رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فى مُحاكمة مبارك : إرادة الثورة . . القانون . . وجدان القاضى

لا يشك عاقل فى ان إرادة ثورة 25 يناير لها رؤية فى ان تحقيق العدالة يكمن فى مُعاقبة المُذنبين بدءا من الرئيس المخلوع وأسرته وإنتهاءا ببطانة النظام من دائرة الفساد والمُفسدين ، وهى رؤية عادلة للقصاص ممن إغتصبوا حقوق أمة بأكملها.

أما القانون فهو لا يخضع لرؤية او وجهة نظر ، وانما لنصوص مواد وأدلة وبراهين ، يستند إليها القاضى عادة فى تبرئة المُتهم أو إدانته ، لكن القوانين فى بعض الحالات تعجز عن تحقيق العدالة ، خاصة اذا ما تم الالتواء عليها وتطويعها كى يهرب المذنب من العقاب .

لكن وجدان القاضى الذى يُفترض انه يُمثل عدالة السماء فى الأرض قد ينتصر ويُغلب ضميره الذى ينوب عن الأمة . . ينتصر على القانون ، وفى ذات الوقت من المُمكن أيضاً ان يعلو فوق إرادة من يرغب فى ان يثأر لنفسه ويشاهد القصاص .

لكن ونحن نتابع مُحاكمة رموز الفساد نعيش حالة من اللغط لا يمكن إنكارها أو تركها هكذا تمر مرور الكرام ، حالة أثارت الشبهات حول مسار قضية مُحاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك ، والغالبية العُظمى فى الشارع المصرى ترتاب فى أمر مسار القضية وكيفية إدارتها ، وترى انها تمثيلية على الشعب ، لدرجة ان البعض يصورها على انها مسرحية هزلية مُكتملة العناصر ، فيا ترى ما الذى دفع شعب مصر لهذا الإعتقاد ؟! . . . وهل هى شكوك موضوعية فى محلها ؟ أم عدم فهم لحقيقة ما يجرى خلف ستار السياسة ، وما تفرضه المصالح لفئة هنا أو جماعة هناك ، أم لمؤسسة من مؤسسات الدولة تتحكم وتحرك القضية وفق إرادتها .  

نعتقد بان النائب العام تعامل مع هذا القضية بشكل تقليدى لم يرقى لمستوى الحدث ولا المناخ الاجتماعى المُلتهب ، فى ظل وجود مشاعر جماعية إنسانية ثائرة ، ولم يُعد نفسه كما ينبغى لسيناريو قضية ومُحاكمة من هذا النوع فى الظروف الصعبة التى تمر بها مصر ، ولم يضع تصور مسبق لكيفية إدارة هذه المحاكمة ، وما يُمكن ان تسفر عنه من مُلابسات تاريخية .

فى ذات الوقت نتفهم ان النيابة العامة وقعت تحت ضغوط جماهيرية دفعتها للتسرع نسبياً واستسلمت لها ، وكان يجب عليها التروى ، وتوضيح مدة خطورة التسرع فى بدء قضية من العيار الثقيل فى تاريخ المُحاكمات ، وشرح لماذا تحتاج لوقت كافى لتعد أوراقها بشكل جيد ، وطالما انها كانت قد أصدرت أمر القبض على المطلوب مُحاكمتهم ، وتم تنفيذه وتحفظت عليهم فى السجون تمهيداً لمثولهم أمام القضاء فكانت الشفافية من المُمكن ان تقنع الرأى العام بضرورة احتياج النيابة والقضاء لوقت كافى .

ورُبما كان الأجدى والأصوب هو عقد محكمة ثورة تنشئ لهذا الغرض ، وتنتهى فور انجاز مهمتها ، والعالم كله قد شهد أنواع كثيرة من المحاكم الخاصة المُتخصصة ، التى لا تخضع لروتين القوانين التقليدية ، وعمليات الشد والجذب بين فريق الدفاع والشهود والنيابة والقضاء ، وتحدُث مُلابسات تؤدى لإستخدام مساحات زمنية كبيرة ، تزيد من غليان الرأى العام وثورته ، وتحيط السلك القضائى بحالة من الريبة الشعبية ، التى لا نريدها للقضاء المصرى ولا النيابة العامة .

مُحاكمة تجريبية لدرء الشبهات

تقوم النيابة العامة بالتعاون مع هيئة قضائية فى كثير من الدول الأوروبية فى مثل هذه الحالات التى لها وجه شبه بعمل ما يُطلق عليه " محاكمة تجريبية "  ، أى مُحاكمة إفتراضية يُرجى منها منع أكبر قدر من الشبهات ، وذلك قبل عقد المُحاكمة الفعلية الحقيقية ، وهى تجربة عملية يتم من خلالها رصد السيناريوهات المتوقعة من أخطاء إجراءات أو مدى صلاحية القوانين التقليدية المعمول بها فى البلاد ، وهل تؤدى الغرض منها فى مثل هذه الظروف ، وكذلك ردود الأفعال المُحتملة لنماذج من شرائح جماهيرية مُختلفة ومنتقاه بشكل جيد ، تجلس فى قاعة المحكمة تراقب مسار المُحاكمة الافتراضية ، وتسجل إعتراضاتها وإنتقاداتها ، تحت اشراف خبراء فى القانون وعلوم السياسة والإجتماع .

