عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دعوة إلى «محلب» لزيارة المرج وعين شمس والخصوص والمطرية

«مبارك» لم يقتل المتظاهرين.. بل قتل شعباً بأكمله

الصدفة وحدها قادتنى للذهاب الى أحياء المطرية والمرج والخصوص وعين شمس.. وهى مناطق متلاحقة ومتلاصمة ومتداخلة مع بعضها  البعض.. تشكل كتلة واحدة بشرق القاهرة.. هناك اكتشفت كارثة.. كارثة لا يمكن السكوت عنها.. لأن السكوت جريمة فى حق الوطن إذا كنا نريد أن يكون لدينا وطن يحترم مواطنيه ويرعاهم ويحقق مبدأ العدالة والمساواة بين أبنائه.
أنا أقيم فى مدينة نصر.. ذلك الحى الذى يحظى باهتمام كل المسئولين فى الحكومة.. شوارع مرصوفة كالحرير.. أعمدة إنارة تجعل الليل نهاراً.. إشارات مرور إلكترونية.. أرصفة تحترم آدمية المشاة.. شوارع متسعة نظيفة لا قمامة فيها.. أسواق حضارية.. مبان تسر الناظرين..هنا الوجه الحضارى للعاصمة.. وهنا ـ أيضاً ـ يسكن الكثير من المسئولين.. وزراء ورجال صحافة وإعلام وبزنس.. هنا إذ انشرت شكوى فى أى وسيلة إعلام ستنقلب الدنيا ولا تقعد حتى يتم إنهاؤها.. مثلاً: إذا انفجرت ماسورة مياه ـ وهذا نادراً ما يحدث ـ سيسرع رئيس الوزراء لتشكيل غرفة متابعة تحت إشرافه.. ستجد المحافظ ينتفض.. ورئيس الحى يهرول.. وفجأة تظهر المعدات والآلات وجيش من العمال.. ولن يعود أحد من هؤلاء الى بيته قبل أن يرجع الشىء الى أصله.. لأن هنا فى مدينة نصر توجد دولة.. وقانون.. ونظام حكم.
أما هناك.. فى المطرية والمرج والخصوص وعين شمس ـ وهى مناطق يقطنها ما يزيد على 2 مليون مواطن ـ فلا يوجد قانون.. ولا يوجد نظام.. ولا توجد دولة.. العشوائية والفوضى هما السمة السائدة للمبانى والشوارع وحياة البشر.. الناس هناك محرومون مهملون منسيون بفعل فاعل.. الشوارع ضيقة للغاية.. وغير مرصوفة.. وغير مضاءة.. القمامة منتشرة في كل مكان.. لا توجد وسائل مواصلات حكومية أو آدمية.. البلطجة هى القانون الوحيد الذى يحكم حياة البشر.. المياه غير صالحة للاستخدام الآدمى.. الصرف الصحى يغرق الشوارع والبيوت.. مصارف زراعية قديمة ردمت، واستولى عليها بلطجية وأقاموا عششاً وأوكاراً لتجارة المخدرات وممارسة الدعارة.. المدارس  والمراكز الصحية لا تخضع لأى رقابة.. وكذلك الأطعمة التى تباع للناس هناك لا تخضع للرقابة وغالبية هذه السلع اما منتهية الصلاحية أوانتجتها مصانع بير السلم.. فمثل هذه المناطق التى لاتوجد فيها رقابة أو دولة هى أسواق رائجة لمثل هذه السلع الفاسدة1!
هنا.. وهنا فقط أدركت لماذا يخرج الناس فى مظاهرات شبه يومية ضد الدولة، وضد الحكومة، وضد مصر.. هنا أدركت لماذا هم غاضبون.. يائسون.. لقد تجاهلتهم الدولة سنوات طويلة.. وتركتهم يغرقون فى الوحل.. استغل «إخوان الشيطان» معاناتهم فحرضوهم ضد الدولة وضد النظام وضد السيسى «!!».
صحيح أن الرئيس عبدالفتاح السيسى وحكومته غير مسئولين عن هذه الجريمة.. وصحيح ـ أيضاً ـ أن الرئيس السابق محمد مرسى ولا حكومته غير مسئولين ـ كذلك ـ  عن هذه الجريمة..  ولا يمكن محاسبة أحدهما عما حدث ويحدث الآن فى هذه المناطق.. لكن لا يمكن إعفاء الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونظامه الفاسد من تحمل المسئولية كاملة.. نعم..يجب محاسبة ومحاكمة مبارك على هذه الجريمة.. هو الذى ترك هذه المناطق العشوائية على مدى 30 عاماً تنمو وتكبر كالسرطان حتى وصلت الى ما وصلت اليه الآن.. فى بداية الثمانينيات كانت غالبية هذه المناطق أراضى زراعية تنتج الغذاء لسكان القاهرة.. مبارك ونظامه الفاسد تركا هذه المناطق لعصابات تقسيم الأراضى لبيعها بالقطعة.. لم تتدخل الدولة لوقف تبوير تلك الأراضى.. ولم تتدخل ـ حتى ـ لوضع تخطيط عمرانى «!!».. تركت عصابات تقسيم الأراضى تفعل

