رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الملك فاروق فى رمضان

فاروق في المسجد يتابع
فاروق في المسجد يتابع الدرس

كان للملك فاروق الأول طقوس خاصة فى شهر رمضان، فقد كان بعد ثبوت الرؤية الشرعية لهلال الشهر الكريم، يتوجه بخطاب للشعب يهنئه بهذة المناسبة الكريمة.. ومن خطاباته التى ألقاها في ليلة الأول من رمضان من العام 1360 هجري الموافق الثاني والعشرين من شهر أغسطس 1941،

قال: «شعبي المحبوب.. الليلة نستقبل شهر رمضان المبارك فرحين بما آتانا الله من نعمة الدين وعزة الوطن، فإليك الكريم تهنئة صادرة عن قلب يفيض إيمانا بالله، وحبا لرسوله، ورعاية لك وثقة بك، وعطفا عليك ، يقول الله تقدمت ذاته، وتعالت صفاته: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، وامتثالا لأمره جل شأنه أذكر نفسي وإخواني المسلمين بالاعتصام بالصيام، ففي الصوم تهذيب للنفس ورياضة لها علي احتمال المكاره، وعلى الصبر الذي هو من أكبر الأخلاق المقومة لحياة الأمم ومجدها، وفيه كف لليد واللسان عن الطغيان والعدوان والكذب والبهتان، وإنه ليشرح صدري في هذه الليلة المباركة أن أسأل الله جلت قدرته أن يمدنا بعنايته، وأن يجعل مجهوداتنا القومية مقرونة بالتوفيق وأن يعلي دينه وأن يعلي قدر الوطن، نعم الهادي ونعم المعين.. وسلام الله وتحيته عليكم أجمعين».
وكان المصريون يخرجون وكان من لا يمتلك جهاز راديو من المصريين يخرج إلي المقاهي أو البيوت التي فيها (آلة إذاعة)، فتزدحم الأماكن العامة والشوارع القريبة منها لسماع الكلمة، التي يلقيها الملك عبر الإذاعة، مهنئا بها شعبه بمناسبة شهر رمضان الكريم. وما يكاد المذيع يعلن انتقاله إلي قصر المنتزه لنقل كلمة الملك، حتي تسود الشوارع الصمت، حتي إذا انتهي الملك من إلقاء كلمته، تتعالي الأصوات مبددة هذا الصمت في كل الأنحاء تهتف: «حفظ الله جلالته وأطال بقاء».
ودائماً ما كانت المآدب الملكية ممدودة وعامرة في رمضان وتتسع للكثيرين من رجال الدولة وسفراء الدول ورجال الأحزاب وعامة الناس بمن فيهم الفقراء، وتميز الملك فاروق دون أسلافه فى إقامة هذه الموائد بكثرة. وكان الملك فاروق منذ العام الأول لتوليه حكم مصر، يدعو رجال القصور والخاصة الملكية لمائدة إفطار رمضانية سنوية، تحفل دائماً بما لذ وطاب. وكانت معظم مآدب الملك الرمضانية تُقام فى قصر عابدين، وكان كبار رجال القصر ممن يحظون بشرف المآدب الملكية في رمضان من أوائل المدعوين، وكان البروتوكول مقصوراً علي أصحاب المعالي والسعادة والعزة. وكان يأمر بإقامة مأدبة عائلية في قاعة المآدب الكبري بقصر عابدين، نال شرف حضورها أربعمائة موظف من أصحاب المعالي فنازلاً إلي الأفندية وموظفي الدرجة التاسعة. وكان يسمح بالتيسير علي صغار الموظفين بأن يحضروا بالثياب العادية. وكانت المآدب فاخرة بالطبع، ويقدم فيها شراب البرتقال والسجائر ويتلوها الشُربة الساخنة بالخضر، والخرفان البلدية بالخلطة، والفاصوليا بالدجاج، والديوك الرومي ، ومعها الخضروات والبطاطس، ثم التحلية بالأرز مع اللبن، وحلاوة بالقشدة وخُشاف وفواكه وقهوة.. وكان الملك يوجه الدعوة لجميع الخدم والسائقين والجناينية، وكانوا يتناولون ذات الطعام الذي يأكل منه الملك.
