رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إدينا الإشارة ياريس

 المعتصمين أمام المحكمة الدستورية العليا , نجحوا فى مهمتهم المقدسة , بمنع  قضاة المحكمة من دخولها وممارسة عملهم للفصل فى الدعاوى المنظورة أمامها , وبينها  دعاوى حل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى .. مع  تهديد قضاة  محكمتنا العليا بالإغتيال وحرق المحكمة

, فى ظل غياب وتواطؤ شرطى تام لحساب وصالح الحُكام الجدد , وكأن اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية فى سعيه للحفاظ على  منصبه  وملايين الجنيهات التى يتقاضاها شهريا , لم يستوعب دروس الماضى القريب بعد ثورة 25 يناير , وإنما كل مايعنيه هو أن يرضى عنه السادة الجدد أو آبانا الذى  فى قصر المقطم ( المقر الرئيسى لجماعة الإخوان المسلمين ), وأعنى مرشد الجماعة أو نائبه المهندس خيرت الشاطر الذى يمسك بخيوط الحكم ويديره من خلف الستار, كما فى  نظرية "مراكز القوى" .. بأن يدير شخص أو مجموعة أشخاص أمور الدولة أو بعضها  دون أن تكون لهم  مناصب رسمية , أى أنهم يمارسون  سلطات وصلاحيات دون أدنى مسؤليات أو إمكانية للمحاسبة وقت اللزوم .. بل إن الرئيس مبارك الذى ألصقنا به كل نقيصة , حينما  بدأ حضور جمال مبارك على الساحة السياسية , رأى أن يوليه  منصبا سياسياً بالحزب الوطنى الديمقراطى( المنحل ) , كى يكون له صفة رسمية يتصرف ويتدخل من خلالها , وعلى كلٍ , فإن موضوع (مراكز القوى ) ليس قضيتنا فى هذا المقال.    
نعود لهؤلاء المعتصمين أمام الدستورية العليا , والمطالبين ب"حل" المحكمة , كى يوفروا غطاءً شعبياً زائفاً للرئيس الدكتور محمد مرسى لإصدار قرار من قراراته (المحصنة ) , بالحل  خلاصاً  منها وإنتقاما من قضاتها , رجوعاً بمصر إلى غياهب الجهل والظلم والتخلف , على غرار نظام البشير الذى تقسمت السودان على يديه إلى دويلات , أو الصومال حيث الإفتتال القبلى , وفى أحسن الأحوال, نكون مثل ( أهلنا فى غزة ) الذين  يصلون نار الجحيم تحت حُكم  الإخوان الحمساويين , ولاحول ولاقوة إلا بالله .
لو كانت  (الجماعة ) تفقه وتعقل, لعرفت أن مصر أكبر منهم , وأن جذور قضائها  أقوى من أن تقتلعة هتافات المستأجرين ب100 جنيه و50 لكارت الشحن , ووجبات الكنتاكى أو هارديز الأمريكية (الشيطانية)  , إستغلالاً من "االإخوان" للبطالة والعوز والإحتياج , حيث قاموا  بإستئجار عشرات الآلاف من العاطلين والمحتاجين , من كافة إنحاء مصر, لتبدو أعدادهم والسلفيين كبيرة.
لو كان الإخوان يقرأون تاريخ  مصر التى يختطفونها حالياً , ربما بالدماء لاحقاً , لعلموا أنها كانت تُسمى قديما ,  "أرض النيل والماعت" , عندما كانت  فى أزهى  عصورها قبل آلاف السنين , من ميلاد الشيخ حسن البنا مؤسس تنظيمهم   أو جماعتهم  فى العشرينات من هذا القرن ..هذا المسمى لمصر القديمة  يبين لنا الأعمدة التى قامت عليها الحضارة الفرعونية , عندما أشرقت  بنورها على الدنيا , وقت أن كانت أوربا تعيش فى الظلمات وقبل أن تعرف البشرية أمريكا أو (الشيطان الأعظم ) الذى يقدسه الإخوان الآن وربما يعبدونه من دون الله ,من أجل مُلك  مصر..فقد قامت هذه الحضارة  وأزدهرت فى الشق المادى منها على  نهر (النيل) منبعاً  لكل الخير والرفاهية  والنماء , وأما الأساس الأخلاقى والمعنوى فكان هو  (الآلهة ماعت)  التى تجسد  قيم الحق والعدل والنظام والتنظيم , وبهذه المبادئ المقدسة عند القدماء ,عرفت مصر السلطة القضائية  , وأعلت من شأن ومكانة القضاة , منذ آلاف السنين .. قبل أن تطل علينا طيور الظلام وتملأ الفضاء من حولنا تؤذى ناظرينا وأسماعنا وتلوث أفئدتنا وتنشر الفتن والأحقاد , وتثير فينا الإشمئزاز والغضب والألم على حال مصرنا التى تسقط بيد هؤلاء التتار الجدد الذين لايعرفون سوى الهمجية والغلظة وسوء القول والمسلك.. كل ذلك وللأسف متسترين بالدين الذى

