رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تجديد الربيع العربى بين التمرد والثورة ( 6)

 

أوضحت فى الحلقة الماضية ان وسائل الاعلام المصرية الحكومية فشلت فى اقناع الرأى العام فى مصر بشخص رجل الاستخبارات " عمر سليمان " ، وساعد على هذا الفشل ان المشتغلين فى السياسة والنشطاء ممن يتخذوا من العقيدة الاسلامية ركيزة سياسية لهم أنعشوا ذاكرة الجماهير المصرية بالاتهامات التى احاطت بعمر سليمان بضلوعه فى عمليات تعذيب ضد معتقليين كان يشتبه بإنتمائهم لتنظيم القاعدة وأرسلتهم الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان إلى مصر .

وسرعان ما اتضح ان حالة التمرد والثورة فى كل من مصر وتونس خلقت نوع من منافسة الساسة والأحزاب والتكلات على أفكار ومعتقدات الشعبين ، وسط حالة ثانية من محاولات عدد من الأنظمة العربية لوأد التمرد والحيلولة دون تفجر ثورات أخرى فى المنطقة العربية ، خوفا من ان تؤدى الاضطرابات في المنطقة ، لحدوث آثار إقليمية وهو ما اطلق عليه البعض بتأثير لعبة الدومينو ، بتساقط أحجار الأنظمة واحد تلو الآخر ، وقد كان جلياً ان عمليات الاحتجاجات الواسعة في تونس بعد وقت قصير من بداية التمرد كان لها تأثير فعلى ، فى المكونات القابلة للاشتعال لتسرى عدوى الغضب الجماهيرى فى بقية الدول العربية ، وقد ساعد على ذلك سيطرة الديكتاتورية السياسية ، والعسكرية من وراء الستار فى بعض الدول وخاصة مصر ، ناهيك عن حالة انتشار الفساد وتفشى البطالة ، اضف الى ذلك حالة من الرفض الجماهيرى المُستتر والحذر للأنظمة الملكية التى تستأثر بها عائلات تتوارث الحُكم ، وهنا انتشرت تكهنات وتوقعات ترسم عديد من السيناريوهات المتوقعة ، بعضها تأكد بالفعل فى مصر أكبر الدول العربية ، حيث دور جهازى الاستخبارات المصرية ( العامة والحربية ) فى مُساعدة القوات المسلحة المصرية على عدم انهيار الدولة ، وحتى بعد رحيل رئيس مصر السابق حسنى مبارك وكثير من رموز نظامه حدثت حالة من الحرج السياسى جعل من القوات المسلحة تتخذ مواقف مُتغيرة ، تحمى الأمن الاجتماعى الداخلى بعد حالة الفراغ الأمنى لقوات الداخلية ، وتدعم حالة التطهير من الفساد ، وتلعب على عُنصر الوقت بضغوط خلفية ومستترة انتظارا لأن يقول القدر كلمته برحيل مبارك عن الحياة .

وقد بدى سريعا ومن المؤكد أن تأثير مبارك أكبر بكثير من تأثير التونسى زين العابدين بن علي ، فبعد ثورة القاهرة مباشرة تفجرت حالات تظاهرات وتمرد فى كل من الجزائر والمغرب واليمن وإيران ، واندلعت ايضا مظاهرات تضامن مع ثورة شعب مصر فى بلدان أخرى ، وهو ما اثار قلق كثير من الأنظمة خاصة فى الدول الخليجية ذات الأنظمة الملكية ، التى خرجت بعض من شعوبها تطالب بالاصلاحات السياسية ، وذهب البعض للمطالبة بإلغاء أنظمة ملكية بعينها .

واحدة من ردود الفعل الأولى والسريعة على ما حدث فى تونس كانت فى الجزائر حيث تحرك الرئيس بوتفليقة على محورين الأول هو اعلانه الغاء قانون الطوارئ الذى حكم البلاد 19 سنة ، الثانى هو الضرب بيد من حديد مما ادى لوقف الاحتجاجات التى لم ترقى الى حدوث تمرد ومظاهرات جماعية تدفع الى الثورة .