‏وكانت‏ ‏التقاليد‏ ‏قد‏ ‏جرت‏ ‏قبل‏ ‏حرب‏ 1948 ‏أن‏ ‏تقام‏ ‏مآدب‏ إفطار ‏في‏ ‏القصر‏ ‏الملكي‏ ‏في‏ ‏شهر‏ ‏رمضان، ‏لأمراء‏ ‏البلاد‏ ‏وعلمائها‏ ‏ووزرائها‏, ‏فلما‏ ‏جاءت‏ ‏الحرب‏ ‏أمر‏ ‏بإلغاء‏ ‏هذه‏ ‏المآدب‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏تحل‏ ‏محلها‏ ‏مآدب‏ ‏في‏ ‏القاهرة‏ ‏وسائر‏ ‏مدن‏ ‏المملكة‏ ‏وأرجائها‏ ‏للفقراء‏ ‏والمعوزين‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏الجيب‏ ‏الخاص‏ ‏الملكي‏ ‏طول‏ ‏مدة‏ ‏شهر‏ ‏الصوم‏ ‏المبارك‏, ‏فقبل‏ ‏أن‏ ‏يحل‏ ‏شهر‏ ‏رمضان‏ ‏بأيام‏ ‏يذهب‏ ‏المحافظون‏ ‏والمديرون‏ ‏والمسئولون‏ ‏إلي‏ ‏قصر‏ ‏عابدين‏ ‏ويتسلمون‏ ‏من‏ ‏رئيس‏ ‏الديوان‏ ‏العالي‏ ‏الاعتمادات‏ ‏المالية‏ ‏اللازمة‏ ‏لهذه‏ ‏المآدب‏ ‏مع‏ ‏رجاء‏ ‏من‏ ‏جلالة‏ ‏الملك‏ ‏بأن‏ ‏يعدوا‏ ‏الفقراء‏ ‏الذين‏ ‏يدعونهم‏ ‏إليها‏ (‏ضيوف‏ ‏جلالته). وكان‏‏ ‏يأمر‏ ‏الخاصة‏ ‏الملكية‏ ‏بتوزيع‏ ‏مبالغ‏ ‏من‏ ‏المال‏ ‏علي‏ ‏العائلات‏ ‏الفقيرة, ‏فلا‏ ‏يمر‏ ‏عيد‏ ‏الفطر‏ ‏المبارك‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏أن‏ ‏تشعر‏ ‏هذه‏ ‏العائلات‏ ‏به, ‏وكان يأمر‏ ‏بتوزيع‏ ‏مبالغ‏ ‏أخري‏ ‏من‏ ‏المال‏ ‏علي‏ ‏كل‏ ‏بيت‏ ‏فقير‏ ‏في‏ ‏القاهرة‏ ‏وفي‏ ‏الأقاليم‏ , ‏ولم‏ ‏يكن‏ ‏يمر‏ ‏أسبوع‏ ‏من‏ ‏أسابيع‏ ‏شهر‏ ‏رمضان،‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تقام‏ ‏فيه‏ ‏مأدبة‏ ‏من‏ ‏المآدب‏ ‏الملكية‏ ‏التي‏ ‏جرت‏ ‏عادة‏ ‏الملك‏ ‏علي‏ ‏إقامتها‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏عام‏ .‏فهذه‏ ‏مأدبة‏ ‏للعمال، ‏وتلك‏ ‏لرجال‏ ‏الجيش‏ ‏والضباط ، ‏وثالثة‏ ‏لمشايخ‏ ‏الطرق‏ ‏الصوفية‏ ‏والأئمة‏ ‏والخطباء‏، ‏ورابعة‏ ‏للطلبة‏ ‏الغرباء‏ ‏في‏ ‏مصر‏، وتلك‏ ‏مآدب‏ ‏تقام‏ ‏في‏ ‏مختلف‏ ‏أنحاء‏ ‏البلاد‏ ‏يدعو‏ ‏إليها‏ ‏الملك‏ ‏آلاف‏ ‏الفقراء‏ ‏من‏ ‏أبناء‏ ‏شعبه‏.
ولم تكن المآدب الملكية هى المكان الوحيد لحصول الفقراء على الطعام بل كان هناك «مطعم الملك فاروق الخيرى»، الذى كان يقدم «الطبيخ» والعيش لمن يريد.
