الإخوان والرئيس
قادة جماعة "الإخوان المسلمين" بمصر ,لا يمَلون إصدار التصريحات العنترية المتناقضة فى كافة شئون مصر والعالم ,وعبرَ وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة والمرئية بشكل يوحى دائما لمن يسمع أو يرى أو يقرأ , بأنهم يملكون أمور الدنيا كلها وهم المتحكمين فى الكون بطوله وعرضه
,والفعَّالين لما يريدون, وان المسلمين بأركان المعمورة وأرجائها يدينون للجماعة وقادتها بالسمع والولاء والطاعة , ناهيك عن أنهم يتعاملون ويتكلمون كما لوكانوا لا ينطقون عن الهوى , و إنما يوحىَ أليهم , كونهم وكلاء الله فى الأرض , وحمَلة مفاتيح أبواب الجنة , و المانحين "صكوك الغفران" لمن شاءوا.
أحدث تصريحات الإخوان ,هذا الذى إتخذته صحيفة "الأخبار" القاهرية عنواناً رئيسياً لها يوم الاثنين الماضى ( 12 من شهر مارس الجارى) , وهو خبر يتضمن تعليقين للدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمى بأسم جماعة الإخوان المسلمين , أولهما أدلى به لفضائية الجزيرة مباشر مصر, و مضمونه أن "الجماعة" سوف تُقدِم على "إقالة" أى عضو بها , ينضم لحملة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادى الإخوانى السابق, و المرشح لرئاسة الجمهورية , وكأن هذه "الإقالة" هى بمثابة طرد من "جنة" الإخوان ونعيم رضاهم (!!) , وأما الثانى و"الأهم" , فهو الذى أدلى به "غزلان" لبرنامج "حوار القاهرة"على قناة الحُرة , وقال فيه "أن الجماعة تحاول إقناع بعض الشخصيات التى تراها "جديرة" للترشح للإنتخابات الرئاسية" , ورافضاً من الأساس ما يساق من إتهامات للجماعة بعقد صفقات مع المجلس العسكرى الحاكم ,حول ما يسمى ب المرشح أو الرئيس "التوافقى" , وهذا بخلاف التصريحات والتعليقات اليومية من مرشد الجماعة وقادتها والحزب ,مما يصعُب حصره , بشأن "الرئاسة", وكيف أنهم يناقشون ولم يصلوا لقرار, أوأنهم لايزالوا يبحثون , وانهم قد يتوافقون , وأنهم لا يؤيدون مرشحا إسلاميا , ثم تارة أخرى ,يؤكدون أنه لابد للمرشح الذى يؤيدونه , ألا يكون معاديا للمشروع الإسلامى , ثم يرفضون - وهذا حقهم - تأييد منصور حسن ,لأنه " ليس إسلامى", بحسب تصريح محمد مرسى رئيس حزبهم الحرية والعدالة , و قبل ذلك قام الإخوان والسلفيين بتوجيه دعوة علنية للمستشار حسام الغريانى رئيس مجلس القضاء الأعلى نفسه للرئاسة , متعهدين بتأييده , ولعل السر فى كون هذه الدعوة للغريانى , "علنية" إنما يرجع إلى مشاركة حزب النور السلفى, في توجيها, إذ يتميز الحزب السلفى بقدر كبير من الوضوح والصراحة , بغض النظر عن إتفاقنا او إختلافنا مع مضامين خطابه , بعكس الإخوان الذين يحرصون على تعدد مستويات الغموض فى تصريحاتهم .
