوق رؤوس الشعب المصري كله.. «علي وعلي أعدائي».. واعداؤهم ليس فقط الجيش.. أو الشرطة.. أو عبدالفتاح السيسي.. عداؤهم كل من لا ينتمي الي تنظيمهم الإرهابي «!!».
إنهم أغبياء.. مازالوا يعتقدون أن» «البرغوث» يستطيع أن يسقط «الفيل».