رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تجديد الربيع العربى بين التمرد والثورة ( 4 )

ذكرت فى الحلقة الماضية أن فرض كثير من الأنظمة العربية قيود مُشددة على جماعات المُعارضة خلق حالة من القهر السياسى والاجتماعى ، وخاصة لدى الجماعات الاسلامية التى اندفعت للعمل فى خلايا تحت الأرض فى الظلام ، لذلك فإن ميلاد التطرُف كانت لبنته الأولى من رحم الظلم والقهر والقمع ، وأن غياب الديمقراطية أفسح المجال لبطانة منافقة ارتمت فى أحضان نظم استبدادية .

الآن انتقل لمرحلة لها بصمات غائرة تأثرت بها كل الشعوب العربية ومصر على وجه الخصوص ، فشباب مصر كان قبل حرب  67 مشحونا معنوياً ، مؤمناً بالعروبة كأساس جغرافى ومُعتقداً بعروبة مصر ، وفجأة تحطمت أحلامه ومُعتقداته على صخرة نكسة حرب الأيام الستة عام 1967 ، وحدث نوع من الانكسار النفسى والاجتماعى فى حينه ، وانحدار لمفهوم القومية العربية بنسب متفاوتة عند الشعوب العربية ، تنامت معه على التوازى حالة من العودة للإسلام كانت بمثابة إعادة أسلمة للمُجتمع المصرى إذا جاز الوصف ، وشهدت تلك المرحلة حالة أخرى لقدر من التسامح مع الإسلام السياسي .

ومرت المنطقة العربية بمتعرجات سياسية كان ظاهرها الاستقرار وباطنها الارتعاش العقائدى بحثاً عن أيديولوجية تجمع شتات مفهوم القومية العربية من جديد ، أو مفهوم آخر بديل يسير الشباب العربى على دربه ، استغرقت هذه الفترة حوالى ثلاثة عشر عاماً ، بعض المُجتمعات العربية تمسكت بتلابيب الخط الناصرى ، وأخرى تأرجحت بين العلمانية والماركسية ، وثالثة راودها الحنين لسد الفراغ الروحى تنتشل نفسها من انكسار هزيمة اسرائيل للجيوش العربية ، وذلك باللجوء للإسلام كشبكة إنقاذ على اعتبار أن الاسلام هو الحل ، وهو الأمر الذى سعت لاستثماره ثورة إيران الاسلامية عام 1979 ، ووجدت عملية إعادة الأسلمة  لدى غالبية الشعوب العربية أنصار لها .

أما حقبة الثمانينيات والتسعينيات فقد شهدت صداما مريرا بين الأنظمة العربية والجماعات الاسلامية ، وصلت لحد استخدام العُنف والعُنف المُضاد ، وقد بالغت الأجهزة الأمنية فى استخدام العُنف ، وبالغ قادة عدد لا بأس به من القادة العرب فى تهديد أصحاب الانتماءات السياسية الاسلامية ، وهو الأمر الذى ساعد نسبياً على زرع بذور شديدة العُنف لدى كثير من الجماعات الاسلامية ، وقد انعكس ذلك على الأوضاع الاجتماعية فى حينه ، وحتى الوقت الراهن فى المرحلة التى سبقت الثورات العربية بسنوات قليلة  ، واستمر بعد تفجر ثورتى تونس ومصر .

ومع ذلك فإننا نرى أن جحافل المتظاهرين فى المنطقة العربية منذ الثورة التونسية مروراً بمصر والبحرين وسوريا والمغرب وليبيا لم تقتصر على الاسلاميين ، حيث ان المعارضة الاسلامية لم تكن إلا جزءا من جموع المحتجين ، أما الغالبية فهى معارضة Progressive شبابية تدعو الى إسقاط الأنظمة ، مزجت ( الاحتجاج – الرفض – التمرد ) فى بوتقة ثورية وتعرض الشباب للموت ، والمثير أنه وقت أن سالت الدماء وسقط الشهداء ، كانت الشعارات السلمية للمتظاهرين بمثابة سلاح جديد يحمل إرادة ثورية لتفويت الفرصة على لجوء الأجهزة الأمنية لمزيد من القمع ، نجحت حتى الآن ثورتا تونس ومصر فى ذلك ، لكن فى بلدان أخرى فى منطقة الخليج من ناحية وسوريا وليبيا على الجانب الآخر لجأت أنظمتها للقمع العنيف ، وبعضها لإسكات صوت الثورة بضخ الأموال ، وفى شمال أفريقيا حالات لم تحسم بعد لصالح نظام بعينه أو بنصرة الثوار ، أما المطالب بمحاربة الفساد والقضاء عليه ، تحسين الحالة الاجتماعية الاقتصادية ، وإطلاق الحُريات ، وتأسيس المجتمع المدنى ، وإقامة أنظمة ديمقراطية فهى مطالب قائمة حتى اللحظة ، ونتوقع أنها لن تنتهى قريباً ، حيث إن الاعلام الجماهيرى البديل الذى أدهش العالم كله ، متمثل فى وسائل اتصالات متطورة بين الشباب ما زال يلعب دوراً مؤثراً ، على الرغم من محاولة أنظمة مثل مصر وتونس فى الدخول فى منافسة مع الشباب ، اعتقادا منها – بقايا الأنظمة التى وضعت حولها غلافا جديدا – انها ستتمكن من إحداث توازن ما ، أو تعطل أو تجهض المسيرة الثورية ..

