عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فلذات الأكباد

المصيبة   التى ألمت بنا فى أسيوط عندما دهس الإهمال الغشوم بوحشيتة 67 طفلا بريئا فى عمر الزهور , وطحن عظامهم بلا رحمة ولاشفقة , وأحال منهم 50 طفلا أو يزيد إلى أشلاء , هى كارثة إنسانية تدمى القلوب المتحجرة ,صعدت أرواحهم الطاهرة  إلى بارئها , تصرخ وتستغيث من جبروت الظلم والطغيان والوحشية التى تجسدت فى  قطارأسيوط 

,الذى أغتال فلذات الأكباد التى تمشى على الأرض ,  فليس أصعب ولا أقسى على الأباء من أن يَمسْ الأبناء أى قدر من الألم ولوكان بسيطاً أو حتى مجرد لسعة برد فى ليالى الشتاء , فما بالنا ومشهد لملمة الأشلاء المتناثرة  بين حبات الزلط  الصغيرة وسط قضبان السكة الحديد , فى مكان  الفاجعة .. لقد كانت أمى - رحمة الله عليها – كلما ودعت واحد منا وإخوتى إلى المدرسة ,أو خروجا من المنزل  فى سفر قصير إلى  مدينة  مجاورة , تدعو الله بدعائها الأثير " يارب أجعل يومى قبل يومكم يا ولادى" , وعيت للدنيا , وأنا أسمع منها هذا الدعاء , وفى البدء لم أكن أدرك معناه , وحين بدأت أعى المعنى و أفهمه , كنت دائما أرد عليها ,بعد الشر عليكى يا أمى , وترد عليًّ هى "الموت ليس شر يابنى" , إلى أن توفى أحد أخوتى منذ عدة سنوات قليلة , فجأة , وكان شاباً يافعاً فى ريعان الشباب وأتم الصحة ,واللياقة البدنية , وكنت  برفقته , وسقط على الأرض بأحد المساجد , وللصدفة , المكان قريب جداً من نقطة لتمركز سيارات الأسعاف , ولم يستغرق طلب الأسعاف ووصولها إلينا ثلاثة دقائق ,عندما أبلغونا بأنه فارق الحياة , وكانت الصدمة شديدة علىَّ , وما أن علمت أمى ,حتى إنهارت , وكانت كعادتها قد ودعتنا بذات الدعاء , قبل ساعة واحدة من وفاته , وربما  أنها طوال حياتها كانت تستشعر بقلب الأم , أنها ستفقد أحد أبنائها , لذلك كان هذا الدعاء المفضل لديها , المهم أن أمى رحمة الله , مع أنها كانت متدينة لا تفوتها الفروض وحجت إلى بيت الله الحرام وأعتمرت مرات , إلا أن الحزن والألم والوجع الحارق بنار الفراق , على أخى لم يغادروها طوال عام وشهر وخمسة أيام , عاشتهم بعد وفاته  , ولم يكن لها حتى رحيلها , من أمنية تدعو الله بها أن يحققها لها سوى أن تموت كى تلحق

بأخى وتدفن بجواره .
عذراً سادتى القراء .. فلست اقصد شغلكم بهم شخصى , لكنى أردت أن أقترب من معاناة وآلام وأوجاع الآباء والامهات الذين إبتلاهم الله بهذا المصاب الجلل , كان الله فى عونهم , وألهمهم الصبر وأنزل عليهم السكينة من عنده , فهى آلام و وأوجاع تفوق طاقة الإحتمال للكثير من الناس إلا من رحم ربى , خاصة  إذا كان المفقود هو أطفال أبرياء يملأون الدنيا علينا بضحكاتهم ولهوهم البرئ , نبنى عليهم آمالاً , ونتعب ونشقى من أجلهم , أملا فى  إسعادهم , فإذا بهم يفارقون الحياة وتموت معهم الآمال , بل ويأخذون معهم الرغبة فى الحياة ذاتها , وقد لمست وجربت ذلك عن قرب , إذ  الفراق صعب , والمرء يحزن ويتألم لفراق صديقه أوقريبه  أو حتى أبيه أو أمه أو أخيه , لكن كل هذا ومهما كانت المحبة أو المَعَزة الذين نكنهما للراحل صديقاً كان أو قريباً , لا يكون مثل حزن وكمد وقهر "الأباء" على الأبناء , ونار شوقهم لأبناء فقدوهم إلى الأبد , هكذا النفس البشرية .
عقلى مشتت , و قلبى موجوع يتمزق على الأباء والأمهات , وأهالى أسيوط الذين عاشوا هذا الجحيم المؤلم عن قرب ورأوه رأيي العين , كان الله فى عونهم  من هذا الكابوس المفزع , والمرعب , أما  أطفالنا الشهداء , شهداء زمن العجز والهوان , فهم مثل الملائكة  ,أطهاراً , لم تتندس نفوسهم بالآثام والذنوب , فى جنان الله مع الصديقين والشهداء ..أما عن الإهمال والعجز والهوان , فهذا حديث آخر نعود إليه لاحقا .
[email protected]