رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تجديد الربيع العربى بين التمرد والثورة ( 5)

ذكرت فى الحلقة الماضية ان واقع الجغرافيا السياسية لتونس ، وكونها لا تلعب دورا كبيرا فى السياسة الدولية ، أدى لحدوث حسابات خاطئة لدى خبراء السياسة الأوروبية ، وهو الأمر الذى جعل عُنصر المفاجئة لفرنسا بالذات شديد ، وذكرت ايضا ان الفيصل فى نجاح ثورة تونس متوقف على تحقيق مطالب الشعب ، ايضا اشرت الى ان الثورة التونسية لم تنتهى ولم تأتى بثمارها حتى الآن . . فماذا عن ثورة مصر ؟

من المُفارقات السياسية على الساحة الدولية ان ثورة شباب 25 يناير فى مصر ايضا وان كان بشكل آخر قد أحدثت نوعا من المفاجئة وارتعاش المواقف السياسية لدى الغرب وخاصة امريكا " التى تعتبر مصر الى جانب ربيبتها اسرائيل من أهم حلفاءها فى المنطقة العربية والشرق الأوسط وافريقيا " ، هذا من جانب حكومة واشنطن التى نجحت على مر عقود فى " مُصادقة النظام المصرى الحاكم بمُختلف تنوعاته " الى جانب بعض ممن اعتبرتهم رموزا لمُستقبل مصر السياسى ، وبتعبير كُرة القدم وضعتهم على دكة الاحتياط لتلعب بهم عند الضرورة ، الا ان الرهان الأمريكى عليهم سيكون خاسرا ، وهو ما ستثبته المرحلة المُقبلة ، كما انها فشلت فى الماضى وحتى اللحظة فى ان تكون صديقة لعامة لشعب المصرى ، ليس ذلك فحسب بل اخفقت فى فهم طبيعة وتركيبة الشخصية المصرية ، ولم يشفع لها وجود عُملاء لها فى مصر بالمئات ، سواء أعضاء السفارة الأمريكية فى جاردن سيتى بالقاهرة وأعوانهم ، او العشرات من العاملين فى المعونة الأمريكية بالمعادى ، وحتى لا يتهمنا احد بتخوين الجميع ، فمنهم من يعلم . . ومنهم من لا يعلم . .  لكنه يُقدم خدماته لأمريكا سواء بشكل مباشر او غير مباشر ، ولهذا قضية أخرى نتناولها فى حينه .

ان الوضع في مصر وثورة الشباب يستحق التدقيق والتحليل الموضوعى أكثر من غيرها ، ليس فقط من حيث كونها أكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان الذى بلغ 83 مليون نسمة ،  ولكن لكونها دولة محورية تحظى بمركزية ثقافية فى المنطقة العربية ، وحليف مهم للغرب ، فبعد وقت قصير من احداث الشغب في تونس تفجرت فى كل من القاهرة والاسكندرية والسويس مشاعر الغضب المكبوت ، بالنسبة لكثيرين جاءت حركات التمرد المتوالية التى فجرت ثورة الشباب مفاجئة ، الا ان الواقع يؤكد ان الشارع المصرى منذ عقود كان مسرحاً لثورات شعبية منتظمة ومُتكررة .

منذ تفجر الانتفاضة الفلسطينة الثانية ، اندلعت المظاهرات الطلابية في القاهرة بشكل جماعي لدعم القضية الفلسطينية ، والنظام المصرى لم يتصدى لها بل دعمها ، وغاب عن الأجهزة الأمنية القمعية ان ظاهر تلك المظاهرات كان لتأييد حقوق ومطالب الشعب الفلسطينى ، وجانب كبير من باطنها كانت روح المارد الغاضب على نظام حسنى مبارك .

