عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوحيد الذي استوعب درس تونس!

التعاطف الكامل مع أصحاب محاولات الانتحار حرقاً، التي وقعت في طول البلاد وعرضها، علي مدي الأيام الماضية، لا يتناقض مع ضرورة الاعتراف بأنها كلها، قد غلب عليها نوع من التقليد الطفولي لما جري في تونس، حين أشعل الشاب »محمد بوعزيزي« النار في نفسه، فأطلق ثورة أطاحت بالرئيس زين العابدين!

يغلب علي المحاولات كلها، نوع من التقليد الطفولي، لأنه إذا كان ممكناً لأي ثورة شعبية تشتعل في بلد، أن تنتقل فوراً إلى البلاد المجاورة بالصورة نفسها، والطريقة نفسها، ما كان حاكم في عالمنا العربي قد بقي علي كرسيه، بعد ثورة الإيرانيين ضد الشاه عام 1979، وما كان حاكم في عالمنا العربي ذاته، قد بقي أيضا علي كرسيه، بعد الثورة المشابهة التي كانت قد اشتعلت في السودان عام 1964، وأطاحت وقتها بالفريق عبود من رئاسته!

ومن المؤكد، أن كل شاب مصري، من الأربعة شباب أو الخمسة الذين أشعلوا النار في أنفسهم، منذ واقعة »بوعزيزي« إلي الآن، كان يفعل ذلك، بدافعين أساسيين، أولهما الرغبة في لفت الانتباه بما يكفي، إلي أن لديه مشكلة مزمنة ولابد أن تجد حلاً، بعد أن ضاقت به السُبل، وثانيهما العثور فعلا علي حل للمشكلة، وهو ما حصل فعلا، مع بعض الحالات.

ومن المؤكد كذلك، أن كل شاب من هؤلاء الشباب الأربعة أو الخمسة، كان علي يقين وهو يشعل في نفسه النار، بأنه ليس من الضروري أن يؤدي إشعاله النار في ثيابه وجسده، إلي تغيير النظام في البلد.. أي بلد.. وإلا كانت الحكاية سهلة للغاية، وكان علي كل شعب يضيق بحاكمه، أن يقدم واحدا فقط من أفراده، ويضحي به، محترقاً، ليسقط النظام علي الفور!

هذا تفكير ينقصه المنطق، ولن يؤدي في كل الأحوال، إلا أن يفقد صاحب هذا التفكير، نفسه، ليبقي الوضع فيما بعد، علي حاله، دون أدني تغيير!

والشىء الغريب، أن الحكومات في عدد من البلاد العربية، بما فيها مصر، قد فكرت مع الأسف بالطريقة القاصرة نفسها!

فقرأنا، علي سبيل المثال، أن حكومتنا قد قررت وقف زيادات في الأسعار، كانت تنوي إقرارها، وقرأنا أنها تستجيب لبعض المحتجين علي سوء أوضاعهم هنا، أو هناك، بسرعة، وتبادر إلي حل مشاكلهم بطريقة ايجابية، لم تكن موجودة من قبل.. وقرأنا علي لسان بعض مسئولينا الكبار، ما يفيد أنهم

يحفزون الحكومة، بكافة أعضائها، علي عدم التعنت مع المواطنين، فيما يتصل بمشكلة كل واحد فيهم.. وقرأنا.. وقرأنا.. إلي آخره!

وقرأنا عن إجراءات مماثلة، في عدد من الدول المحيطة، بينها سورية علي سبيل المثال!

ثم قرأنا أن حكومة الكويت، هي الأخري، قد قررت ـ فجأة ـ صرف ثلاثة آلاف وخمسمائة دولار، لكل مواطن، علي سبيل المنحة، مع تقديم وجبات مجانية من الغذاء، لحاملي البطاقات التموينية، علي مدي 14 شهرا من الآن!

ولا يحتاج المراقب لما يجري، إلي جهد كبير، ولا إلي ذكاء خطير، لكي يدرك، أن كل هذه الإجراءات، علي مستوي كل حكومة، قد جاءت في سياق رد الفعل، علي ما جري في تونس، ولم تكن بالتالي، نوعا من الفعل القائم بذاته..

ولا يحتاج المرء، إلي جهد، ولا إلي ذكاء، لكي يدرك، أنها كلها، كإجراءات احترازية، قد تعاملت مع الشكل في موضوع تونس، ولم تتعامل مع المضمون!

وسوف نكتشف في النهاية، أن الحاكم الوحيد الذي تعامل فعلا مع مضمون الموضوع، وليس مع شكله، هو الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي سحب علي الفور، مشروع قانون كان حزبه الحاكم قد تقدم به، قبل أسبوعين، لتعديل الدستور، بما يجعل بقاءه هناك، كحاكم، مدي حياته!

سحب الرجل مشروع القانون، وأبقي علي دستور بلده، كما هو، وقال إن الحاكم تكفيه فترتان رئاسيتان لا تزيدان يوماً واحداً.. فليس سراً، أن أحداث تونس، لها أسباب كثيرة فرعية، مع سبب أساسي وحيد، هو بقاء الحاكم في المنصب، بأكثر من اللازم، هذا هو أصل الداء!