قانون الشاطر وشُغلْ المصاطب
مع نزول اللواء عمر سليمان وترشحه لرئاسة الجمهورية إلى حلبة السباق, منافساً أو مصارعاً على مقعد الرئيس , ظهرَ,وبشكل مفاجئ "مشروع" القانون المتداول الآن بمجلس الشعب , بسرعة خرج المشروع من لجنة الإقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب مشفوعاً ب"الموافقة",
ومنها إلى لجنة الشئون التشريعية والدستورية , وإن هى إلا ساعات قليلة , وصدرت موافقة اللجنة الأخيرة , ويتخذ المجلس قراره بعقد جلسة إستثنائية "اليوم" لمناقشة وإقرار مشروع القانون, ومن المتوقع بطبيعة الحال ان تتم الموافقة عليه بالأغلبية الساحقة , إلا أن يكون هناك رجل رشيد يكبح جماح العشوائية والتخبط , التى تضرب مصداقية المجلس و تنال من هيبته التى تتآكل يوما بعد يوم . لأن هذا المشروع بقانون هو "معركة خاسرة" تشبه تماماً سابقتها المعروفة إعلامياً ب"سحب الثقة" من الحكومة , وإن إختلفت التفاصيل والأسباب.
يتملك المشاهد والمتابع لجلسات مجلس الشعب , يتملكه شعورً يتنامى يوما بعد يوما بأنه أمام مجموعة من أهل الريف الطيبين ساهرين فى "دوار العمدة" , أو أنهم على "المصطبة" يتسامرون ساعة العصارى فى شئون الكَفر.. أما لماذا هى "قعدات مصاطب" , وليست "جلسات برلمان" ؟ ..فإنه يمكننى تفصيل الأسباب بجوانبها الشكلية والموضوعية على النحو التالى:
- من الناحية الشكلية ..فإن هذ المشروع المسمى ب"منع رموز النظام السابق من الترشح لرئاسة الجمهورية", هو نموذج سئ لما يمكن أن نسميه "شخصنة القوانين" بمعنى "تشريع القوانين لحسابات شخصية" , إستغلالاً مقيتاً ومرذولاً تعسفياً ل"سلطة التشريع" وتسخير هذه السلطة لصالح جماعة "الإخوان المسلمين", وتحديدا لصالح مرشحهم للرئاسة المهندس خيرت الشاطر,أو بديله الرئاسى الدكتور محمد مرسى , إذ أن المشروع يهدف عملياً على إستبعاد اللواء عمر سليمان من السباق الرئاسى , وهو ما أشار إليه النائب محمد العمدة فى سياق إعتراضه على مشروع القانون , وإذا كان العمدة يرى وبحق , تسميتة ب"قانون عمر سليمان" , فقد أرى الأصوب , بأن يُسَمى "قانون الشاطر", حتى تعَرَّف الأشياء بمسمياتها الصحيحة.
مما يؤكد أنه "قانون الشاطر" , هو أن عمرو موسى وزير خارجية مبارك لسنوات طويلة , والفريق احمد شفيق آخر رئيس حكومة لمبارك , أعلنا عزمهما الترشح للرئاسة منذ فترة طويلة , فلماذا لم يظهرهذا المشروع من قبل , إذا لم يكن عمر سليمان هو المستهدف لصالح الشاطر؟, كما أن نواب "الإخوان" وافقوا بالإجماع داخل اللجان ,ومعهم باقى أجنحة التيار الإسلامى, الذين تلاقت مصالحهم , إذ يتصورون "وهما" أن مشروعهم هذا سوف يصير "قانوناً" , ينطبق على عمرو موسى وزير خارجية مبارك لسنوات طويلة , والفريق أحمد شفيق,ومن ثم تنحصر المنافسة على مقعد "رئاسة مصر" , بين مرشحى التيار الإسلامى, يُضاف إلى ذلك , حالة الهستيريا السياسية , التى أصابت "الشاطر" , وقيادات جماعته , وحزبه الحرية والعدالة , و الدكتور محمد سليم العوا ,المرشح الرئاسى هو الآخر , الذى شن هجوما حادا على عمرسليمان , بإعتباره من رموز نظام مبارك , مع أن العوا مع آخرين بينهم ممثل للإخوان , كونوا سريعا , أثناء الثورة , ما كان يسمى ب"لجنة الحكماء", ولم يكن من هدف لتلك اللجنة , سوى إنقاذ مبارك ونظامه من السقوط ,و إيجاد الغطاء له كى يخرج من المأزق , آمنا , بحيث ينفض الميدان ويبقى مبارك , فلماذا يلومون الآن عمر سليمان مع أن تعيينه نائبا وتفويضه بالصلاحيات الرئاسية , كان مطلبا للميدان نفسه ؟ , وإذا سلمنا جدلا أن "سليمان" كان يحاول إنقاذ مبارك , فما الفرق بينه وبين لجنة الحكماء التى كان "العوا" أحد نجومها وبمشاركة الإخوان؟.. ثم أليس هذا هو عمر سليمان الذى هرول إليه "الإخوان" طالبين الرضا والإعتراف بهم ورفع الحظر عنهم , وقد نالو , مُبتَغاهم , إذ انهم وبعد هذ اللقاء صاروا جماعة "الإخوان المسلمين" خالصة بدون وصف "المحظورة" الذى ظل لصيقا بهم , ولمن كان ناسياً فقد كانت هرولتهم إلى سليمان مع آخرين , خروجاً عن قرار الثوار بميدان التحرير , بألا مفاوضات مع سليمان إلا بعد تنحى مبارك؟, وفى تبريرهم للخروج عن قرار الميدان , زعم الإخوان بأنهم يسعون لنقل مطالب الثوار(!!!!) , وكأن مبارك ونظامه ,وعمر سليمان , كانوا يعانون من عدم معرفة مطالب الثوار(!!).
