رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثمن ندفعه.. وترفضه اليابان!

في عام 1997، أعلن مركز إحصاء ياباني، أن معدل الانجاب المتراجع في اليابان، ينذر بالخطر الداهم علي المدي البعيد، وأن هذا المعدل لو مضي علي وتيرته التي كان يمضي عليه وقتها، فإن آخر ياباني سوف يختفي من فوق الأرض، بعد ثمانية قرون!.. وكان معني هذا أن تفكر الحكومة اليابانية، بسرعة، في طريقة تغري بها مواطنيها علي الانجاب، وهو ما حدث فعلاً، ولا يزال يحدث، في صورة منحة شهرية يجري صرفها لكل من ينجب طفلاً جديداً.

وحين كنت في اليابان، الأسبوع الماضي، تابعت عن قرب، كيف أن الحكومة اليابانية تواجه حالة من العجز المتزايد، في موازنة الدولة، وتبحث، بالتالي، عن وسيلة تواجه بها هذا العجز، الذي يعني ببساطة، عدم قدرة موارد الدولة، علي مجاراة نفقاتها!.. وهو بالضبط، ما نواجهه نحن، بقوة، منذ ما بعد الثورة، إلي الدرجة التي بلغ فيها العجز في الموازنة لدينا 134 مليار جنيه!
بحث الحزب الديمقراطي الحاكم في اليابان، عن طريقة يواجه بها عجز ميزانية الدولة، فانتهي إلي أن هناك أكثر من وسيلة يمكن بها مواجهة العجز، وكلها وسائل ليس من بينها، في تقديره، الاقتراض من الخارج الذي لجأنا إليه، علي مستوانا، واستبعدنا لأسباب غير مفهومة، أي وسيلة محلية يمكن اللجوء إليها، ويمكن لها أن تسعفنا!
وهناك جدل هائل هذه الأيام، في العاصمة اليابانية طوكيو، حول الطريقة التي قرر بها الحزب الحاكم، مواجهة عجز ميزانيته التي يحكم بها، وهذه الطريقة هي رفع نسبة ضريبة الاستهلاك التي يدفعها أي ياباني عن أي سلعة يشتريها علي أرض بلده، أو أي خدمة يحصل عليها من حكومة بلده!
الضريبة قيمتها 5٪، وكانت من قبل 3٪، وتتجه النية مع تزايد معدل عجز الميزانية، إلي رفعها لـ 10٪، وهو الأمر الذي يثير ضجة هائلة هناك، وتتمسك المعارضة، وعلي رأسها الحزب الليبرالي، برفضها، علي أساس أن الأخذ بها معناه مواجهة عجز الميزانية من جيوب المواطنين وحدهم، وفرض حالة من الركود علي الأسواق.
الجدل لا يزال جارياً، وهناك تصميم من جانب الحزب الحاكم علي تطبيق الضريبة بالزيادة الجديدة، ويؤكد الحزب، يوماً بعد آخر، أنه لا وسيلة أخري أمامه يمكن أن يلوذ بها، في مواجهة عجز ميزانية لا يعرف كيف يوقفه عند حدوده المعقولة!
وإذا كان هناك شيء يمكن أن يقال عن البديل

الذي لجأت إليه حكومة اليابان، في مواجهة عجز ميزانيتها، فهذا الشيء هو أنها فضلت بدائلها المحلية، ورأت ولا تزال، أن التقشف في الانفاق العام، ورفع نسبة الضريبة إياها، يظل أفضل، في النهاية، من أي بدائل أخري، قد تكون متاحة ومغرية، الآن، ولكن عواقبها تبقي مدمرة في المستقبل، وعلي رأس هذه البدائل المدمرة، التفكير في الاقتراض من الخارج، وهو ما فكرنا نحن فيه، ومضينا في سبيله مع الصندوق والبنك الدوليين!
أعرف أن اقتصاديين محترمين لا يجدون في الاقتراض الخارجي لمواجهة عجز الميزانية، ضرراً يذكر، ولكن ما نعرفه، في المقابل، أن حكومة مثل الحكومة اليابانية، تعيش معنا علي الأرض، وليس فوق القمر، وقد كان في إمكانها أن تقترض مثلنا، أو علي طريقة اليونان في اقتراضها من الاتحاد الأوروبي، ومن غيره، ولكن الدولة اليابانية تدرك جيداً، أنه ليس هناك قرض بلا ثمن، تدفعه هي صاغرة من كرامتها، اليوم، أو تدفعه أجيالها من حياتها، في شكل أعباء مضافة، في المستقبل، ولذلك استبعدوا تماماً، بديل الاقتراض، وقرروا أن يكون البديل محلياً مجرداً، حتي ولو كان مراً شديد المرارة.
وإذا كانت الحكومة المصرية قد خضعت في نهاية المطاف، للإدارة الأمريكية، وأفرجت عن متهميها، في ملف «التمويل الأجنبي» التي يشعر كل مصري إزاءه ما جري فيه بغصة في حلقه، فإن هذا الخضوع، من جانب حكومتنا، شديد الصلة بعجز ميزانيتها، ورغبتها في مواجهتها بالاقتراض الخارجي، فلم يكن أمامها، ولا أمامنا، والحال هكذا، إلا أن ندفع الثمن، مادمنا قد اخترنا هذا الطريق.