رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"وادي عربة".. الرمي بالحجارة لا يفيد

"وادي عربة".. اتفاقية سياسية مشؤومة، لا تحظ بأي أرضية داعمة في الأردن، بين أوساط القوى الشعبية والحزبية والنقابية، لكن اللافت أن البعض يستخدمها كنوع من الردح السياسي، على طريقة رمي الحجارة في الظهر، بهدف خلط الأوراق وقلب الطاولة رأساً على عقب، وتزوير حقائق التاريخ.

أبرز أساليب الانتهازية، التي تمارسها بعض القوى السياسية، هو ادعاء "إخوان الأردن" براءتهم منها ومن نتائجها، كما براءة الذئب من دم يوسف!. ومحاولة بعض أنصارهم وكتابهم تصوير النظام السياسي الأردني، كما لو أنه أدار ظهره للأشقاء الفلسطينيين، وأبرم صلحاً منفرداً مع العدو الصهيوني!.

في حين أن الحقيقة تشير وبما لا يترك مجالاً للشك، إلى أن اتفاقية "وادي عربة" ليست صناعة أردنية، بل هي قرار عربي تم اتخاذه بالاجماع، ولم تكن سلاماً منفرداً، وأن الوفد الأردني ذهب للمفاوضات في مدريد، بمشاركة الوفدين السوري واللبناني، بناء على دعوة أميركية، لعقد مؤتمر للسلام بين الإسرائيليين والعرب، وكان تحت مظلته السياسية الوفد الفلسطيني، برئاسة حيدر عبدالشافي وحنان عشراوي وفيصل الحسيني.

جاءت الدعوة الأميركية للمشاركة في مفاوضات مدريد، في إطار ظرف سياسي إقليمي ودولي، مشحون بالعداء تجاه الأردن على وجه الخصوص، وذلك عقب تحرير الكويت، وحصار العراق، وعزلة الأردن سياسياً ودولياً، ووصول تهديدات سياسية أميركية وبريطانية، تقول للملك حسين: هذه فرصتك الأخيرة، بعد انحيازك للتحالف الخاسر مع صدام، إما أن تركب بحافلة السلام وتذهب إلى مفاوضات مدريد، أو تظل وحيداً مكشوف الظهر وللأبد.

للأسف الشديد، ساهم السلوك الفلسطيني الانفرادي بقوة في دفع الجانب الأردني للتوقيع على اتفاقية "وادي عربة" المشؤومة. ففي الوقت الذي عمد فيه الملك الراحل الحسين بن طلال، إلى تشكيل وفد أردني – فلسطيني مشترك، من أجل تكريس قوة تفاوضية أكبر في مواجهة الاسرائيليين، اختار الفلسطينيون بقيادة الراحل ياسر عرفات أن يديروا ظهرهم للأردنيين، ووقعوا اتفاقاً سرياً ومنفرداً في أوسلو، نجم عنه ما يعرف بسلام الشجعان واتفاق (غزة – أريحا أولاً).

تم الكشف عن اتفاق الصلح المنفرد والسري (غزة – أريحا أولاً)، بين الفلسطينيين والإسرائيليين في عام 1991، وهو الاتفاق الذي تكلل بالتوقيع عليه رسمياً في واشنطن عام 1993، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مما جعل الأردنيين يظهرون في وضع تفاوضي ضعيف، ومكشوفي الظهر. وأن المظلة السياسية التي يتحدثون عنها أمام الرأي العام الدولي ويستضيفون تحتها الوفد الفلسطيني، لا قيمة لها، وأنها مظلة ممزقة ولا تقي من حر أو برد.

ولّدَ الكشف عن توصل عرفات، عبر وسطاء في الكنيست وحاخامات يهود، إلى اتفاق سلام سري ومنفرد مع الجانب الإسرائيلي، في مدينة أوسلو النرويجية التي تبعد 2800 كيلو متر عن مقر المفاوضات في مدينة مدريد الإسبانية، إحساساً بالصدمة والإهانة والخذلان، لدى الجانب الأردني، وهو ذات الشعور الذي تسرب إلى السوريين واللبنانيين أيضاً.

لاسيما وأنه كان هناك تفاهم ضمني بين الأطراف العربية ينص على عدم التوقيع على أي اتفاق سلام منفرد، وأن أي طرف عربي ينتهي من القضايا الشائكة مع الجانب الإسرائيلي، يجمد التوقيع على الاتفاق الثنائي حتى تتوصل بقية الأطراف العربية الأخرى إلى اتفاق نهائي وشامل، وذلك من أجل الضغط سياسياً على اسرائيل، ومنعها من الاستفراد بالأطراف العربية، أو إخراج بعضها من دائرة التأثير في جلسات المفاوضات، وهو الاتفاق الذي انتهكه الفلسطينيون بكل أسف.