ما تشاء..وكانت النتيجة كتلاً سكنية عشوائية ضخمة يسكنها ملايين البشر.. حياة هى أقرب الى حياة المواشى.
وهنا أذكر ما حدث فى  حى امبابة عام 1994 عندما أعلنت جماعة إسلامية متطرفة قبضتها على الحى وأطلقت عليه «جمهورية إمبابة» ونشرت وكالة «رويترز» حواراً مع أمير الجماعة ادعى فيه انه هو زعيم «جمهورية إمبابة».. وقتها انتفض مبارك.. وأرسل جيشاً قوامه 15 ألف جندى وضابط أمن مركزى، حاصروا امبابة لمدة شهر حتى تمكنوا من القاء القبض علي الزعيم الوهمى وجماعته.. انتفض مبارك خوفاً على كرسيه.. هذا ما يهمه.. هذا ما يعنيه.. لكنه لم ينتفض ولم يلتفت لما كنا نكتبه وقتها.. من أن اهمال الحكومة للمناطق العشوائية حولها الى بؤر للإرهاب.. بل الي مصانع لتفريخ الإرهاب.. لصناعة جيل وشعب كاره للدولة.. لا يعرف الانتماء لهذا الوطن.. كنا نحذر من ان العشوائيات سوف تتحول الى قنابل تنفجر فى وجه الجميع.. لكن «مبارك» لم يفهم.. ولم يستوعب.. ولم يتعلم الدرس.. فترك الحبل على الغارب حتى نمت فى مصر كلها الاف العشوائيات التى نمت وامتدت على حساب الأراضي الزراعية بعد تبويرها.. حتى أصبحت المشكلة مستعصية الحل.. علاجها يحتاج الى مئات المليارات من الجنيهات لكى يتم تطويرها وتحويلها الى مناطق يمكن أن يعيش فيها بشر ينتسبون لهذه الأرض وهذا الوطن.
إن «مبارك» لم يقتل المتظاهرين.. بل قتل شعباً بأكمله.. ويجب أن يحاكم على هذه الجريمة فى حق مصر وشعبها والذى سيظل عشرات السنين يدفع ثمن تقاعس وإهمال وأخطاء وجرائم «مبارك» ونظامه الفاسد.
وهنا ـ أيضاً ـ أقول للرئيس عبدالفتاح السيسى.. إن العشوائيات هى قضية أمن دولة.. إهمالها سيخلق أزمات كثيرة للوطن واستقراره.. فهى مازالت معامل لتفريخ الإرهاب والتطرف وتجارة المخدرات.. وهى مدارس لتعلم فنون السرقة والنهب والتخريب.. ومصر بعد ثورتين عظيمتين مازالت غائبة عن تلك العشوائيات.. لم تصل يد الإصلاح اليها.. ولم تصل يد العدالة الاجتماعية الى سكانها.. ولم يصل مسئول واحد ليطفئ النار التى فى صدور ساكنيها.. ولماذا لم يذهب المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء الى الخصوص وعين شمس والمطرية والمرج؟!.. لماذا هو بعيد عن العشوائيات التى يعيش سكانها فى جحيم كل يوم.. بل كل ساعة.. إننى أدعو المهندس محلب الى أن يذهب الى هناك.. وسوف يكتشف الكارثة بنفسه.