ايضا وجدنا سرعت لبدايات احتجاجية فى مختلف ربوع المملكة الأردنية الهاشمية ، اعتراضاً على انتشار معدلات البطالة والمطالبة بتوسيع رقعة ومساحات الحُريات المدنية ، ومما اثار الدهشة انه حتى القبائل البدوية ذات الأصول ( الأردنية – الأردنية ) والتى تدين بالولاء للملك عبد الله حذرت هى الأخرى من عواقب تباطئ تلبية مطالب الشعب وعدم اجراء اصلاحات سريعة ، ووجدنا استجابة سريعة من الملك عبد الله لامتصاص حالة الغليان وبادر بحل حكومة بلاده ، وكلف رئيس وزراء جديد هو " معروف البخيت " بتشكيل حكومة جديدة ، تكون اولى مهامها زيادة الديمقراطية وزيادة فرص عمل للشباب العاطلين . ولم تقف اجراءات الملك عبدالله عن هذا الحد حيث سارع فى تكثيف اتصالاته - التى آثر ان تبقى سرية – بملوك وأمراء منطقة الخليج العربى ومجلس التعاون الخليجى ، ركز خلالها على توضيح خطورة تفجر حالة افلات أمنية فى الأردن ، وما قد يجلبه ذلك من تأثير على الدول المجاورة .

ايضا سعت دول عربية اخرى ذات انظمة ديكتاتورية لإتخاذ مبادرات للحيلولة دون تفجر مُظاهرات وحالات احتجاجية كبيرة فى بلادهم ، لكنها لم تنجح حتى الآن ، ففى اليمن أكثر الدول العربية فقراً تفجرت المُظاهرات وأسوة بتونس ومصر أعلن المتظاهرين عن يوما للغضب ، وطالبوا بسقوط الرئيس اليمنى " على عبد الله صالح " كما حدث لـ " بن على " التونسى و" مبارك " المصرى ، ولما كان ملف توريث الحُكم مطروحا ويشغل بال المواطنين بادر الرئيس اليمنى باطلاق وعود انه لن يُجدد رئاسته لحكم بلاده فى عام 2013 ، ولن يُقدم ابنه مرشحا لرئاسة البلاد .

أما فى سوريا اعتى الأنظمة الديكتاتورية فى الشرق الأوسط وشمال افريقيا فلم تنجح وسائل الاعلام الحديثة خاصة مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الانترنت فى تحريك جماعى للجماهير ، وذلك على الرغم من ان عشرات الآلاف السوريين ومن يساندهم مستخدمى الأنترنت فى الداخل والخارج ، حيث فرض الرئيس السورى قيودا على استخدامها ، واعرب عن عدم اكتراثه بتأثيرها على نظام حكمه ، وهو الآخر - بشار الأسد - بفضل دعم القوات المسلحه لحكمه - على عكس ما حدث فى مصر – ضرب ولا زالت قوات الجيش تضرب بيد من حديد وبقسوة جموع المتظاهرين غير عابئة بسقوط عشرات المئات من القتلى والجرحى ، ويحدث ذلك فى ظل دعم خفى غربى لنظام حُكم الأسد لسوريا ، حيث ان

امريكا وأوروبا واسرائيل استوعبوا الدرس ولا يريدوا ان تسير سوريا على نهج المسار المصرى ، حيث كانت واحدة ن أخطر المتغيرات على الغرب واسرائيل تنامى سرعة الروح القومية العربية فى الشعب المصرى ، وانه يسعى لاستعادة دوره على الساحتين الاقليمية والدولية وبداية لعودة لأفريقيا الفناء السياسى الخلفى لمصر .

