رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حكمة رجل . . ضمير أمة واحدة

بينما أستعد لوضع اطار كتاب يتضمن فصلا كاملا عن علاقتى بالمرحوم " محمد فؤاد سراج الدين " باشا ، تلك العلاقة المثمرة التى ورثتها عن المرحوم والدى النقابى العجوز " محمد عبد الرحمن السبكى " صديق الباشا ، لم أملك الا ان أقتص جُزء من مذكراتى وأنشرها فى بيت الوفد قبل صدور كتابى . .

 

ذات يوم من صيف عام 1987 كنت فى زيارة عمل بالقاهرة ، ضمن أعضاء وفد يُمثل الجالية المصرية بهولندا ، مُشاركا فى مؤتمر للمصريين فى الخارج بدعوة من الحكومة المصرية ، دعت له وفود من دول أوروبية وأمريكا وكندا وبعض دول المنطقة العربية ، وفى تلك الرحلة كانت هناك برامج زيارات واجتماعات بكثير من قطاعات مؤسسات الدولة فى مصر ، تم الاعداد لها بهدف بحث ربط المُغتربين المصريين بالوطن الأم ، والاستفادة بخبراتهم فى شتى المجالات ، وتشجيعهم على الاستثمار فى مصر ، وبمُبادرة شخصية منى وعدد من نشطاء العمل الاجتماعى فى دول أوروبية مُختلفة وعلى هامش المؤتمر التقيت فى حينه بعدد لا بأس به من المسئولين فى جهات حكومية بغية إسماعهم صوت المغتربين ونقل مشاكلهم وعرض طلباتهم وآمالهم .

نجحنا فى الاستفادة بمناخ المؤتمر فى تحقيق بعض المطالب ، ومنها لم يتحقق حتى اللحظة لأسباب كثيرة ، منها بيروقراطية التكنوقراط المصريين ، وبعضها بسبب مخاوف استندت فى وقتها على أوهام ، كما أدت الروتينية العقيمة لوضع عقبات أمام مطالب لنا نحن ابناء المهجر ، التى كانت من نتيجتها ضياع فرص كبيرة على الوطن ، وأصابنا اليأس بسبب العقبات التى حالت بين تحقيق آمالنا .

ولم تقتصر جهودنا على طرق الأبواب الحكومية ، بل قمنا بزيارة الأحزاب المصرية وبعض النقابات المهنية ، والتقينا بعدد من نشطاء المُجتمع المدنى ، وكانوا فى منتصف السبعينيات ليسوا بالكثافة التى تشهدها الساحة المصرية الآن .

وبُمبادرة شخصية منى ، ولمعرفتى بالدكتور ممدوح البلتاجى رئيس هيئة الاستعلامات السابق اتصلت به طلبا لمقابلته ، وقد رحب الرجل وحدد لى ميعاد لاستقبالى فى مقر الهيئة بشارع طلعت حرب بالقاهرة ، وزيادة فى كرمه سمح لى ان أصطحب معى من أريد من أعضاء وفود الجاليات المصرية ، وأبلغنى انه من جانبه سيكلف احد موظفى العلاقات العامة بالهيئة الاتصال ببعض أعضاء وفود الجاليات المصرية لدعوته للقاء الذى أبدى رغبته – البلتاجى - فى استثماره نظرا لاهتماماته الوظيفية خاصة وانه عمل بالسلك الدبلوماسى لعدة سنوات ، وله تجربه ثرية بقضايا المصريين فى الخارج .

اصطحبت معى عدد من المصريين المقيمين فى أوروبا وعلى رأسهم استاذى المرحوم " جمال السنهورى " الاعلامى الكبير احد علامات اذاعة صوت العرب ، وكان مُقيما وقتها فى العاصمة البلجيكية بروكسل ، ويزورنى فى هولندا وابادله الزيارة فى بلجيكا من وقت لآخر حيث كنت ضمن اسرة تحرير مجلة " المغتربين " كانت تصدر من بلجيكا للجاليات المصرية فى أوروبا ، وفى الميعاد المُحدد التقينا ، وكان فى إنتظارنا هناك بمقر الهيئة العامة للاستعلامات المرحوم الكاتب عبد الرحمن الشرقاوى .

على الرغم اننى كنت وقتها أصغر الحاضرين سنا الا انه بعد مراسم التعارف وذكر البلتاجى اننى صاحب مبادرة اللقاء الودى الشبه رسمى اتفق الحضور على ان اقوم انا بإدارة الاجتماع ، وبلباقة الدبوماسى طلب منى ان أبدء بعرض سبب اللقاء .

لم تكن لدى أجندة عمل مكتوبة ، لكن ساعدتنى ذكراتى وبتلقائية موفقه قلت للحضور : اسمحوا لى ان اضع عنوان لهذا اللقاء الذى لم اتوقع انه سيكون على هذا النحو من حيث الكم والتنوع الاعلامى والفكرى ، وكان ما طرحته تحت عنوان : " المصريين فى الخارج يُخشى منهُم ويُخشى عليهُم "  وعلى قدر الوقت المُتاح ولمنح الحاضرين الفرصة لأن يدلوا بدلوهم اختصرت كلامى ، الذى اعتبرته رسالة تنبيهية لعدد من القضايا التى كانت ومازالت شديدة الخطورة .

