عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من قال إنه رحل؟

فراغ قاتل غمرنى منذ أن رحل عنا قداسة البابا شنودة الثالث فى17مارس 2012. واليوم تستدعى الذكرى الثانية لرحيله السيرة العطرة لهذا القديس الحكيم، فهو عظيم من عظماء العصر، عالم لا يشق له غبار، موسوعى المعرفة فى شتى المجالات الدينية والفلسفية والسياسية، فيلسوف يجيد تنظير القضايا ويدلف الى حلها بشفافية نادرة، جمع بين الروحانية العالية والعلم الغزير والموضوعية المدققة، بطبيعته التلقائية الرحبة تعامل مع الجميع بحب وافر وثقة مفرطة، بيد أنه أحياناً ألا يقترب من أية إشكالية سياسية عملاً بالآية التى وردت فى العهد القديم التى تقول: «فليصمت العاقل فى ذلك

الزمان لأن الأيام شريرة».

قبل رحيله حزيناً التزم الصمت على ما آل إليه الوضع فى مصر وفى دول عربية فى أعقاب ما سمى بثورات الربيع العربى والذى ما لبث أن تحول الى جحيم لنشر الفوضى وإشاعة العنف والإرهاب، وكان محقاً فى حزنه، فلقد اختلطت الأوراق وقلبت المعايير وساد العنف وغاب الأمن والاستقرار واجترأ الصغير على الكبير وأدى هذا الى سقوط هيبة الدولة، وانعكس هذا بالتالى على فطرة الإنسان وعلى أفكاره ومعتقداته فكان الانحراف والهذيان والقلق والاضطراب نتيجة طبيعية لما يحدث فى المجتمع وعندما لجأت الى قداسته فى محاولة للوقوف على رؤيته حيال التطورات جاءنى صوته حزيناً وقال: «لن أعلق، يمكنك اعتبارى خارج الخدمة»،وهنا تذكرت فلسفته فى التعامل مع الأحداث، فلقد كان يرى أن هناك فرقاً بين الإيمان بالحقيقة وبين الإعلان عنها، وبأن الكلمة ليست فى ذاتها حقاً أو باطلاً ولكن المهم وقعها على الناس وما الذى قد تسفر عنه من ردود فعل، فالكلمة مسئولية وبالتالى يجب ألا يسبق الكلام التفكير وانما التفكير هو الذى يجب أن يسبق الكلام، وكثيراً ما قال لى فى معرض تعقيبه على بعض الأسئلة التى أطرحها  عليه: «الإنسان الحكيم يعرف متى يصمت ومتى يتكلم، فالكلمة أحياناً تكون مطلوبة لإصلاح الأمور وهنا لا يمكن الصمت، كما أن الإنسان حينما يتكلم لابد ان يشعر بأن كل كلمة لها رسالة وهدف، فإذا رأى أن الكلام لا يأتى بهدف أو أنه قد يساء تأويله أويجلب ضرراً فعندئذ الصمت أفضل عملاً بآية فى العهد القديم تقول: «فليصمت العاقل فى ذلك

الزمان لأنه زمن ردىء».
كان قداسته دوماً يرجو للعالم ان تصلح موازينه وأن يعود اليه الهدوء وأن يسود السلام على الأرض، ان لم يكن مطلقاً فالسلام النسبى الذى يمكن الحصول عليه، وأن يعيش الناس فى أمن لا يخافون من إرهاب أو عنف أو ترويع، انه قداسة البابا شنودة الراصد لحقيقة الحياة بوصفه عالم الدين الذى لا يضارع والبارع فى تحليل النفس البشرية، ومن ثم كان الجلوس بصحبته كفيلاً بأن يغسل الروح مما علق بها من شوائب، كان قداسته بإنسانيته الآسرة قادراً على أن يُضفى على من حوله الشعور بالأمن والأمان، حتى إذا كانت فى حضرته فإن روحانيته العبقة كفيلة بأن تغسل أعماقك من أدران مشاكل الحياة اليومية.
جسد قداسته تراثاً روحياً عبقاً يعيش بيننا نستأنس به ونستدعيه وقت الشدة ليباركنا ويشد من أزرنا خاصة فى أوقات المحنة والأجواء الضبابية التى تغلف مجتمعنا اليوم، ولهذا نستدعى اليوم القيم والثوابت التى كان قداسته يتحدث عنها بتعبيرات وصيغ تمور فى داخل كل من استمع إليها، انه رجع الصدى الذى تفرضه قوانين الطبيعة لقد ترك قداسته لنا تراثاً روحياً إنسانياً باقياً ما بقيت الأرض، وترك لنا كلماته الوضاءة بنور المعرفة وقدسية النبرة، لهذا كله فإن سيدى القديس البابا شنودة مازال بيننا ولم يرحل، فروحه الحرة ما زالت تعيش فينا وتغدق علينا كل القيم الرائقة والمفاهيم الإنسانية الدقيقة والأخلاق فى أجل معانيها، انه قداسة البابا شنودة نور لا ينطفئ.