شهدت الفترة ما بين عامي 2004و2005 حالة اعتراض وتمرد تجذرت في حركة كفاية التى خلقت فى الشارع المصرى نوعا مختلفا من المعارضة تحت شعار واسم الحركة ! وكلمة كفاية لها جذور نفسية لدى الشعب المصرى ، فهى تطلق فى كثير  من الأحوال تعبيرا عن المرارة والألم ، وقامت حركة كفاية بالطرق المُستمر والاعتراض على ترشيح مبارك لفترة رئاسية اخرى ، ولم تكن القضية هى رفض مبارك لشخصه فقط ، بل حالة لرفض بطانة واعوان النظام الفاسد المكروه من حول الرئيس الرمز ، ايضا شهدت المرحلة ما بين عامى 2007 و 2008 ارتفاع اصوات العمال غى المحلة الكبرى وعلى شريط الدلتا .

لقد تزامن صعود حركة كفاية مع تصاعد وارتفاع اسهم الإخوان المسلمين سياسيا فى واحدة من أعظم انتصاراته الانتخابية عام 2005 ، عندما كسب عدد 88 مقعد فى مجلس الشعب من اجمالى مرشحيه الذين كان عددهم 161 ، ولا يمكن إغفال حقيقة ان جماعة الاخوان استفادت خبرة كبيرة داخل البرلمان فى الفترة من عام 2005 وحتى عام 2010 ، وذلك على الرغم من محدودية مشاركتهم مباشرة فى صُنع القرار السياسى والتأثير عليه ،  ومنذ تنصيب محمد بديع مرشدا عاما عام 2010 بدى ان الطموح السياسى يتراجع نسبيا ، وهو الرجل الذى وصف بالتراخى والمرونة وشخصيته المُتحفظة ، وان توجهاته كانت هى الدعوة والتركيز على العمل الاجتماعى أكثر من السياسى .

نعم كانت ظاهريا شرارة الثورة التونسية هى التى فجرت بارود الغضب المصرى ، لكن الطاقة الحقيقية كانت كامنة منذ عقود وعززتها الاعتراضات العُمالية وحركة كفاية ، وظهور جيل جديد من النشطاء السياسيين الشبان ساهم فى عملية التحريك الجماعى المتمرد ، وجاءت المُطالبة الجماهيرية بسقوط مبارك سريعة وواضحة ، تخفى وراءها المطالب المشروعة التى تكررت خلال العقدين الماضيين على وجه الأخص ، وليس حقيقة ان سقف مطالب الثورة كان يرتفع فقط كرد فعل على تباطئ النظام فى تلبية المطلب الأول بسقوط مبارك .

وهنا نؤكد للتاريخ ان مطالب سقوط النظام الديكتاتورى ، وعقد انتخابات حُرة ونزيهه ، واقامة العدالة الاجتماعية ، وتعديل الدستور ، والغاء قانون الطوارئ ، كانت مطروحة على مدار اكثر من عقدين من الزمن .

ايضا لأمانة التأريخ نؤكد انه فقط وبالتحديد يوم 28 يناير 2011 بدأت حركة المسلمين بنوع من الحذر تشق الطريق وتقف خلف الجماهير المتظاهرة ، وحينما تفشت شائعة خطيرة فى وسط المتظاهرين الشبان بميدان التحرير افادت بان هناك هجمات لمجموعات من البلطجية أعوان النظام تقتحم البيوت وتسرق وتضرب ، بل ان الطامة الكبرى سريان شائعة ان هناك حالات اغتصاب للنساء فى بيوتهن ، بغض النظر الآن عن حقيقتها من عدمه ، الا ان هذه الشائعات هددت بحدوث خلل وعدم توازن

فى صفوف المتظاهرين وكادت تسبب لمعظمهم الاحباط .

فقامت القيادات الشبابية لحركة الاخوان المسلمين وبسرعة تنظيمية فائقة وقدرة على الادارة فى نشر فكرة اللجان الشعبية لحماية المُمتلكات وعروض النساء فى ربوع المجتمع المصرى ، ومن ناحية أخرى بدأت الامدادات بالطعام واقامة مرافق طوارئ وأغطية تقيهم من البرد ، وهذا اسهم فى زيادة صلابة جموع المتظاهرين فى ميدان التحرير ورفع الأسهم الاجتماعية والسياسية للاخوان المسلمين .