نعم . . يُخشى منهم ، لأنهم صيد ثمين لاستعدائهم على وطنهم الأم ، والبعض منهم يقع فريسة جهات غربية وضحية لها ، اما لجهله واما لضعفه ، وربما لمرضه بعُقد نفسية وتراكمات إرث الحُكم الشمولى الذى أدى لهروب وهجرة نسبة لا بأس بها من المصريين الى أوروبا وامريكا وكندا ، خاصة بعد نكسة يونيو 67 .

كما انه . . يُخشى عليهم ، من الضياع فى غياهب التغريب والغربة بعيدا عن الوطن فى مهجرهم ، ويكون امر الاستفادة بهم شبه مُستحيل ، وتصبح محاولات استردادههم بغية ربطهم بالوطن الأم أيضا مُستحيلة ، ويضيع معهم الجيلين الثانى والثالث من أولادهم وأحفادهم ، وبذلك يخسر الوطن الأصل مصر .

وعن أمن وسلامة مصر اجتماعيا وقوميا نبهت لوجود " جهات بعينها " ترسل

فتيات لمصر مُعظمهن من الشقروات تحت ستار العمل فى الارشاد السياحى والعلاقات العامة ، لكنهن ينقلن أمراض خطيرة للشباب المصرى ، فى تلك المرحلة لم يكن مرض الإيدز معروف كما نعرفه اليوم ، الا للمُتخصصين ، فقط ما كانت تعرفه غالبية وسائل الاعلام الدولية هو وجود مرض بدء فى الانتشار بالقارة الأفريقية السمراء وبعض الدول الغربية يقضى على من يُصاب به

وقد أوضحت انه توجد مؤشرات جادة لزرع بذور الفتنة الطائفية فى مصر على عدة محاور ، خاصة بين أقباطها ومُسلميها ، وانه تجرى محاولات لفصل جنوب مصر عن شماله ، وهناك أعمال تحريضية لأقباط المهجر فى أمريكا وأوروبا , وذلك بدعمهم ومساعدتهم ماليا وبالخبراء فى تكوين مؤسسات اجتماعية دينية فى ظاهرها وسياسية فى باطنها ، تمهيدا لخلق كيانات تعارض النظام المصرى وتخلق له الصُداع داخل المُجتمع ، وقد قرأت لهم تقريرا اعلاميا عن الأقليات فى العالم كان منشورا عام 1985جاء فيه " ان تكوين كيانات مؤسسية دينية اجتماعية فى الغرب للأقباط من مصر ودول عربية أخرى فى منطقة الشرق الأوسط سيمهد الطريق بهدوء غير ملحوظ فى غضون ربع قرن لبداية حقيقية لمطالب مسيحية ، تكون امتدادا لجسور مصالح أوروبية تضمن ترسيخ ثوابت الدولة العبرية " ، ومن المثير للدهشة ان التقرير المعنى ذكر ايضا أهمية مُساعدة أهالى النوبة والحفاظ على ثقافاتهم وجنسهم من الذوبان فى سُكان الشمال المصرى " ، طبعا ليس لسواد عيون اهالى النوبة ولكن لتفتيت الشعب المصرى وبث الفرقة فى شرائحه .

ما ان سردت هذا الكلام الا واننى واجهت مُعارضة قاسية من بعض الحضور ، وصلت لحد اتهامى بالجنوح لما يُطلق عليه بنظرية المؤامرة ، انتهى الاجتماع ولم اتمكن من اقناعهم ، لأن معظم الحضور أرادو برغبتهم عدم التصديق ، لأنه كان كلاما صادماً ومُبكراً .

انتهى الاجتماع وذهبت بعدها حزينا وغاضبا ، وشكوت همومى للمرحوم فؤاد سراج الدين باشا ، ونقلت له ما حدث على سبيل الفضفضة ، استمع الى وهدأ من ثورة غضبى ، وبحكمته المعهودة قال لى " العمل فى سبيل كشف الحقائق من اجل الوطن له ضريبته ويجب ان تدفعها " موضحاً لى أزمة ثقة الحكومة فى مصريين الخارج عامة ، وبضمير رجل أمة أراد مكافئتى ومنحنى دعوة لاستقبالى ومن معى من أعضاء وفود الجاليات المصرية بالخارج الى مقر حزب الوفد فى شارع الشيخ على يوسف بالمنيرة ، وكانت المكافئة الثانية هى اعلانه وتوجيهاته فى يوم الندوة لتكوين لجنة خاصة للمغتربين بالحزب ، ولهذا قصة اخرى سأتناولها فى حينه .

وبعد ان انفض اجتماعنا العام بحزب الوفد التقيته فى مكتبه قبل عودتى لهولندا ، وأخذنى حماس الشباب وعرضت عليه فكرة تكوين مؤسسة فى هولندا باسم " جمعية أنصار الوفد " اعتقادا من انه سيرحب بالفكرة ، وكانت المفاجئة الرفض وقوله " لا . . اذا اردت ان تقوم انت او غيرك بتكوين اى نشاط لمُناصرة أفكار الوفد فيكون ذلك على أرض مصر وليس خارجها " .انه درس و حكمة رجل . . كان له ضمير أمة واحدة .