إذا عُدنا لإعلان "غزلان" أنهم يحاولون إقناع "شخصيات جديرة" بالرئاسة , للترشح , فإن هذا الموقف يتضمن بذاته التطوع نيابة عن الشعب , بتحديد الجدير من عدمه بالرئاسة , وإذا أخذنا فى الإعتبار , أن الكاتب الصحفى ياسر رزق رئيس تحرير صحيفة "الأخبار" القاهرية , فى مقاله بالصحيفة يوم الأحد الماضى ( 11 من مارس الحالى ) , كشف عن تحركات إخوانية سرية بشأن الرئاسة , ومفادها أن مسؤلين بالجماعة يجرون إتصالات مع شخصيات سياسية عديدة فى نفس الوقت , يُعربون فيها لكل شخصية عن إمكانية تأييده "مرشحاً للرئاسة", مقابل تعيين "قيادى إخوانى" رفيع المستوى بالجماعة , نائباً للرئيس ذا صلاحيات واسعة , وذهب "رزق"رئيس تحرير الأخبار إلى التأكيد بأنه شخصياً يعرف إثنين من هؤلاء الذين تريد الجماعة الدفع بواحد منهم وتأييده للرئاسة , مقابل أن يكون نائبه منه , وشَدَد "رزق" على صحة وموثوقية معلوماته , منتقدا تناقض ذلك المسلك الإخوانى مع تعهداتهم السايقة بالعزوف عن ملف الإنتخابات الرئاسية.
هذه التحركات و الإتصالات العلنية والسرية التى يجريها الإخوان , مع المرشحين ومحاولات الدفع بآخرين ,
أولا : أن "الجماعة" توهم المجتمع المصرى والعالم الخارجى , بأن زمام الأمور كلية هو بيدها , وأن مَّن ترضى عنه وتؤيده , سيكون هو الرئيس , وأن على الجميع أن يقف فى الطابور , أمام مكتب المرشد إنتظارا لدوره فى المثول أمام "خليفة المسلمين" المنتظر الدكتور محمد بديع مرشد الجماعة , كى يُقدم نفسه ,و فروض الولاء والطاعة العمياء ,راجيا ومستجدياً العون والمدد , وتأييد الجماعة , ويكون"المرشح المحتمل" , الذى ينال هذا الشرف العظيم , محظوظاً وفُتحت له أبواب السماء , ضامنا بذلك "الجنة" فى الآخرة , و"الرئاسة" فى الدنيا , لو ان الخليفة المنتظر منحه الوعد بتأييد الجماعة , والوقوف معه , وليذهب الشعب إلى الجحيم ,فهو يساق هائماً خلف الجماعة طمعا فى نيل رضاها الذى هو الطريق إلى مرضاة الله فى الدنيا والآخرة , او هكذا يسعى الإخوان إلى إيهام الناس .
ثانياً : أن "الجماعة" تسعى إلى إستدراج أكبر عدد من المرشحين الأقوياء لخوض المعركة على المقعد الرئاسى , مع عقد إتفاقات سرية على قاعدة "التأييد مقابل نائب إخوانى للرئيس" , ومن ثم تتفتت أكبر نسبة من أصوات الناخبين بين المرشحين , وكلما زاد تفتت الأصوات , زادت فرصة تأثير الإخوان ب"الكتلة التصويتية" المملوكة لهم ,من أنصارهم , ومع محاولة إستدراج السلفيين للتوافق على مرشح لخدمة "المشروع الإسلامى" , حتى يمكنهم معا التأثير بأصواتهم التى تظل خارج حسابات التفتت , إذ يتم توجيها الوجهة التى تراها الجماعة أو السلفيين أو كليهما فى حالة التوافق, وتوضيحاً , فإن الإخوان والسلف إستفادوا من كثرة المرشحين فى إنتخابات مجلس الشعب , ما أدى إلى تفتت الأصوات ,التى ليست محسوبة لهم ,ونجحوا بأصوات أنصارهم , وهو أمر يصعب تكراره فى الإنتخابات الرئاسية .
أن "الجماعة" تحاول بهذا الضجيج فى الملف الرئاسى , المُداراة والإخفاء لضآلة وتواضع "الكتلة التصويتية " الإنتخابية الفعلية , لأتباعهم , والتأثير بأكبر وأكثر مما يملكون من أصوات , وهو حق مشروع لهم , على الأقل فى مناهجهم وشريعتهم .
(كاتب وصحفى)
[email protected]