من الذى يصنع جماعات الفلول الجُدد ؟
كُنت قبل ثورة 25 يناير أسمع نبرات أصواتهم الغاضبة . . مُفردات تنطلق من أفواههم كطلقات رصاص تُدوى أصواتها عالية . . تعبر عن الرفض المُطلق لنظام مبارك ونية التوريث . . تنتقد الفساد والمحسوبية وإهدار ضباط الشرطة لحقوق وآدمية الإنسان المصرى ،
وكُنت أفتخر بان هذا النفر هم بعض من معارفى وأصدقائى ، لا خوف لديهم فى الإعلان عن آلامهم بسبب تفشى الفقر والبطالة فى المُجتمع . . هؤلاء هم بعض من أشخاص أعرفهم شخصياً والتقى بهم بين الحين والآخر حتى اليوم . . أحدهم كاد ان يبكى وهو يدس فى يدى ذات مرة ورقة ابان مراحل الثورة الأولى ، وقال لى مُتسائلاً هل قرأت حدث الشاب " محمد عثمان " ؟ . .
انا ما زلت احتفظ بهذه الورقة فى درج مكتبى وهذا نصها الذى جاء بعنوان : " شهيد حدد تاريخ مصر " الشهيد محمد عثمان عبد ربه (الشهير بهشام)، خرج يوم جمعة الغضب 28 يناير، لم يقل لوالديه إنه ذاهب للمُظاهرات ، سلم عليهم . . قالت له أمه ألا يذهب , فخوفاً عليها قال لها لن أذهب بل سأطمئن على السيارة.
ذهب هشام إلى أصدقائه وسلم عليهم ، وعندما وصل إلى ساحة المُظاهرة فى الإسكندريه بمنطقة العجمى أمام مساكن طلعت مصطفى وجد شاب يقع أمامه إثر طلق نارى فسارع إلى إسعافه ، وقبل أن يحمله فإذا برصاصتين من أحد ضباط الشرطة إنفجرت إحداهما داخل رأسه والأخرى في أذنه.
والده قال : إن نوع الرصاص الذي تلقاه ابنه ينفجر مرتين ، أحدهما أثناء خروجها من الماسورة ، والأخرى داخل الجسم ، والتي يطلق عليها اسم (دم دم) حيث تركت تجويف مساحته 8 سم وأدت إلى تهتك وإرتجاج وكسر في الجمجمة.
وأضاف: " ابني خرج من المنزل ولم يُخبر أحد أنه سيشارك في المُظاهرات وقال لصديقه ياسر الذي استشهد أيضاً في ذات اليوم أن هذا اليوم سيُحدد تاريخ مصر ، وبعد مرور 15 دقيقة تم إبلاغي بالوفاة فوجدته ملق على الأرض غارقاً في دمائه ، ونقلته على الفور إلى مستشفى العجمي العام ، والتي رفضت إستقباله ، ثم توجهت به إلى مستشفى المبرة التي حاولت إنقاذه بشتى الطرق ولكنه توفي " ..
صديقى هذا التقيت به مؤخراً عقب إصدار حُكم المؤبد على مبارك ووزير داخليته ، وتبرئة عدد من كبار ضباط الداخلية ، وعلى سبيل الدردشة السياسية والحديث عن أحوال البلد التى تشغلنا جميعاً ذكرته بالورقة التى
صديقى هذا ( . . . ) هو عينة لبعض من نماذج " الفلول الجُدد " التى صنعتها بعض من وسائل الإعلام خلال الأشهر الماضية ، تلك التى دابت على التشكيك فى الثورة والثوار ، تشكك فى بعض القوى السياسية لصالح أخرى ، فأنصار الحزب الوطنى المنحل فى نظام مبارك السابق ، الذين ضاعت مصالحهم ، وفقدوا ما كانوا ينتفعوا به من أموال على حساب غالبية الشعب الفقير ، لا يسعدهم قدوم نظام جديد يتوقعون ان يُلاحق ما تبقى منهم ، يخشون القصاص ويد العدالة ان تمتد اليهم .
صديقى هذا (. . . ) تحول الى جماعات الفلول الجُدد بفضل دعاية التخويف من المُستقبل ، دعاية إعلامية بعينها تستند الى وهم تصنعه بنفسها فى مقابل المال ، ورُبما طمعاً فى سُلطة ومناصب قيادية ، أمام كل هذا لا نملك الا الأمل والتريث والحكمة منعاً للفرقة ، وفى ذات الوقت يجب علينا جميعاً ان نتصدى لعناصر الفساد وأعوانهم ، القدماء والجُدد حتى نعبر بمصرنا الى بر الأمان .