الإحساس بالخذلان والإهانة لدى الجانب الأردني، الناجم عن التفرد الفلسطيني بتوقيع سلام منقوص، ومن طرف واحد وسري مع الإسرائيليين، ترافق مع تسرب معلومات تفيد بوجود تقدم كبير في المسار السوري الإسرائيلي، فيما يعرف باسم (وديعة - رابين)، وهي تسريبات ألقت بثقلها على الأردنيين، بشكل مخيف، وشكلت ورقة ضغط إضافية على الوفد التفاوضي لتوقيع الاتفاقية المشؤومة، وبدون أي تردد.

وعلى ضوء ذلك، اضطر الأردنيون إلى توقيع اتفاقية وادي عربة، حتى لا يسبقه طرف عربي آخر، ويجعله يقف وحيداً في ذيل قائمة الموقعين أو المهرولين نحو السلام، وبلا أي أوراق تفاوضية، وكان تاريخ التوقيع في شهر أكتوبر/تشرين أول 1994،

أي بعد 3 سنوات من توقيع الأشقاء الفلسطينين الصلح المنفرد مع الإسرائيليين وإدارتهم الظهر للأردنيين.

على الصعيد الداخلي، يستطيع أي مراقب، أن يقول بإنصاف شديد: أن الاتفاقية المشؤومة، لا يتحمل وزرها فقط النظام السياسي والحكومة الأردنية التي أبرمتها آنذاك، بل إن (إخوان الأردن) شركاء فيها وفي نتائجها، والدليل على ذلك أن 16 نائباً مثلو حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي للتنظيم، في برلمان 1993، لم يبادر أي منهم للاستقالة عقب إقرارها، ولو من باب احترام الجماهير التي انتخبتهم، أو من باب حفظ ماء الوجه، أو من باب التعبير عن السخط السياسي، أو حتى تسجيل موقف للتاريخ.

إن أقصى ما فعله نواب الجماعة هو انسحابهم من جلسة التصويت، التي تم خلالها تمرير الاتفاقية المشؤومة، وتركهم تسعة نواب وطنيين، محسوبين على الأحزاب القومية واليسارية الأردنية، في مواجهة سياسية خاسرة، لكي يصوتوا وحيدين ضد الاتفاقية، ويدفعوا الثمن من مستقبلهم السياسي لاحقاً.

الغريب، أنه وعلى الرغم من هذه الحقيقة المعروفة للجميع، فإن (إخوان الأردن)، اليوم وبعد عقدين من الزمن على تواطئهم في تمرير تلك الاتفاقية، أو غضهم الطرف عنها، نراهم يخرجون للشارع وينظمون مظاهرات تندد بالاتفاقية، التي لم يسجلوا آنذاك أي موقف سياسي حقيقي رافض لها ولنتائجها، ولو على شاكلة تحريك مظاهرة شعبية في وسط عمان، من المسجد الحسيني إلى مسجد الكالوتي!.

يكمن الرهان الآن، وفي قادم الأيام، على الدور الذي يمكن أن يلعبه (إخوان الأردن)، فيما يتعلق بنتائج هذه الاتفاقية وفصولها الخفية، خاصة بعد أن أعلن أكثر من قيادي بارز في تنظيمهم، وعلى فترات متباعدة، وعلى مدى أكثر من شهرين خلت، عن رفع الحظر على التفاوض مع الأميركيين والقوى السياسية الغربية.

ويتساءل الأردنيون بحذر شديد، فيما إذا سيتمخض عن هذه المفاوضات، تعهدات سياسية، يقدمها قادة التنظيم، عربون سلام، أو رسالة تطمينات، إلى الجانب الأميركي والغربي، مقابل انتزاع اعتراف دولي بشرعيتهم كقوة سياسية لها الحق في قيادة المرحلة المقبلة.

تبرز هذه المخاوف والتساؤلات بين الأردنيين، في ظل تسريبات صحفية تشير إلى أن هناك صفقة أو بوادر صفقة لم تكتمل أركانها بعد، تقوم على تمكين الإخوان من الحكم في الأردن، مقابل تعهدهم بالمضي في مشروع التوطين، وتجنيس اللاجئيين الفلسطينيين، الذين يشكلون القلق الأكبر لإسرائيل. على أن يتم في مقابل ذلك منح التنظيم مساعدات مالية أميركية وأوروبية وخليجية بمليارات الدولارات، تسمح بإعادة تأهيل البنية التحتية لسكان المخيماتـ، واغرائهم بالتنازل عن حق العودة، وهو ما يعني فعلياً، انجاز صفقة سياسية على حساب الأردنيين الشرقيين أصحاب الأرض والشرعية، وتقديم خدمة جليلة للاحتلال الصهيوني لم يكن يحلم بها أبداً.