وكان‏ ‏قصر‏ ‏عابدين‏ ‏العامر‏ ‏يضاء‏ ‏بالأنوار‏ ‏الكثيرة‏ ‏إحياء‏ً ‏لليالي‏ ‏رمضان‏، ‏ويتم تجهيز‏ ‏الفناء‏ ‏الداخلي‏ ‏للقصر‏ ‏لجلوس‏ ‏الألوف‏ ‏الذين‏ ‏يقبلون‏ ‏لسماع‏ ‏القرآن من كبار المقرئين. وكان‏ ‏حريصاً‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏يشارك‏ ‏أبناء‏ ‏شعبه‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الليالي‏ ‏المباركة

‏, ‏فيأمر‏ ‏أن‏ ‏تفتح‏ ‏السراي‏ ‏أبوابها‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏ليلة‏ ‏للجميع‏ ‏لا‏ ‏فرق‏ ‏بين‏ ‏غني‏ ‏وفقير. ‏
وفى الاسكندرية عندما كانت تنطلق قذيفة مدفع الإفطار في أول أيام رمضان، يتم تسليط الأنوار الكشافة علي قصر رأس التين، وبعد الإفطار يبدأ الوزراء والكبراء ورجال الدولة يفدون علي القصر العامر ليستمعوا، في أول أيام الصوم، إلي القرآن الكريم، وهو يذاع من القصر كل عام. وكان يُقام سرادق يتسع لخمسة آلاف شخص ويمتلئ كل ليلة بأبناء الشعب من مختلف الطبقات، ويتم نصبه علي مقربة من القصر لاستقبال الذين يريدون أن يستمعوا إلي الذكر الحكيم، وكانت تتوافد السيدات على السرادق، رغبة في الاستماع إلي القرآن، ولكن قيل لهن إن التقاليد لا تعرف ذلك، فاكتفين بالجلوس علي الحشائش قريباً من السرادق.
ومثالاً لهذه المآدب تلك التى أمر جلالة الملك بإقامتها فى 15 يونيه عام 1950، ودعا إليها الأمراء والوزراء ورجال الأزهر والسلك السياسي المسلمين ورؤساء ووفود جامعة الدول العربية، وأقيم سرادق كبير في حديقة القصر علي قرب من «السلاملك» ثم تفضل جلالة الملك فصافح مدعويه بيده الكريمة، بعد أن حياهم وهو يدخل السرادق بقوله: «كل عام وأنتم بخير»، وقد سمح لأعضاء وفود جامعة الدول بأن يشهدوا المائدة بملابسهم العادية، فكانت مفاجأة كريمة لهم. وفجأة انقلب الجو وهب نسيم بارد من البحر، وكان بعض المدعوين يرتدون ملابس الصيف الخفيفة، فأحسوا بهذا التغيير فأسرعوا بعد الإفطار ينشدون شيئاً من الدفء. وبعد انتهاء الأذان دار السفرجية علي الحاضرين بأكواب من شراب الورد.. ووضع النحاس باشا بضع قطرات من الدواء في كوبه، فتمني له الحاضرون الشفاء. وبعد أن انتهي المدعوون من تناول الإفطار وقف جلالة الملك، وقال لضيوفه: «كل عام وأنتم بخير، وأرجو أن تشعروا بأنكم في بيوتكم».. وتم انصراف جلالته وأخذ الحاضرون يتناولون القهوة والسيجار، وقد أم الأمير عبدالكريم الخطابي بعض المدعوين، وأم الشيخ أبوالعيون غيرهم في ركن آخر من أركان السرادق. ولم ينس رجال القصر أولئك الذين ساروا في خدمة كبار المدعوين وهم سائقو السيارات، وأقيمت لهم مائدة أخري، يتناولون عليها الطعام ثم انتقلوا إلي السرادق، حيث يستمعون إلي آيات الذكر الحكيم.
‏وكان‏ ‏الملك فاروق‏ ‏ ‏يؤدي‏ ‏أول‏ ‏صلاة‏ ‏جمعة‏ ‏في‏ ‏شهر‏ رمضان ‏بمسجد‏ ‏الرفاعي‏ ‏مع‏ ‏العلماء‏ ‏والكبراء ‏, ‏بل‏ ‏كانت‏ ‏الصلاة‏ ‏فيه‏ ‏مباحة‏ ‏للجميع‏ ‏في‏ ‏حضرة‏ ‏الملك‏. ‏وكان أيضاً مواظباً على صلاة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان (الجمعة اليتيمة) فى مسجد من مساجد القاهرة.. والجمعة اليتيمة في رمضان كانت تحظي باهتمام الملك والشعب، وكان الموكب الملكى يتقدمه خيالة الحرس الملكي، وتسير حوله وتتعقبه في نهايته فرسان مختارون طوال القامة ويتمتعون بالوجه الحسن ويحملون علي أكتافهم زرد الحديد وتقوم ثمانية خيول بجر العربة الملكية. وتكون العربة مغلقة ولها نوافذ من الكريستال ويجلس بها الملك فؤاد وخلفه كبير الياوران ثم تليها عربات رئيس الوزراء والوزراء والحاشية الملكية. وبعد ذلك أصبحت المواكب الملكية تتكون من السيارات وحولها الموتوسيكلات.
وكان الاحتفال بليلة القدر عادة عند الملك يقيم لها احتفالاً يحضره رجال الدولة ورجال الدين، يتلى فيها القرآن والخطب الدينية.