وحينما ننظر للسياق الإقليمي متمثلا فى رائحة الياسمين لثورة الشعب التونسى نجد أن تونس كانت بالفعل الشرارة التي أشعلت برميل البارود ، حيث كان مشهد الشاب التونسى " محمد البوعزيزي " البالغ من العمر 26 عاماً وهو يحرق نفسه محتجاً بدوافع اليأس والاحباط ، هو أول مشهد درامى لثورة الشباب ، خلق نوعاً إيجابيا من التراجيديا التحريضية للشباب العربى ، وقد أسقط البوعزيزى بالنيران التى التهمت جسده الستارة الحديدية التى أعادت روح الأمل من جديد فى ربيع العرب .

وهنا نوضح أن وعود رئيس تونس الهارب " زين العابدين بن على " لم يتم تنفيذها ، فقد تأخر بن على ونظامه ولم يف بوعوده التى أعلن عنها فى الماضى بأن عام 2014 سيشهد تنازله عن السُلطة ، وإطلاق حُرية الصحافة ، وتخفيض أسعار السلع الغذائية .

لقد أثبت الشعب التونسي حقاً واقتنع بأن حقوق الانسان قيمة لا يمنحها السُلطان ، وأن الحُرية

ليست منة أو عطاء على سبيل الصدقة ، وقد أخذها بنفسه وأيقظ العالم العربى ، وفاجأ امريكا وأوروبا معا ، تلك المفاجأة التى أسقطت قناع الغرب وأسقطت معها ورقة التوت ، وأكدت ثورات شباب العرب أن أمريكا وأوروبا ساندت استقرار أنظمة عربية فاسدة ، ودعمت الاستبداد من خلف الستار حفاظا على مصالحها الاقليمية فى الشرق الأوسط وشمال افريقيا ، وترك الغرب اليد الطولى للأنظمة العربية تقمع الشباب وحركات المعارضة ، دون المساعدة الأمينة لمُكافحة البطالة ، ودفع حركة التنمية فى العالم العربى .

الآن ليست الأنظمة العربية وحدها التى تشعر بالقلق والخوف من سقوطها ، فهناك أنظمة لبلاد أخرى خارج المنطقة العربية مثل ( ألبانيا وروسيا والصين ) تشعر بالرعب من قدوم رياح الغضب والتمرد والثورة الي أراضيها ، وهى مخاوف مشروعة حيث إن النشطاء من بين الشباب المتعلم والمثقف فى حالة حراك سياسى ومعارضة لتلك الأنظمة هناك .

إن تعطش الشباب العربى للديمقراطية ، والرغبة فى الحُرية ، والغضب من الأنظمة الفاسدة كلها دوافع قوية أطاحت بالرئيس التونسى الهارب " زين العابدين بن علي " وأجبرت الرئيس المصرى السابق " حسنى مبارك " على خلع نفسه من سدة الحُكم .

إن المكونات التى أدت الى الثورة كانت واضحة ، إلا أن النظامين التونسى والمصرى لم يرغبا فى رؤيتها ، ودفعت نظرة التعالى الى حالة إغماءة سياسية وأمنية ، وعلى الصعيد فإن دولة مثل فرنسا بما لها من علاقات متينة وتاريخية مع تونس ، وما لها من شبكات معلوماتية بعضها رسمى ومعظمها غير رسمى داخل الأراضى التونسية فشلت – فرنسا – فى أن يكون لها نظرة استشرافية لحدوث ثورة ، وشعرت الخارجية الفرنسية بالحرج والخجل ، ولإنقاذ ماء وجهها ظلت تدعم زين العابدين بن على ونظامه الى اللحظات الأخيرة .

إن غياب سياسات طموحة لدى دول الاتحاد الأوروبى ، وسيطرة هاجس الخوف من حدوث عدم استقرار فى تونس يهدد المصالح الأوروبية وخاصة فرنسا ، وفوبيا نمو التيارات الاسلامية وصعود جبهات إسلامية سياسية لسدة الحكم ، أدى لسوء تقييم وغياب التوقعات الحقيقية لأوروبا ، ولا يمكن إغفال أن اليمين المتطرف الأوروبى والاعلام المساند له ساهم بشكل كبير فى ترسيخ المخاوف الأوروبية ، لذلك كانت المفاجأة كبيرة ومحرجة للحكومات الأوروبية .

أيضا واقع الجغرافيا السياسية لتونس ، وكونها لا تلعب دورا كبيرا فى السياسة الدولية ، أدى لحدوث حسابات خاطئة لدى خبراء السياسة الأوروبية ، وأبعد مجرد التفكير فى أن حالة الغضب والتمرد فى تونس سيكون لها تأثير فى الشرق الأوسط وشمال افريقيا ، إلا أن الديناميكية الثورية لا تزال مستمرة ولا زالت أوروبا تنظر بدهشة ، لكنها تراقب عن كثب الآن مسارات الثورة التونسية ، وتتابع الى أى مدى ستصل مرحلة التحول الديمقراطى فى تونس .

ويبقى الفيصل فى النجاح متوقفا على عناصر أساسية أهمها : تعديل النصوص الدستورية التى تركها وراءه زين العابدين بن على ، دور فعال للجيش ، تنظيم انتخابات حُرة ترضى الشعب بكافة طوائفه ، إفساح المجال للمعارضة - التى تم قهرها على مدار 23 سنة – للمشاركة السياسية ، إرادة جماهيرية وصبر وتحدي الشعب التونسى لإنجاح ثورته ، التوصل الى عقد اجتماعى جديد يُعيد التوازن للشارع التونسى .

والى حلقة مقبلة إن شاء الله .

[email protected]