ايضا لم تقف المعارضة التقليدية المتمثلة فى " حزب الوفد الليبرالي " وحزب اليسار المصرى " التجمع " الذى يضم من بين اعضاءه كثير من الناصريين ، لم يقف هؤلاء مكتوفى الأيدى حيث بادروا بالوقوف ودعم مطالب شباب الثورة .  وعلى الرغم أن محمد البرادعي ، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ، بدى وان له دورا في البداية ، لم يتعدى وجها جديدا للمعارضة الغير تقليدية ، لم ينجح فى ان يكون له دورا او مكانا قياديا فى ثورة الشباب ، واستمرت الثورة منذ تفجرها وحتى يوم 11 فبراير حينما جاءت حكومة جديدة ، ثورة شبابية بلا قيادة حقيقية ، فى حين ان مبارك تمكن من البقاء 18يوماً كان خلالها يراهن على ان يحصل على دعم ومساعدة من الحكومة الجديدة التى تم تنصيبها فى 28 يناير بقيادة الفريق احمد شفيق " بعد اقالة حكومة رجالات الأعمال " اعتقادا منه – مبارك – ان كون احمد شفيق ينتمى للمدرسة العسكرية ، ووجود المشير طنطاوى على راس قيادة الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ، سيتمكن من البقاء وامتصاص غضب الجماهير الثائرة ، فجاء رهان مبارك خاسرا واخفق فى تقديراته لمدى غضب الشعب المصرى ، واخفق ايضا فى تقدير مدى فقدان ثقة الشعب فى نظامه .

ولم تقف محاولات مبارك فى الالتفاف على الثورة ، حيث عين عمر سليمان نائباً لرئيس الجمهورية فى يوم 29 يناير2011 وهو الرجل الذى يحظى بثقته وكان يرأس جهاز المخابرات العامة المصرية منذ 22 يناير 1993 وحتى يوم تعيينه نائبًا للرئيس ، عقب ذلك بدى شيئ من الارتياح لواقع الحدث الذى تمثل فى تعيين نائب لرئيس الجمهورية ، وهو المنصب الذي كان شاغرًا منذ تولي الرئيس مبارك للحكم عام 1981 ، الا ان الرجُل – سليمان – المولود فى 2 يوليو عام 1936 ولكونه من نظام مُبارك والمدرسة العسكرية ، والشعب ضاق زرعاً ولا يُريد ان يحكُم البلاد شخصية عسكرية ، فلم يجد قبولا شعبياً ولا استحسان ، اضافة الى كبر سنه ، وكثيرًا ما كانت الصحف ودبلوماسيون أجانب بالقاهرة يشيرون بأنه سيكون خليفة الرئيس مبارك فى حكم مصر ، وكانت قد ظهرت حملة شعبية في سبتمبر من عام 2010 تطالب بانتخابه رئيسًا للجمهورية.

ولم تنجح ايضا وسائل الاعلام المصرية الحكومية فى اقناع المواطنين بشخص عمر سليمان ، عبر نشر سيرته الذاتية كنوع من الدعاية والترويج له ، وذكر انه قد تلقى تعليمه في الكلية الحربية ، ثم انضم فى عام 1954 للقوات المسلحة المصرية ، وسرد المناصب التى تولاها ، والتركيز على انه تولى منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات المسلحة ومنصب مدير المخابرات العسكرية ورئاسته  لجهاز المخابرات العامة المصرية ونشاطه فى ملف القضية الفلسطينية ، لكن فشلت سياسة تلميعه اعلاميا التى كانت حومة البيت الأبيض واسرائيل تقف وراءها بشكل غير مباشر.

تجدر الاشارة الى ان المشتغلين فى السياسة والنشطاء وعدد كبير ممن يتخذوا من العقيدة الاسلامية ركيزة سياسية لهم ، ومن ورائهم الاخوان المسلمين أعادوا الى ذاكرة الجماهير المصرية الاتهامات التى احاطت بعمر سليمان فى الماضى بضلوعه فى عمليات تعذيب ضد معتقليين كان يشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة وأرسلتهم الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان إلى مصر .