ثانياً : إذا تجاوزنا عن الشكليات , وصولاً إلى الجوانب الموضوعية , فإنه يمكننا ان نرصد ما يلى :
- أنه ليس من سلطة مجلس الشعب أصلاً , إقرار مثل هذا القانون , الذى يناقشون مشروعه , وإنما هى سلطة المجلس العسكرى , طبقا للإعلان الدستورى الصادر يوم 30 من شهر مارس بالعام الماضى, ذلك أن مشروع القانون وهو يستهدف منع عمر سليمان, وعمرو موسى , وأحمد شفيق مرشحى الرئاسة , فإنه يكون قد تناول بالتعديل شروط الترشيح لإنتخابات رئاسة الجمهورية , وهذه الشروط وردت على سبيل الحصر بالمادتين 26 , و 27 بالإعلان الدستورى, وهى تُحدد سن المرشح وجنسيته ,هو وزوجته ووالديه , وأن يكون متمتعا بحقوقه السياسية , وأن يحصل على تأييد 30 ألف مواطن , أو 30 نائبا بالبرلمان ..وليس من بين الشروط الواردة بالمواد 26 , و27 المشار إليهما , أو بالإعلان الدستورى كله , أى شرط آخر يتعلق بعمل المرشح فى نظام مبارك نائبا للرئيس أو رئيسا للحكومة ’ أو وزيراً أو خفيراً , ومادام الحال كذلك , فلا يجوز لمجلس الشعب تعديل شروط منصوص عليها فى الإعلان الدستورى , إلا بإعلان دستورى آخر من " السلطة المختصة" فى هذه الحالة , وهى المجلس العسكرى , وليس من شك , فى أن "الجهل" أو "التجاهل" لهذه المسائل الدستورية الجوهرية ,هو أمر يثير السخرية والدهشة ,ولا يليق بالبرلمان ونوابه , إذ أنها أوليات يعرفها دارسى القانون بسنوات الدراسة الأولى بكليات الحقوق .
- أن حقوق "الترشح" و"الإنتخاب" ,هما من الحقوق المنصوص عليها فى المواثيق والعهود الحقوقية الدولية ,والتى وافقت عليها مصر بحيث صارت جزءاً من قوانينها , كما أن الدساتير المتعاقبة , ومنها دستور 1971 المعطل, ومن بعده "الإعلان الدستورى" الحالى , ثم يأتى قانون مباشرة الحقوق السياسية ومنذ المادة الأولى به , وهو يؤكد على منح كل مصرى ومصرية حق مباشرة الحقوق السياسية , ويضع"شروطا" لممارسةهذه الحقوق , ولم "يمنع" الترشيح إلا عن المواطن الصادر بشأنه "حُكم جنائى" فى جريمة مخلة بالشرف , مالم يكن قد تم رد إعتباره إليه , وطبيعى أن منع حقوق التصويت والترشيح والإنتخاب , عن مواطن أيا كان أسمه هو "عقوبة", والعقوبة لاتكون إلا جزاءً عن "جريمة" أرتكبها المعاقب , وهناك قاعدة فقهية قانونية وقضائية , بأنه "لا جريمة ولا عقوبة بغير نص" , فكيف للبرلمان أن يتجاهل مثل هذا المبدأ؟.
والخلاصة أنه يجب ترك مرشحى الرئاسة يخوضون المعركة , مالم تكن هناك موانع قانونية , ولنتركهم للشعب يعزلهم, و العزل الشعبى أقسى وأوقع أثراً لو تعلمون , وإذا كانعمر سليمان أو غيره متورط فى جريمة , فعلى من يملك الأدلة أن يبإدر بإبلاغ النيابة العامة , فلم يعد أحد فوق القانون , ولا يجب أن يكون , أما تفصيل القوانين على مقاس أشخاص أو لصالح آخرين , وأياً كانت أسمائهم , فهذا بعينه هو "شُغل المصاطب" أو قعدات السمر ب"دوار العمدة" , وليس تشريعاً.
[email protected]