ألم يكن من الأجدى بنا شعباً وحكومة ومجلس عسكرى ان نستفيد بتجارب الآخرين فى مثل هذه الظروف التاريخية التى تمر بها مصر ؟! . .

وفى هذا الصدد نحن لا نتهم النائب العام بالتواطئ ، ولا من مصلحتنا ان نفعل ذلك ، كما اننا لا نتهم القضاء المصرى بالتقصير وعدم الجدية فى مُحاكمة المخلوع

وأعوانه فى قضايا الفساد وقتل المتظاهرين ، لكننا نتوجس من سيناريو هو بمثابة الشبح والكابوس المُخيف ، ومن حقنا ان نخاف ونتوجس حينما يرتبط الأمر بمصلحة الأمة ، ونخشى من حدوث كارثة شعبية ندفع جميعاً ثما باهظاً لها ، فماذا يتوقع القضاء والنائب العام والمجلس العسكرى حال تبرئة الرئيس المصرى المخلوع من اتهامه بالتورط سواء المُباشر أو غير المُباشر فى قتل المُتظاهرين ؟ . . هل سيقبل الشعب بصدر رحب لعبة الشد والجذب فى حبال القوانين المطاطية ؟ . .  وهل قضية كبيرة على هذا النحو تتسم بالوضوح ، وتتوافر فيها أركان الجريمة الكاملة ضد الإنسانية ، كان لها ان تخضع للأنواع التقليدية من جرائم الجنايات ، شأنها مثل قضية اتجار فى المخدرات او قتل شخص لآخر على أرض الوطن ؟ . . بالطبع لا والف لا ، انها ليست قضية ثأر فى صعيد مصر بين عائلتين تشاجرا على قطعة أرض زراعية أو جدار منزل أو ميراث أسرة ، لا يا سادة انها قضية أمة بأكملها فيها عناصر تكفى لمُحاكمة خاصة " محكمة ثورة " ترضى ضمير الأمة ، التى تضررت وجرحت فى مشاعرها جراء الجرائم التالية :
  • جرائم قتل عمد جماعى : يمكن تصنيفها على انها ابادة انسانية لجماعات بعينها ، كان من نتيجتها موت مئات من البشر ، وقد تمت عمليات القتل العمد بأشكال غير إنسانية ، بإطلاق الرصاص الحى عليهم ، ودهسهم بعجلات سيارات شرطة وزارة الداخلية ، التى يتراسها مُباشرة وزير الداخلية ، ورئيسه رئيس الوزراء ، ورئيس الجمهورية ، والمسئولية الجنائية تقع عليه بلا جدال ، حتى وان كان احدهم لم يعطى أوامر القتل مُباشرة ، وحتى ان ادعى عدم علمه ، أو التزم الصمت وغض النظر .
  • فساد إدارى ومالى : أدى لتأخر المُجتمع المصرى بأسره ، ونتج عنه نهب وسرقة أموال وثروات الشعب .
  • تمييز عُنصرى : بإستخدام المحسوبية فى تفضيل مواطنين عن قرنائهم فى المُجتمع ، ومنحهم وظائف بمرتبات مالية عالية لا تتناسب مع قدراتهم ولا مؤهلاتهم العلمية .

ناهيك عن جرائم تعذيب المواطنين وهى جرائم ضد الانسانية ارتكبها جهاز أمن الدولة الذى تم استبداله بالوطنى ، والرشوة ، والتسلط ، والتربح من المناصب الحكومية ، وتزوير إرادة الشعب وإغتصاب حقه فى التعبير عن رأيه بحُرية دون ضغوط .

فهل بعد ذلك كله يمكن لنا ان نصدق بان الشعب المصرى يمكن له ان يتقبل حُكم محكمة قد يبرئ المخلوع مبارك وأعوانه ؟ أو يطلع علينا بحكم هزيل لا يرقى لمستوى المسئولية ؟ . .

يا قضاء مصر الشامخ . . يا حكومة الثورة . . يا مجلسنا العسكرى الموقر . . انتبهوا انتبهوا قبل ان تتفجر ثورة دموية لا نريدها ولا ننتظرها . .

فهل فى مُحاكمة مبارك وأعوانه من سينتصر : إرادة الثورة أم القانون أم وجدان القاضى ؟