هو منهم براء , إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن ( الدين المعاملة) ..من يرجع  إلى التاريخ الفرعونى أو موسوعة مصر القديمة  للأثرى  سليم حسن ,  سوف يعرف أن  مصر الفرعونية , كان بها   نظام قضائى متجذر فى أعماق التاريخ , يتم التقاضى فيه على درجتين , يترافع فيه  صاحب الشان  عن نفسه ,  بمرافعات مكتوبة , فلم تكن المحاماة قد ظهرت ..وفيه نيابة تشبه النيابة العامة , ومحكمة بكل إقليم , ثم المحكمة العليا وهى واحدة بالعاصمة  للطعن على أحكام محاكم الأقاليم, وهناك المحكمة الإدارية تشبه محاكم مجلس الدولة  الحالية , و كان القاضى يُعَين من الفرعون ويحكم بأسم الملك الذى كان هو نفسه الإله .. كان قضاءً مدنياً لم يصطبغ بالطابع الدينى , و عادلاً مع ذلك , لأن قدماء المصريين كانوا يقدسون إلهة العدل ( ماعت)  , وهى على هيئة سيدة تعلو رأسها ريشة النعام , وتمسك بإحدى يديها مفتاح الحياة وبالثانية صولجان الحكم , و لها فعل السحر على القضاة , لذلك فقد كانوا يضعون شروطاً قاسية وصارمة فيمن يتولى القضاء من الموظفين ..هذا التاريخ ينبئ بأن  إحترام القضاء والقضاة هو من مستلزمات التحضر والتقدم  فى أى دولة تريد لنفسها شأنا أعلى .. لايخلو الأمر من بعض الفترات السوداء فى تاريخ مصر كما هو حالنا الآن , قد تنتكس سلطة القضاء , كما فى مجالات أخرى , لكنها مصر سرعان ما تسترد العافية وتحتفظ بعراقة وأصالة مؤسساتها وتقاليدها , رغم أنف الكارهين.
لو كان الإخوان يفقهون هذا التاريخ , لعرفوا وتأكدوا ان قضاء مصر هو من أقدم المؤسسات وأعرقها فى أركان المعمورة , وأقوى من تقتلعه هتافات المأجورين أو قرارات الرئيس المتحصن  بقصر الإتحادية , والذى حاول فى أول خطبه بميدان التحرير عقب إعلان فوزه بالرئاسة , أن يوهمنا  بأن تاريخ مصرهو مرادف لتاريخ (الجماعة) , بادئاً  بالعشرينات مع ميلاد شيخهم ونبيهم البنا ,ولم يكن هذا  الوهم صحيحاً على الإطلاق , مثلما أن إعتصام المأجورين وهتافاتهم بضاحية  المعادى أمام الدستورية العليا ( إدينا الإشارة ياريس .. وإحنا نجيبهم لك فى شيكارة ) ,  لن تنال من قضاة المحكمة العليا , ولامن قضاة  مصرعموما ..فهم  عظام وسترتفع قاماتهم أعلى وأعلى , وسيبقى قضاء مصر عريقاً , راسخاً , شامخاً يأخذ من التاريخ مدداً يعينه على الصمود والتصدى للغزاة التتاريين الجدد ..تسلمى  يامصر من كل شر .
(كاتب وصحفى)
[email protected]