عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"أبو مدين" راعى الغنم الفقيه

ضريح أبو مدين
ضريح أبو مدين

{الحضور مع الحق جنَّة‏،‏ والغيبة عنه نار‏، والقرب منه لذَّة‏، والبعد عنه حسرة‏، والأنس به حياة‏،‏ والاستيحاش منه موت}.

هو أبو مدين، شعيب بن حسين الأنصاري المولود سنة 515 هـ ، في قرية حسن قطنيانة التابعة لأشبيلية في بلاد الأندلس. توفي والده وتركه طفلاً بين أخوة أكبر منه، فأسندوا إليه مهمة رعي أغنام قليلة ورثوها.
تمرّد على حاله وهو طفل غرير، بعد أن خطف رجال الله بصره وقلبه، فهرول وراءهم، وترك رعي الغنم، ليرعى المعرفة ويربيها على مهل، يهضمها ويتذوقها ويتدبرها، فتدور بين عقله وقلبه ونفسه وتنتهي في ما بعد إلى لسانه فينطق بها حكمة صافية وآراء غاية في البساطة والعمق وشعراً وتواشيح عذبة في العشق الإلهي. ساح كثيراً في الأرض، ومشى في مناكبها على قدر استطاعته، فلما اختار منها مكاناً ليقطنه، آنس إليه خلق كثير، يستزيدون من علمه، ويقفون على مواجيده وأذواقه، فلم يبخل عليهم بشيء.
تعلم أبو مدين فى مدينة فاس الوضوء والصلاة، ولزم مساجدها، ثم اختار لنفسه حلقة ذكر وجلس إليها، وتنقل بين حلقات عدة، لكن عقله لم يلتقط الكثير، وكأن الشيوخ يتحدثون إلى مريديهم بلغة أعجمية. لكن ذلك لم يوهن من عزيمة أبي مدين فاستمر في تردده على مجالس العلماء، ونهل من معارفهم حتى ارتوى، فاكتمل له ما يجعله واحداً منهم. وكانت فاس آنذاك تعج بأفكار الموحدين التي قامت على علوم الكلام والفقه.
حدد أبو مدين طريقته في تلقي العلم، التي بيّنت حرصه على أن يتعدى مجرد حفظ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، إلى تدبر معانيها، وتذوق مراميها، والإلمام بأحكامها. وساح في بلاد أفريقية شتى، وزار مكة.
وكان من أهل العمل والاجتهاد منقطع القرين في العبادة والنسك، بعيد الصيت. كان من الفضلاء وأعلام العلماء، ومن حفاظ الحديث. وكان أبو مدين فقيهاً مفتياً، يقصده الناس أو يراسلونه من أطراف الأرض للاستفتاء فيفتيهم.
ولما اشتهر أمره وشي به بعض علماء الظاهر

عند الخليفة الثالث للدولة الموحدية يعقوب المنصور، وقالوا له إنه خطر على دولتكم، فإن له شبهاً بالإمام المهدي، وأتباعه كثر في كل بلد، فوقع في قلبه، فبعث إليه يطلب منه القدوم إليه ليختبره، وكتب لصاحبه أن يحمله خير محمل.
فلما أخذ أبو مدين يستعد للسفر إلى مراكش، عاصمة الدولة الموحّدية، للمثول بين يدي المنصور شق ذلك على أصحابه، فطمأنهم وقال لهم إنه أصبح شيخاً كبيراً ضعيفاً لا قوة له على المشي، ومنيته قدّرت بغير هذا المكان، ولا بد من الوصول إلى موضع المنية، فقيض الله لي من يحملني إلى مكان الدفن برفق، ويسوقني إلى مرام المقادير أحسن سوق.  فلما وصل الموكب به إلى ولاية تلمسان، مرض مرضاً شديداً، حتى وافته المنية في وادي يسر سنة 594 هـ، وحُمِلَ الجثمان إلى قرية العباد، مدفن الأولياء، وكانت جنازته يوماً مشهوداً، خرج فيها أهل تلمسان عن بكرة أبيهم، تقديراً منهم للولّي الكبير، ومنذ ذلك الحين، صارت تلمسان مدينة أبي مدين، يعرف بها وتعرف به.
وقيل إن أبا مدين ردد قبيل وفاته: {لا بأس من النوم في هذا المكان}. ثم كانت الإغماضة الأخيرة، وقال عند النزع الأخير: «الله الله الله، الله الحق، الله الحي»، حتى رق صوته، وصمت إلى الأبد.