ولا يمكن فى هذا الصدد إغفال السياق الدولي خاصة حكومة واشنطن التى بدأت فى نظرة بارده تجاه مصر ، تلتها مرحلة تأييد للثورة المصرية بعدما تأكدت من ناجحها ، ثم عادت النظرة الباردة من جديد لمصر ، حيث لم تشعر امريكا بالسعادة ازاء خطوات مصر المتلاحقة والسريعه لترتيب البيت السياسى داخليا وخارجيا ، وقد عزز الشعور الأمريكى البارد مؤخرا ضغوط اللوبى الصهيونى المؤيد لاسرائيل ، لاستشعاره بالخطر على الدولة العبرية ، ولا ننكر ان حكومة البيت الأبيض انفقت داخل مصر خلال العقدين الماضيين ملايين الدولارات على منظمات المجتمع المدنى بهدف دعم الديمقراطية ، لكنها كانت فى ذات الوقت تريد ديمقراطية بلا أنياب ، ديمقراطية أليفة صديقة لها ولاسرائيل ، ديمقراطية غير مُستقلة تخلو من النزعه القومية العربية والافريقية ، لكن لم تأتى رياح الثورة بما اشتهته السفن الأمريكية واسرائيل .

تلك المتعرجات السياسية الأمريكية انكشفت تماما ، ليس تجاه مصر وحدها بل بات جليا ايضا تجاه نظرتها لسوريا ، حيث تدعم النظام السورى سرا وتدعم بقاء الرئيس الديكتاتور " بشار الأسد " ليبقى حاكما لسوريا ، وان كانت فى العلن تظهر غير ذلك الا قليلا ، فوسائل الاعلام الأمريكية بدأت فى تلميع وعود بشار الأسد لشعبه فى تنفيذ مطالبه وتحقيق الديمقراطية ، وتلتزم الصمت حيال عمليات الابادة السورية وتطويق مظاهرات الاحتجاج ، التى راح ضحيتها المئات .

أيضا رياح تأثير ثورتى تونس ومصر ارتدت على واشنطن وتل أبيب والعواصم الأوروبية ، فإن الغرب السياسى الرسمى قد طرح من خلال وسائل اعلامه مشاكل كبيرة على الرأي العام فى بلاده لتقليل حدة تعاطف الشعوب الأوروبية مع المحتجين فى المنطقة العربية ، وبدأ الترويج لمخاوف مرة من اعتلاء الاسلاميين السُلطة فى مصر ، واخرى من عودة مناخ المرحلة الناصرية ، بهدف توضيح ان مصر بالذات هى مرساة للغرب في المنطقة العربية ، يجب أن تكون سياستها متوازنة ، وتحذيرات من التعاطف الذى يجلب مخاطر الفوضى وعدم الاستقرار. كما اتضح ايضا ان الاتحاد الأوروبي بدا فى حالة صراع بين (الدفاع) عن حقوق الانسان علانية من ناحية ، ودعم الأنظمة الاستبدادية سرا ، وهو عبئ أثقل مما كانت عليه في الولايات المتحدة الأمريكية ، نظرا لعلاقة الجوار الأوروبى بدول حوض البحر البيض المتوسط .

حيث تشكل معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية التى وقعها الرئيس الراحل انور السادات عام 1979 حجر الزاوية في السياسة الامريكية والأوروبية فى الشرق الاوسط ، ونسبيا ركيزة للاستقرار في كثير من أنحاء العالم العربي ، ايضا تخشى واشنطن على اسرائيل لو خسرت امريكا مصر كحليف بسبب موقعها الاستراتيجي على قناة السويس ، وهو أمر حاسم بالنسبة لجميع عمليات القيادة المركزية الأميركية ، الذي يمتد من مصر إلى باكستان ، فالمساعدات العسكرية الأميركية لمصر تفيد امريكا ، وحرية المرور في المجال الجوي المصري غاية فى الأهمية اللوجيستية ، والسفن الحربية تتمتع بالمرور في قناة السويس.

الرئيس الأمريكى " باراك أوباما " كان قد تحدث خلال خطابه الشهير في القاهرة في 4 يونيو عام 2009 عن "بداية جديدة" بين الاميركيين والمسلمين وتحدث عن المبادئ مشتركة لقيم العدالة والتقدم والتسامح وكرامة جميع البشر" وهو الاعلان السياسى الأمريكى الذى شهد الآن نوع من التراجع بسبب الخوف من تصاعد اسهم الاسلام السياسى فى المنطقة العربية وخاصة مصر .

[email protected]